صفحة جزء
البحث الثاني في سننه : وفي ( الجواهر ) : هي أربع : الغسل ، والتجرد من المخيط ، وركعتان قبله ، وتجديد التلبية ، السنة الأولى : الغسل ، وهو قول مالك والأئمة ، لما في الترمذي ( أنه عليه السلام تجرد لإحرامه واغتسل ) وفي ( الكتاب ) : تغتسل الحائض والنفساء للإحرام ، وقاله الأئمة لما في مسلم قال عليه السلام : ( والنفساء والحائض إذا أتتا الموقف [ ص: 224 ] تغتسلان وتحرمان وتقتضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت ، قال سند : هذا الغسل غير واجب قياسا على غسل الجمعة ، ولا يتيمم له إذا عدم الماء كغسل الجمعة ، خلافا للشافعية ، فإن جهلت الحائض والنفساء الغسل حتى أحرمت : قال مالك : تغتسل إذا علمت ، وقال عبد الملك : إذا نسي الغسل وذكر بعد الإهلال تمادى ولا غسل عليه ; لأنه تبع للإحرام ، فإذا أحرم سقط كغسل الجمعة ، وراعى مالك بقاء الإحرام ، وإذا رجت الحائض الطهر إذا وصلت الجحفة : قال مالك لا تؤخر عن ذي الحليفة ; لأن الإحرام بذي الحليفة أفضل إجماعا ، ولأن المبادرة إلى العبادة أفضل ولا خلاف أنها لا تركع لإحرامها إذا اغتسلت ، والعمرة كالحج في الغسل .

ويغتسل عند مالك في الحج في ثلاثة مواضع : للإحرام ولدخول مكة . ورواحه للصلاة بعرفة ، وزاد ( ش ) : للوقوف بالمزدلفة . ولرمي الجمار الثلاث ، ولطواف الزيارة ، وطواف الوداع ، وللحلاق ، وفي ( الجلاب ) : يغتسل لأركان الحج كلها ، فعلى قوله : يغتسل لطواف الإفاضة ، وقال أشهب : يغتسل لزيارة قبره عليه السلام ، ولرمي الجمار ، لمالك ما في ( الموطأ ) أن ابن عمر رضي الله عنهما : كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ، ولدخوله مكة ، ولوقوفه عشية عرفة ، ولا تغتسل الحائض والنفساء لدخول مكة ; لأنه للطواف ودخول المسجد ، وهما ممنوعان منهما ، وقال مالك : وغسل الإحرام آكدها لترتيب سائر المناسك عليه ، فالغسل له سنة ولغيره فضيلة ، قال مالك : ولا يتدلك في غسل مكة وعرفة ، وبالماء وحده ، ويستحب غسل مكة قبل دخولها بذي طوى كفعل ابن عمر - رضي الله عنهما - ، وليس في ترك غسله دم ولا فدية اتفاقا ، وفي ( الكتاب ) : إن اغتسل بالمدينة ومضى لذي الحليفة من فوره أجزأه لقربها منه ، فإن تأخر بياض نهاره أعاده ، قال سند : استحب عبد الملك [ ص: 225 ] تقديمه من المدينة لفعله عليه السلام ذلك ، وليس بثابت ، وعلى هذا يتجرد من المخيط من المدينة ويلبس ثوبي إحرامه ، وقاله ابن حبيب وسحنون ، وكل من كان منزله عن الميقات بثلاثة أميال جاز أن يغتسل منه كالمدينة مع ذي الحليفة ، واغتساله لجنابته وإحرامه غسلا واحدا يجزئ ، ولا بأس أن يقص شاربه وأظفاره وعانته ، ويكتحل ويلبد شعره بالغسول والصمغ ويظفره ليقل قمله كما فعل عليه السلام ، وتمتشط المرأة قبل إحرامها بالحناء وما لا طيب فيه وتختضب ، واستحبه ( ش ) كان لها زوج أو لم يكن ; لقول ابن عمر - رضي الله عنهما - : السنة أن تدلك المرأة يديها بالحناء ، قال مالك : ولا يجعل في رأسه زئبقا يقتل القمل بعد الإحرام ، فإن كان ينظف الرأس منه فلا يكره ، ومنع مالك الطيب المؤنث عند الإحرام فإن فعل فالمشهور : لا شيء عليه ; لأن الأئمة قالوا باستحبابه لما في الصحاح : قالت عائشة - رضي الله عنها - : كنت أطيبه عليه السلام لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت ، وكأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرقه عليه السلام وهو محرم ، لمالك : ما في ( الموطأ ) أن عمر - رضي الله عنه - وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال : ممن ريح هذا الطيب ؟ فقال معاوية بن أبي سفيان : مني يا أمير المؤمنين ، فقال : منك [ ص: 226 ] لعمر الله ، فقال معاوية : إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه . والجواب عن الأول : أن ذلك الطيب لم يكن مؤنثا . وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : طيبته عليه السلام لإحلاله وإحرامه طيبا لا يشبه طيبكم هذا ، أو لأنه كان قبل غسله عليه السلام ثم اغتسل ، وهو خاص به ، جمعا بين الأدلة ، وعند مالك محمول على الكراهة فلا فدية ; لأنه لم يستعمل طيبا بعد الإحرام ، وإن وجد ريحا ، أشار بعض القرويين إلى ما يوجب الفدية حملا للاستصحاب كالابتداء كالمخيط ، وعلى المذهب : يؤمر بغسله بصب الماء ، فإن لم يزل إلا بالمباشرة باشره ولا شيء عليه ; لأنه فعل مأمور به ، فإن كان الطيب في ثوبه نزعه ، وإن عاوده وقلنا : لا فدية عليه : فيحتمل أن يقال : لا فدية عليه في العود ; لأنه معفو عنه ، وكذلك إذا نقل الطيب في الموضع من البدن إلى غيره أو الثوب ، أو نحاه ثم رده إلى موضعه ، وقال الشافعية : عليه الفدية ; لأنه ابتداء تطيب .

السنة الثانية : التجرد من المخيط في إزار ورداء ونعلين ، لما في الصحاح أن رجلا سأله عليه السلام ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال عليه السلام : ( لا يلبس القميص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس ) قال سند : فنبه بالقميص عن الجبة ونحوها ، وبالسراويلات عن التبان ونحوه ، وبالبرانس عن القلنسوة ونحوها ، وبالخفين على القفازين والساعدين ونحوهما ، وقال بعض الشافعية : يحرم المخيط أو المحيط كما لو سلخ عجلا على هيئته فلبس رقبته في رقبته ، ويديه في يديه ، وجسده في جسده من غير خياطة ، وفي ( الكتاب ) : ليس في الثوب الدنس بأس من غير [ ص: 227 ] غسل ، قال سند : إن كان نجسا غسل ، وقال ( ش ) : الجديد أفضل ، لنا : إن كان خلقا قد يكون أفضل من جديد ، فلو كان عليه طيب فأزاله ببوله صح إحرامه ، والبياض أفضل لقوله عليه السلام : ( خير ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا فيها موتاكم ) والمصبوغ بغير طيب يكره لمن يقتدي به ، وجائز للعامة . لما في ( الموطأ ) : أن عمر - رضي الله عنه - رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا - وهو محرم - فقال عمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال : إنما هو مدر ، فقال عمر : إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس ، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال : إن طلحة بن عبيد الله قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام ، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة ، والممنوع اتفاقا ما صبغ بطيب كالزعفران وورس ومنع مالك و ( ح ) ما ينفض ، وجوزه ( ش ) وابن حنبل ، ولم يره من الطيب ، لما في ( الموطأ ) أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - كانت تلبس المعصفرات وهي محرمة . ولأن الحديث المقدم نص على الزعفران والورس ، ومفهومه : جواز ما عداهما ، واختلف أصحابنا في كونه محرما أو مكروها : فقال أشهب : لا فدية عليه ، وقيل : فيه الفدية ; لأنه كالطيب ، أما ما لم ينفض فليس بمكروه للنساء دون الرجال : فإن كان في ثوبه لمعة زعفران فلا شيء عليه ، ويغسله إذا ذكر ، فلو لبس ثوبا فيه ريح الطيب دون جرمه فعليه الفدية عندنا وعند ( ش ) لحصول التطيب ، وقال ( ح ) : لا فدية ; لأنه لم يستعمل الطيب ، كما لو جلس في العطارين ، والفرق : أنه يعد مستعملا للطيب عرفا ، بخلاف الجالس ، وفي ( الكتاب ) : إذا وجد ثمن النعلين فلا يقطع الخفين [ ص: 228 ] أسفل من الكعبة كواجد ثمن الماء في التيمم ، أو ثمن الرقبة في الظهار . قال سند : وقد وهم البرادعي في هذا الفرع فقال : إذا لم يجد المحرم نعلين وهو مليء جاز له لبس الخفين إذا قطعهما ، ولعل الوهم من النساخ ، ووافق مالكا ( ش ) و ( ح ) في منع الخفين ، وأجاز ابن حنبل لبسهما غير مقطوعين ، لقوله عليه السلام : ( السراويل لمن لم يجد إزارا ، والخف لمن لم يجد نعلين ) وهو غير مقيد ، أو هذا مطلق ، والمقيد مقدم على المطلق ، فإن وجد نعلين لم يجز لبسهما مقطوعين ولا الشمشكين ، وعليه الفدية ، خلافا لبعض الشافعية لاشتراطه عليه السلام فقدان النعلين ، وقال ابن حبيب : إنما رخص في قطع الخفين قديما لقلة النعال ، أما اليوم فلا ، ومن فعله افتدى ، فإن وجد النعلين غاليين : قال ابن القاسم : إن كان ذلك قليلا اغتفر وإلا فلا ، وفي ( الكتاب ) : إحرام الرجل في رأسه ، والمرأة في وجهها ويديها ، ويكره للمحرم تغطية ما فوق ذقنه ، فإن فعل فلا شيء عليه ، لما جاء عن عثمان - رضي الله عنه - قال سند : يجب على الرجل كشف رأسه عند مالك والأئمة لنهيه عليه السلام عن العمائم والبرانس ، ولا تكشفه المرأة عندهم ; لأنه عورة منها ، ويكشف الرجل وجهه عند مالك ، وقال ( ش ) : يغطيه ، لما في الموطأ أن عمير الحنفي رأى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالعرج يغطي وجهه وهو محرم . لنا : قوله عليه السلام في المحرم الذي وقصت به ناقته : ( لا تخمروا رأسه ولا وجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) ولقوله عليه السلام : ( المحرم [ ص: 229 ] أشعث أغبر ) وأكثر ظهور الشعث والغبرة في الوجه ، ويحتمل أن عثمان - رضي الله عنه - وضع يده على حاجبه من الشمس إذ كان نائما ولم يشعر ، أو وارى وجهه بثوب ولم يلصقه ، أو فعله لضرورة ، ومن وجهة النظر : لو جاز ذلك للرجل لجاز للمرأة بطريق الأولى ، فإن ستر وجهه : فقال ابن القاسم وأشهب : لا فدية عليه ، وقال الباجي : إذا قلنا بتحريم التغطية فغطاه فعليه الفدية ، وإن قلنا بالكراهة فلا ، وإحرام المرأة في وجهها اتفاقا ، لقوله عليه السلام : ( لا تنتقب المرأة ) .

فائدة ، إنما منع الناس من المخيط وغيره في الإحرام ليخرجوا عن عادتهم والفهم فيكون ذلك مذكرا لهم بما هم فيه من طاعة ربهم فيقبلون عليها ، وبالآخرة بمفارقة العوائد في لبس المخيط ، والاندراج في الأكفان ، وانقطاع المألوف عن الأوطان واللذات .

