صفحة جزء
المقصد الثامن : في الحلاق والذبائح وترتيبهما مع الرمي . وفي ( الكتاب ) : إن حلق قبل الجمرة افتدى ، ويذبح بعدها ، فإن ذبح قبلها أو حلق قبل الذبح فلا شيء عليه ; لأن الذي يفعل يوم النحر أربعة أشياء ثلاثة بمنى : الرمي والهدي والحلاق ، والرابعة الإفاضة ، لما في أبي داود أنه عليه السلام رمى جمرة العقبة يوم النحر ، ثم رجع إلى منزله بمنى ، فدعا بذبح فذبح ، ثم دعا بالحلاق . ووافقنا في الفدية ( ح ) وابن حنبل ، وتردد قول الشافعية للاختلاف عندهم : هل هي نسك فلا يجب ؛ لأنه أحد ما يتحلل به أو إطلاق محصور فيلزمه الدم ؟ وقولنا أبين ; لأنه [ ص: 267 ] وإن كان نسكا فهو من المحظورات في الإحرام ، وأما الذبح قبل الرمي فلما في أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال : وقف النبي عليه السلام في حجة الوداع للناس ، يسألونه ، فجاء رجل فقال يا رسول الله : لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر ، فقال : اذبح ولا حرج ، ثم جاء رجل آخر فقال يا رسول الله : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ، فقال : ارم ولا حرج ، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر ، إلا قال : افعل ولا حرج . وفي ( الجواهر ) : إن ابتدأ بالحلق قبل الرمي فقولان : في وجوب الدم - وهو المشهور - وسقوطه : وإن ابتدأ بالحلق قبل الذبح فسقوط الفدية لمالك و ( ش ) ووجوبها لعبد الملك ، وقال ( ح ) : إن كان مفردا فلا شيء عليه ، أو قارنا أو متمتعا لزمه ; لقوله تعالى : ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) [ البقرة : 196 ] فشرط في جواز الحلق نحر الهدي ، وقال ابن حنبل : إن قدم الحلاق على الذبح أو الرمي ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه ، أو عامدا فعليه الدم ، وجواب ( ح ) : أنه قد بلغ محله ، وإنما بقي ذبحه ، ولم يقل حتى يذبح . وفي ( الكتاب ) : الذبح ضحوة ، فإن ذبح قبل الفجر أعاد ، ومن جامع بعد رمي جمرة العقبة قبل الحلاق فحجه تام ، وعليه عمرة وبدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد ذلك مفرقة أو مجموعة ، وإن جامع يوم النحر أوله أو آخره قبل الرمي والإفاضة فسد حجه ، وعليه حج قابل ، فإن وطئ بعد يوم النحر قبل الإفاضة والرمي أجزأه الحج ويعتمر ويهدي ، وإن وطئ في يوم النحر أو بعده قبل الرمي وبعد الإفاضة فإنما عليه الهدي ، وإن وطئ بعد الإفاضة ، ثم ذكر شوطا منها أو أكثر كمل الأشواط وركع ، ثم يعتمر ويهدي ، قال سند : يستحب الهدي بخلاف الأضحية ; لتعلقها بالصلاة ، ولا صلاة عيد على أهل منى ، فلذلك جاز نحر الهدي قبل الشمس ، ولا خلاف أن الوطء قبل الوقوف يفسد الحج ، وبعد الوقوف وقبل الرمي والحلاق ، قال [ ص: 268 ] مالك وابن حنبل : لا يفسد الحج ويفسد الطواف إذا وطئ قبل الإفاضة وبعد الرمي ، قال عبد الوهاب : وهو أقيس ، ومروي عن ابن عمر رضي الله عنهما .

