صفحة جزء
المقصد الرابع : السعي ، وأصل وجوبه وركنيته : حديث جابر المتقدم ، في ( الموطأ ) عن عروة عن أبيه قال : قلت لعائشة - رضي الله عنها - أرأيت قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . ( البقرة : 158 ) وما على الرجل أن لا يطوف بهما قالت عائشة - رضي الله عنها - : كلا لو كان كما تقول ، لكانت : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، إنما نزلت في الأنصار ، وكانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد ، فكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزلها الله ، تشير - رضي الله عنها - إلى قاعدة أصولية ، وهي : أن نفي الحرج إثبات للجواز ( وثبوت الجواز ) لا ينافي الوجوب ، بل الجواز مع لوازم الوجوب ، فلو نفي الحرج عن الترك أبطل الوجوب ، وهي جديرة بذلك - رضي الله عنها - لقوله عليه السلام : ( خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ) وفي السعي فصلان : الفصل الأول : في الشروط وهي أربعة : الشرط الأول : الترتيب ، وفي [ ص: 251 ] ( الكتاب ) : إذا فرغ من طوافه خرج إلى الصفا ، ولم يحد مالك في أي باب يخرج ، ويستحب أن يصعد منه ومن المروة أعلاهما حيث يرى الكعبة منه ، ولا يعجبني أن يدعو قاعدا عليهما إلا من علة ، ويقف النساء أسفلهما وليس عليهن الصعود إلا أن يخلوا فيصعدن وذلك أفضل لهن ، ولم يحد مالك في الدعاء حدا ، ولا لطول القيام وقتا ، ويستحب المكث عليهما في الدعاء ، وترك رفع الأيدي أحب إلى مالك في كل شيء إلا في ابتداء الصلاة ، فإن بدأ بالمروة زاد شرطا ليصير بادئا بالصفا ، قال سند : الناس يستحبون الخروج من باب الصفا ; لكونه أقرب ، ويجزئ الساعي دون الصعود خلافا لبعض الشافعية ، لما روي أن عثمان - رضي الله عنه - كان لا يصعد الصفا ولم ينكر عليه أحد ، ولا يجب إلصاق الكعبين به على المذهب بل يبلغه من غير تحديد ، وقال ( ش ) : يجب وهو كقوله في الطواف يبدأ بالحجر ، قال ابن حبيب : يقول إذا صعد الصفا ورأى البيت رافعا يديه : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، والحمد لله كثيرا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، ثم يدعو بما استطاع ، ثم يكبر ثلاثا ويهلل مرة ، ثم يدعو ثم يعيد التكبير والتهليل ، ثم يدعو يفعل ذلك سبع مرات ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مروي عن عمر وغيره ، والترتيب شرط عند مالك و ( ش ) خلافا ل ( ح ) لنا : حديث جابر فإن خرج إلى بلده يختلف في رجوعه كمن ترك شوطا من الطواف .

الشرط الثاني : الموالاة ، وفي ( الكتاب ) : إذا جلس في سعيه شيئا خفيفا أجزأه ، وإن كان كالتارك ابتدأه ولا يبني ، ولا يصلي على جنازة ، ولا يبيع ولا يشتري ، ولا يقف مع أحد يحدثه فإن فعل وكان خفيفا لم يضر ، وإن أصابه حقن توضأ وبنى ، الكلام هنا كالكلام في الطواف ، وهو في السعي أخف ، ولذلك جوز له الصلاة على الجنازة بخلاف الطواف .

[ ص: 252 ] الشرط الثالث : إكمال العدد ، وفي ( الكتاب ) : من ترك شوطا من حج أو عمرة صحيحة أو فاسدة فليرجع لذلك من بلده .

سؤال : الصفا أفضل أو المروة ؟ جوابه : المروة ؛ لأن الساعي يزورها من الصفا أربعا ويزور الصفا من المروة ثلاثا ، ومن كانت العبادة فيه أكثر كان أفضل .

الشرط الرابع : أن يتقدمه طواف صحيح ، وفي ( الجواهر ) : يشترط فيه تقدم طواف صحيح ، وليسع عقب طواف القدوم ، فإن كان مراهقا : فعقيب طواف الإفاضة ولو أخره غير المراهق ( عقيب الإفاضة ) لزمه الدم عند ابن القاسم ، خلافا لأشهب ، ولو أخره عقيب طواف الوداع أجزأه عند مالك ، خلافا لابن عبد الحكم ، وفي ( الكتاب ) قال ابن القاسم : إذا قدم مكة فطاف ، ولم ينو به حجا ثم سعى : لا أحب له سعيه إلا بعد طواف ينوي به الفرض ، فإن رجع إلى بلده أو جامع رأيته مجزئا عنه ، وعليه دم وأمر الدم خفيف ، قال سند : وقد نقله البرذاعي على خلاف هذا فقال : إذا طاف ولم ينو فرضا ولا تطوعا ، ثم سعى لم يجزئه ، وليس كذلك ; لأنه لو لم يجزئه لوجب الرجوع إليه من بلده فإن كان هذا غافلا عن الواجب أجزأه ، كالغفلة عن أركان الصلاة ، فإن كان ذاكرا للواجب وقصد التطوع ، فيحتمل الإجزاء اعتمادا على نية الإحرام . وإن الرفض يؤثر فيها وهو الأظهر ، ويحتمل عدم الإجزاء لوجود المعارض .

الفصل الثاني : في سننه وهي خمس :

السنة الأولى : قال سند : اتصاله بالطواف إلا اليسير ، وله أن يطوف بعد الصبح ويسعى بعد الشمس ، وكذلك بعد العصر قال مالك : إن طاف ليلا وأخره حتى أصبح أجزأه إن كان بوضوء ، وإلا أعاد الطواف والسعي والحلاق ، فإن خرج من مكة أهدى وأجزأه تأكيدا للتفريق بالحدث .

السنة الثانية : الطهارة قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : إن سعى جنبا أجزأه ، [ ص: 253 ] قال سند : يستحب الوضوء أو الطهارة لاتصاله بالطواف كخطبة العيد قاله مالك في ( الكتاب ) : والأصل قوله عليه السلام في الصحيحين لعائشة - رضي الله عنها - لما حاضت : ( اقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ) فخص الطهارة بالطواف .

السنة الثالثة : المشي ؛ لأنه قربة كما تقدم في الطواف ، وفي ( الكتاب ) : لا يسعى راكبا إلا من عذر ، وقد سعى راكبا للعذر بالاستفتاء .

سؤال : كيف يصح عنه أنه ركب في السعي وأنه رمل ؟ جوابه رمل بزيادة تحريك دابته ، ويجوز أن يكون ركب في حجه ومشى في عمرته أو بالعكس ، والكلام في المشي ههنا كالكلام في المشي في الطواف .

السنة الرابعة : قال سند : أن يتقدمه طواف واجب .

السنة الخامسة : الرملان وفي ( الكتاب ) : إن رمل في جميع سعيه أساء وأجزأه ، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه قال سند : من نسيه من جميع سعيه كمن نسيه في جميع طوافه ، وقال مالك أيضا : إن أهدى لترك الرملان فحسن ، وقال أيضا : يعيد إلا أن يفوت ، وقال أشهب : يعيد ما كان في مكة فإن فات أهدى ، وقال عبد الملك : لا يعيد وعليه دم .

التالي السابق


الخدمات العلمية