السنة الثالثة : في ( الجواهر ) : يصلي ركعتين ثم يلبي ناويا ، فالراكب يبتدئ إذا ركب وأراد الأخذ في السير ، والماشي إذا أخذ في المشي ، والأفضل اختصاص الصلاة بالإحرام ، فإن أحرم عقيب الفرض جاز ، وفي ( الموطأ ) أنه عليه السلام صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين . فإذا استوت به راحلته أهل . فلو أتى لميقاة في وقت نهي انتظر خروجه إلا الخائف المراهق ، قال : قال مالك : إن أتى وقت مكتوبة لا يتنفل بعدها تنفل قبلها فإن نسي حتى أحرم فخرج على نسيان الغسل ، قال مالك : يحرم في فناء المسجد إذا ركب . ولا ينتظر سير دابته ، وقال الأئمة : في المسجد عقيب سلامه ، لما في أبي داود : قال سعيد بن جبير : قلت : لعبد الله بن عباس : عجبت من اختلاف أصحاب النبي عليه السلام في إهلاله حين [ ص: 230 ] أوجب ، فقال : إني لأعلم الناس بذلك ، إنما كانت منه عليه السلام حجة واحدة . فمن هناك اختلفوا ، خرج عليه السلام حاجا فلما صلى في المسجد بذي الحليفة ركعتين أوجبه في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه ، وسمع ذلك منه أقوام فحفظوه عنه ، ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل . ورأى ذلك منه أقوام فقالوا : إنما أهل حينئذ فلما علا شرف البيداء إلخ . لنا : الحديث السابق ، وهو مقصود بالعمل من عمر وغيره من السلف . السنة الرابعة : في ( الجواهر ) : من سنن الإحرام : تجديد التلبية عند كل صعود وهبوط ، وحدوث حادث ، وخلف الصلوات ، وإذا سمع من يلبي ، وصفة تلبيته عليه السلام : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) قال أشهب : إن اقتصر عليها فحسن ولا بأس بالزيادة . فقد زاد عمر : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن ، لبيك لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك ، وزاده ابن عمر - رضي الله عنهما : - لبيك لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل . ( فوائد ) ( في الصحاح ) ألب بالمكان إذا قام به ، وفي لغة : لب ، ولبيك مصدر ، أي إقامة على طاعتك ، كقولك : حمدا لله وشكرا له ، فكان الأصل أن يقال : لبا لك وإلبابا لك ، وهي تدل على التكرار الدائم ، أي إقامة بعد إقامة على طاعتك أبدا ، كما قال تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين ) . ( الملك : 4 ) أي ارجعه دائما فلا ترى في السماء شقوقا . و ( ألقيا في جهنم ) ( ق : 24 ) أي إلقاء بعد إلقاء ، [ ص: 231 ] لأن التثنية أول مراتب التكرار ، فدل بها عليه ، ونظيره : حنانيك ، أي هب لنا رحمة بعد رحمة ، أو مع رحمة ، ودواليك ، أي لك دولة بعد دولة ، وقال الخليل : بل معناه من قولهم : دار فلان تلت داري أي تحاذيها . أي أنا مواجه لما تحب إجابة لك ، وزاد صاحب ( التنبيهات ) : قيل : معناها : الإجابة ، أي إجابة بعد إجابة ، وقيل : معناها : المحبة من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت تحب ولدها ، زاد المازري في ( المعلم ) وقيل : معناه الإخلاص ، أي إخلاصا لك ، ونسب لباب إذا كان خالصا ولب الطعام ولبابه ، قال : ومذهب يونس