وقال ( ح ) : عليه الهدي ; لأنها حالة أمن فيها الفوات فيؤمن فيها الفساد كبعد الطواف . لنا : أنه قد بقي من الحج ركنان ، فحكم الإحرام باق ، كما قبل الوقوف ، وعند ( ح ) في الهدي : البدنة ، و ( ش ) : الشاة ، لنا : أن الوطء المحرم في الإحرام سبب الهدي وهو يصدق على الجميع فيؤمر بالأعلى لعظيم جنايته ، ويجزئه أقل ما يتناوله اسم الهدي ، فإن لم يجد انتقل إلى الصوم ; لأنه بدله في المتعة ، وروي عن مالك : إذا جامع يوم النحر قبل الرمي والإفاضة أن حجه تام وعليه الهدي ، وبالأول قال ( ش ) وابن حنبل لقوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ) [ البقرة : 167 ] والنهي يدل على الفساد ، وبالثاني قال ( ح ) لقوله عليه السلام : ( من أدرك عرفة فقد تم حجه ) . وقال عبد الملك : إذا وطئ في أيام التشريق قبل الرمي فسد حجه ، وإذا قلنا بالعمرة فليست خارجة عن إحرامه فيؤمر بتكميل الإحرام الأول ليصح الدخول في إحرام آخر ، كمن سلم في صلاته يحرم ليرجع إليها ، فإحرامه ههنا العمرة ، وفي ( الكتاب ) : أكره الطيب بعد الرمي حتى يفيض ، فإن فعل فلا شيء عليه ، وإذا رمى العقبة أخذ من أظفاره ولحيته وشاربه ، واستحد ولو أطلى بالنورة قبل أن يحلق رأسه فلا بأس بذلك ، ويستحب فعل ذلك بعد الإحلال لفعل عمر - رضي الله عنه - ذلك ، والحلاق يوم النحر أفضل منه بمكة في أيام التشريق أو بعدها ، فإن أخر الحلاق لبلده جاهلا أو ناسيا حلق أو قصر وأهدى ، ومن ظفر أو عقص أو لبد فعليه الحلاق ; لعدم تمكنه من تعميم التقصير لجملة شعره ، ومن ضلت بدنته يوم النحر أخر الحلاق وطلبها ما بينه وبين الزوال ، فإن أصابها ، وإلا حلق وفعل فعل من لم يهد من وطء النساء وغيره ، كان الهدي مما عليه بدله أو لا ، قال ابن القاسم : وإن قصرا أو قصرت بعضا وأبقيا بعضا ، ثم جامعها عليهما الهدي ، وفي البخاري قال عليه السلام : [ ص: 269 ] ( اللهم ارحم المحلقين ، قالوا : والمقصرين ، قال : اللهم ارحم المحلقين ، قالوا : والمقصرين ثم قال في الرابعة : والمقصرين ) . وهذا يدل على أفضلية الحلاق على التقصير ، وفي أبي داود قال عليه السلام : ( ليس على النساء الحلق ، وإنما عليهن التقصير ) وقال تعالى : ( محلقين رءوسكم ومقصرين ) [ الفتح : 27 ] وهو يقتضي جملة الرأس ، قال سند : الخلاف في استيعاب الرأس حلقا ، كالخلاف في استيعابه مسحا في الوضوء ، والتحلل يقع في الحج في الجمرة ; لتقدم الأركان ، وفي العمرة بالحلاق ; لأن السعي ركن فيها ، فنظيره الوقوف فيقع التحلل بالحلق ، وفي فساد العمرة بالوطء قبل الحلاق قولان مبنيان على أنه شرط في الإحلال أم لا ؟ والتحلل تحللان : رمي جمرة العقبة أو خروج وقتها ، والثاني الفراغ من أركان الحج فيحل بالأول كل ما حرم بالإحرام إلا النساء والطيب والصيد ، قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويختلف قبل الإفاضة في الثياب والصيد واللمس وعقد النكاح والطيب . والمذهب : التحريم لبقاء الإحرام ، وفي ( الجلاب ) : إن تطيب بعد رمي جمرة العقبة فلا كفارة عليه ، وإن صاد فعليه الجزاء ، وإن وطئ فحجه تام ويهدي ويعتمر ، قال سند : والحلاق يتعلق بزمان الحج لا بموضع معين ; لأن المقصود : إماطة الشعر إلا أنه من مناسك الحج فلا يخرج به عن أشهره ، ويستحب فعله بمنى بعد النحر اقتداء به عليه السلام ، وما هو زمان الحلاق الذي يفوت به ، فرأى في ( الموازية ) أنه زمان الرمي ، وقال ابن القاسم : إذا تباعد ذلك ، قال مالك : ومن لم يقدر على الحلاق والتقصير ; لمرض فعليه بدنة إن وجد وإلا فبقرة وإلا شاة ، وإلا صام ثلاثة أيام وسبعة ، وفي ( الكتاب ) : يمر الأقرع الموسى على رأسه ويختلف في وجوبه ، وقاله ( ح ) ، وعند ( ش ) : لا يجب ; لأنه عبادة تتعلق بجزء من البدن فيسقط بذهابه كالطهارة في اليدين ، ولأنه لا يوجب فدية قبل [ ص: 270 ] التحلل فلا يحصل به التحلل ؛ ولأن القاعدة المتفق عليها أن الوسائل يسقط اعتبارها عند تعذر المقاصد ، وإمرار الموسى وسيلة ; لإزالة الشعر ، لنا : فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - وإنها عبادة تتعلق بالشعر فتنتقل للبشرة عند تعذره كالمسح في الوضوء ، قال ابن القاسم : إن حلق بالنورة أجزأه لحصول المقصود ، كما يحصل التقصير بالمقراض والفم ، وقال بهما الشافعية ، ومن قصر من جميع شعر رأسه وما أخذ أجزأه ، وكذلك الصبيان ، وليس على النساء إلا التقصير في جملة شعورهن ، قال ابن أبي زيد : يجز المقصر شعره من أصوله ، وقال ( ش ) : يجزئ النساء حلق ثلث شعورهن ، وقال ( ح ) : الرفع بناء على مذهبه في المسح في الوضوء ، قال سند : قال مالك : إذا أذى المرأة القمل أو الشعر فلها الحلق ، وتقصر المرأة عند مالك قدر الأنملة ، وقالته عائشة رضي الله عنها ، والصغيرة تفارق المرأة في الحلاق لعدم المثلة ، ولا ينبغي للمعتمر تأخير حلاقه بل يصله .

التالي السابق


الخدمات العلمية