صفحة جزء
[ ص: 172 ] [ ص: 173 ] كتاب الحج

وفي ( الصحاح ) هو في اللغة : القصد ، ورجل محجوج مقصود ، وحج فلان فلانا أي أطال الاختلاف إليه ، والحج بالكسر : الاسم ، والحجة : المرة الواحدة ، وهو شاذ ; لأن القياس : الفتح ، وهي أيضا شحمة الأذن .

قال سند : الحج : التردد للقصد ، قال الخليل : هو كثرة القصد ، وسميت الطريق : محجة لكثرة التردد ، ووافقه صاحب ( المقدمات ) وقيل : إنما سمي الحاج حاجا لأنه يتكرر للبيت لطواف القدوم والإفاضة ، والوداع ، والمصدر : حج بفتح الحاء وكسرها ، وقرئ بهما في قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) . ( آل عمران : 97 ) والحجيج والحجاج : جمع حاج ، ثم نقل الحج في الشرع إلى قصد مخصوص كسائر الأسماء الشرعية .

تنبيه : قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) . ( البقرة : 196 ) ولم يقل في الصلاة وغيرها : لله ; لأنهما مما يكثر الرياء فيهما جدا ، ويدل على ذلك الاستقراء حتى إن كثيرا من الحجاج لا يكاد يسمع حديثا في شيء من ذلك إلا ذكر ما اتفق له أو لغيره في حجه ، فلما كانا مظنة الرياء قيل فيهما : لله . اعتناء بالإخلاص .

فائدة : قوله عليه السلام : ( من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج [ ص: 174 ] من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) تشبيهه يوم الخروج من البطن يقتضي أن لا تبقى عليه تبعات العباد ، ولا قضاء الصلوات ، ولا الكفارات ، وجوابه : أن لفظ الذنوب لا يتناول هذه الأمور ; لأن ثبوت حقوق الله تعالى وحقوق عباده في الذمة ليس ذنبا ، وإنما الذنب المطل بالحقوق بعد تعينها ، ولا يتناول الحقوق البتة ، نعم يتناول المطل بحقوق العباد ، لكن انعقد الإجماع على أن حق العبد موقوف على إسقاطه ، فيكون مخصوصا من الحديث ، فيتخلص : أن الذي يسقط الحج : إثم مخالفة الله تعالى فقط .

سؤال : كيف يسوي الله بين الفعل العظيم والحقير في الجزاء مع قوله عليه السلام : ( أجرك على قدر نصبك ) فالغفران قد رتبه الله على الحج المبرور ، ورتبه على قيام رمضان ، وقيام ليلة القدر ، وموافقة التأمين تأمين الملائكة ، وعلى التوبة ؟ جوابه : استوت هذه الأمور في التكفير ، واختلفت في رفع الدرجات .

قاعدة : قال سند : قال مالك : الحج أفضل من الغزو ، لقوله عليه السلام : ( بني الإسلام على خمس ) فذكر الحج . ولم يذكر الغزو ، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يكثر الحج ولا يحضر الغزو ، مع أنه قد ورد : ( ما جميع أعمال البر في الجهاد إلا كنقطة في بحر ) فيجوز أن يحمل على ما إذا تعين ، ويكون جوابا في حق سائل لفرط شجاعته ، كما سئل عليه السلام : ( أي [ ص: 175 ] الأعمال أفضل ؟ قال : بر الوالدين ) ، وسئل مرة أخرى فقال : ( الصلاة لأول وقتها ) .

قال بعض العلماء : وأفضل أركان الحج : الطواف ; لأنه مشتمل على الصلوات ، وهو في نفسه مشبه بالصلاة ، والصلاة أفضل من الحج ، فيكون أفضل الأركان ، فإن قيل : قوله عليه السلام : ( الحج عرفة ) يدل على فضيلة الوقوف على سائر الأركان ; لأن تقديره : معظم الحج وقوف عرفة ، لعدم انحصار الحج فيه بالإجماع ، قيل : بل يقدر غير ذلك وهو : إدراك الحج وقوف عرفة ، وهذا مجمع عليه ، فيكون أولى من المختلف فيه ، وقد صرح مالك بأن الطواف للغرباء أفضل من الصلاة بخلاف المكيين ، فيحتمل أن يفضله على سائر الأركان ، ويحتمل غير ذلك .

ويتمهد فقه هذا ( الكتاب ) : في بيان سبب وجوب الحج ، وشروطه ، وموانعه ، وسوابقه ، ومقاصده ، ولواحقه ، ومحظوراته . وأوضح ذلك إن شاء الله تعالى على هذا الترتيب في أحد عشر بابا .

التالي السابق


الخدمات العلمية