أنه اسم مفرد قلبت ألفه ياء نحو : عليك ولديك ، ومذهب سيبويه والجماعة أنه تثنية ، قال سند : ويروى : أن الحمد والنعمة لك ، بفتح الهمزة على تقدير ، نفعل ذلك ; لأن الحمد لك ، وبكسرها على معنى الإخبار بثبوت المحامد لله ، واستحبه محمد بن الحسن ; لأنه ثناء ، والأول تعليل ، والرغب : المسألة ، يقال بفتح الراء ومع المد ، وبضمها مع القصر ، كالعلياء والعليا ، والنعماء والنعما . تنبيه : التلبية خبر ، ومعناه : الوعد لله تعالى بالإقامة على طاعته . أو بالإجابة له ، والوعد إنما يتعلق بالمستقبل ، ومقتضى هذا أن يستمر إلى آخر المناسك في كل حالة تبقى بعدها قربة من المناسك ، وكل من قال باستصحابها إلى آخر المناسك كان أكثر إعمالا لمقصودها ، وإذا قلنا : معناها : الإجابة فقيل : هي إجابة إبراهيم - عليه السلام - حيث قيل له : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ) . ( الحج : 27 ) وقال سند : ويلبي الأعجمي بلغته ، ولا يكون الإنسان محرما بالتعليم لمن لا يعلم التلبية ، ولا بإجابة غيره بها ، ومن سننها : الموالاة ، قال مالك : ولا يرد سلاما حتى يفرغ ، وقال الشافعية : يرد ; لأنه واجب ، وهي سنة ، ويبطل عليهم بالأذان ، ثم الواجب إنما يقدم إذا تعذر الجمع ، وهو ها هنا ممكن بالرد بعد الفراغ ، وليس فيها دعاء ولا الصلاة عليه [ ص: 232 ] صلى الله عليه وسلم ; لأنه لم ينقل عن تلبيته عليه السلام ، والمناسك إتباع ، وقال ( ش ) : يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك ) . ( الشرح : 4 ) أي : تذكر حين أذكر ، كالأذان ، ويدعو لما روي عنه أنه عليه السلام : ( كان إذا فرغ من التلبية في حج أو في عمرة سأل الله تعالى رضوانه والجنة ، واستعاذ برحمته من النار ) وجوابه : أن ذلك كان عند قطع التلبية في الحج أو دخول المسجد في العمرة ، وهي حالة الدعاء غير مرتبطة بالتلبية ، ويستحب رفع الصوت بالتلبية للرجال ، قال عليه السلام : ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بإهلال وروي أنه عليه السلام سئل : أي الحج أفضل ؟ قال : ( الثج والعج ) ومعنى الثج : إراقة الدماء ، والعج : رفع الصوت . قال مالك : ويلبي خلف النافلة ، وفي الفريضة ، وفي المنازل والطرق ، وحين يلقى الناس ، وبطن كل واد ، راكبا وماشيا ، ونازلا ، عند اليقظة من النوم ; لأن ذلك عادة السلف ، وهذا إذا كان ذاهبا في إحرامه ، أما لو نسي حاجة فرجع إليها : قال مالك : لا يلبي ، لأن هذا السعي ليس من سعي الإحرام ، ولا تكره التلبية للجنب والحائض لقوله عليه السلام لعائشة - رضي الله عنها - حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ) وقياسا على التسبيح ، وفي ( الكتاب ) : يرفع ولا يسرف . ولا يرفع في المساجد إلا المسجد الحرام ، ومسجد منى ، وترفع المرأة صوتها قدر إسماع نفسها ، قال سند : وروي عنه : يرفع في المساجد التي بين مكة والمدينة ، وقال [ ص: 133 ] ( ش ) : في مسجد مكة ومسجد منى ومسجد عرفة ، واختلف في علة المنع ، فقال أشهب : لأنها تكثر في المسجد الحرام ومسجد منى فلا يشتهر الملبي ، وقيل : لأن المساجد لم توضع للتلبية ، وهذان المسجدان لهما تعلق بالحج فلهما تعلق بالتلبية ، وإذا قلنا : يرفع صوته فيسمع نفسه ومن يليه ، ولمالك في زمن قطع التلبية في الحج خمسة أقوال : فروى ابن القاسم في ( الكتاب ) ثلاثة : إذا زالت الشمس ، وراح يريد الصلاة بعرفة . واختاره ابن القاسم لما في ( الموطأ ) أن عليا - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك ، وبعد الزوال والرواح إلى الصلاة بمسجد عرفة ; لأن التلبية إجابة ، وقد أجاب لقوله عليه السلام : ( الحج عرفة ) فقد أخذ في الصلاة والخطبة وتكملة الوقوف ، ونظيره : المعتمر يدخل الحرم ويأخذ في أسباب الطواف ، فإنه يترك التلبية ، وإذا فرغ من الصلاة عند الرواح ، لما في ( الموطأ ) أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تفعل ذلك ، وبعد الوقوف بعرفة لتكمل الإجابة ، وبعد جمرة العقبة . وقاله ( ش ) و ( ح ) وجمهور العلماء . لما في الصحيحين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، وقد تقدم أن التلبية وعد ، وأن الأفضل استمرارها إلى آخر الطاعات ، وفرق ابن الجلاب بين من يأتي عرفة محرما فيقطع يوم عرفة ، وبين من يحرم بعرفة فيلبي حتى يرمي جمرة العقبة ، وفي ( الكتاب ) : إذا قطع التلبية فلا بأس بالتكبير ، ويكره أن يكبر ولا يريد الحج ، ومن اعتمر من ميقاته قطع التلبية إذا دخل الحرم ، ولا يعاودها ، وكذلك من فاته الحج ، وقال ( ش ) : لا يقطع حتى يفتتح الطواف ، لما في الترمذي أنه عليه السلام ( كان لا يقطع التلبية في العمرة [ ص: 234 ] حتى يستلم الحجر ) وفي البخاري أن ابن عمر كان يقطع التلبية إذا دخل الحرم ، وإن أحرم من الجعرانة أو التنعيم قطع إذا دخل بيوت مكة ، أو قرب المسجد ، لقرب المسافة ، قال سند : وفرق في ( المختصر ) بين من أحرم من التنعيم فقطع عند رؤية البيت ، أو من الجعرانة إذا جاء مكة ، وهذا كله استحسان ، والواجب : التلبية من حيث الجملة ، وفي ( الكتاب ) : وإذا دخل المسجد الحرام مفردا بالحج أو قارنا فلا يلبي حتى يبتدئ الطواف بالبيت إلى الفراغ من السعي ، فإن أبى فواسع ، فإذا فرغ عاد إليها ، قال سند : ولا فرق بين من أفسد حجه لجماع ومن لم يفسده ، وبين أهل مكة وغيرهم في قطع التلبية ، وروي عنه : يقطعها إذا وصل أوائل الحرم ، ويعاودها بعد الطواف ; لأنه وصل إلى مقصوده ، وهو فعل ابن عمر ، وروي عنه : إذا دخل مكة لأنه يأخذ في عمل الطواف من الاغتسال وغيره ، وهو وسيلة العذر المانع منها ، وقال ( ش ) . . . وابن حنبل : يلبي وهو يطوف ، لنا : عمل ( المدينة ) أكثر السلف ، والقياس على طواف العمرة ، وروى . . . أشهب : يعاودها بعد الطواف قبل السعي ; لأن السعي لا تعلق له بالبيت ، وقال صاحب ( النكت ) : قوله في ( الكتاب ) : إذا توجه ناسيا للتلبية وتطاول ذلك ، أو نسيه حتى يفرغ من الحج : عليه دم ، وإن رجع مع الطول ، ولا يسقطه الرجوع ، بخلاف من لبى أول إحرامه ثم يترك ناسيا أو عامدا لا دم عليه ; لأنه أتى بالتلبية أولا حين خوطب بها ، وليست محصورة بعد ذلك فاستحقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية