صفحة جزء
[ ص: 412 ] فارغة [ ص: 413 ] الباب السادس

في أموال الكفار

وفيه خمسة فصول :

الفصل الأول : في تمييز ما يخمس من غيره ، قال اللخمي : أموال الكفار خمسة أنواع : أحدها لله خالصا وهو الجزية والخراج وعشر أهل الذمة وأهل الصلح يفعل الإمام في ذلك ما يراه مصلحة ، وثانيها : لمن أخذه ولا خمس فيه وهو ما أخذ من بلد الحرب من غير إيجاف قال محمد : إن هرب بتجارته لم تخمس إن أسر ببلد الإسلام ، وإن خرج إلى دار الحرب فأسر خمست ; لأنه خرج لذلك أو الجهاد ، ولو خرج تاجرا فسرق جارية أو متاعا لمن يخمس ، قال مالك : وما طرحه العدو خوف الغرق فوجد ليس معه أحد منهم ولا بقرب قراهم ، ولا يخمس إلا أن يكون ذهبا أو فضة فيجرى على حكم الركاز ، وإن كان بقرب قراهم خمس إلا أن يكون يسيرا ، وإن كان بقرب الحربيين فهو كالحربيين أمره إلى الإمام ، وثالثها : خمسه لله تعالى وبقيته لواجده ، وهي الغنيمة والركاز ، ورابعها : مختلف فيه هل يخمس أم لا ؟ وهو ما جلا عنه أهله ، وله ثلاثة أحوال : أن ينجلوا بعد نزول الجيش قيل : فيء لا شيء فيه للجيش لعدم القتال وقيل : يخمس ; لأن الجلاء [ ص: 414 ] بالخوف من الجيش ، وإن انجلوا قبل خروج الجيش خوفا منه ففيء . يختلف في خراج أرضهم وما صولحوا عليه قبل خروج الجيش لمكاتبة أو رسل فهو فيء ، وإن كان بعد نزول المشركين لهم كان على القولين ; لأنه بإيجافهم ، والثالث : ما يؤدونه كل عام وهو كالخراج ، وخامسها : ما غنمه العبيد بإيجاف من أرض الإسلام ولا حر معهم ، قيل : هو لهم ولا يخمس ، وقيل : يخمس كالأحرار نظرا إلى قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) [ الأنفال 41 ] هل يندرج العبيد في الخطاب أم لا ؟ وكذلك إن كانوا مع المشركين وبهم قدرة على الغنيمة يختلف في أنصبائهم ، ويختلف فيما غنمه النساء والصبيان دون الرجال هل يخمس أم لا ؟

والمأخوذ من الغنيمة سبعة أقسام : الأموال ، والرجال ، والنساء ، والصبيان والأرضون ، والأطعمة ، والأشربة . فالأموال تخمس للآية المتقدمة ، والرجال يخير الإمام فيهم بين خمسة أشياء : القتل ، والمن ، والفداء ، والجزية ، والاسترقاق يفعل الأصلح من ذلك بالمن والفداء ، ومن ضربت عليه الجزية من الخمس على القول بملك الغنيمة بمجرد الأخذ ، والقتل من رأس المال ، والاسترقاق راجع إلى جملة الغانمين ، وإذا أسقط القتل امتنع القتال ويتخير في الأربعة ، وإن من عليه لم يجز له حبسه عن بلده إلا أن يشترط عليه البقاء لضرب الجزية ، وإن أبقاه للجزية الاسترقاق دون المفاداة برضاه ، وإن استرقهم جاز أن ينتقل معه إلى الجزية والمن والفداء ، وإن أبقاه للفداء امتنعت الحرية والرق إلا برضاه ، قال ابن الحاجب : وله المفاداة بالمال والأسرى ، ولا فرق في التخيير بين أسرى العجم والعرب ، والأحرار والفلاحون يخير فيهم فيما عدا القتل على الخلاف في قتلهم ، وفي النساء والصبيان في ثلاثة : المن والفداء والاسترقاق ، ووافقنا ( ش ) في التخيير بين الخمس لما فيه من الجمع بين الأدلة ، ففي الكتاب العزيز : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ ص: 415 ] [ التوبة 5 ] و ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ التوبة 29 ] ، ( فإما منا بعد وإما فداء ) [ محمد 4 ] وهو خير من اعتقاد النسخ ، وقال ( ح ) : لا يجوز المن والفداء ، وقال بعض العلماء : يقتلون على الإطلاق ؛ لقوله تعالى : ( فإما منا بعد وإما فداء ) ، قال صاحب ( البيان ) : وحكى الداودي أن أكثر أصحاب مالك يكرهون الفداء بالمال ويقولون : إنما كان ذلك ببدر ; لأنه علم أنه سيظهر عليهم ، قال : وإذا قلنا بالتخيير : فإن كان الأسير عظيم النجدة قتله أو عظيم القيمة استرقه أو فداه إن بذل فيه أكثر من قيمته أو عديم القيمة والقدرة على الجزية كالزمن أعتقه أو عديم القيمة دون القدرة على الجزية ضربها عليه ، واختلف قول مالك إن التبس أمره فقال : مرة لا يقتله ، وقال مرة : يقتل لقول عمر رضي الله عنه : لا تحملوا إلينا من هؤلاء الأعلاج أحدا جرت عليه المواسي .

فائدة : العلج من الأعلاج والمعالجة وهي المحاولة للشيء ، فإن العلج هو القوي القادر على محاولة الحرب .

وفي ( الكتاب ) : يسترق العرب إذا سبوا كالعجم ، وفي ( الجواهر ) : لا يمنع الاسترقاق كون المرأة حاملا من مسلم ، لكن لا يرق الولد إلا أن تكون حملت به حال كفر ثم سبيت بعد الإسلام ، وإذا سبي الزوجان معا أو الزوج أولا انقطع النكاح بينهما عند أشهب خلافا لابن المواز ، وإذا سبيت هي أولا انقطع ، وقال محمد : إن استبرئت بحيضة فوطئها السيد قبل إسلام زوجها انقطع ، وإلا فلا ، [ ص: 416 ] وإذا سبيت وولدها الصغير لم يفرق بينهما في البيع والقسمة ، والصغير لم يثغر ، وروي : من لم يحتلم ، ولو قطع عن الأم وبيع مع الجدة لم يجز ، ويجوز التفرقة بينه وبين الأب والجدة .

( فرع ) في ( البيان ) : يجوز شراء الحربيين من آبائهم إذا لم تكن بيننا وبينهم هدنة ، وارتهانهم وبيعهم فيما رهنوا ، والعبد الأسير لا يجوز له بيع ولده ; لأنه لا حكم له على ولده .

( فرع ) قال المازري : إذا من على بلد فتحت عنوة وأقروا فيها فهم أحرار ، والمشهور أن أرضها وقف ، وأما أموالهم : فينتفعون بها حياتهم ، فإن أسلموا أو ماتوا فثلاثة أقوال : تكون لهم وتورث عنهم التالد والطارف ; لأنهم ملكوا ، وقيل : لا يكون لهم التالد ولا الطارف نظرا إلى أنه ترك لهم مدة الحياة أو الكفر ، والأصل استحقاق المسلمين له ، وقيل : التالد ليس لهم ; لأنه من الغنائم ولهم الطارف ; لأنه من كسبهم بعد المن .

ثم نرجع إلى بقية أقسام اللخمي ، قال : الأرضون على ثلاثة أقسام : بعيد عن قهرنا فنخرب بهدم أو بحرق ، وتحت قهرنا غير أنه لا تسكن فيقطعه الإمام لمن فيه نجدة ، ولا حق للجيش فيه ، وقريب مرغوب فيه فهل يوقف خراجه للمسلمين أو تجوز القسمة ، والوقف قولان لمالك ، وقد قسم عليه السلام قريظة وفدك وخيبر . وقال عمر رضي الله عنه : لولا من يأتي من المسلمين لم ندع قرية فتحت عنوة إلا قسمتها ، وفتحت مكة عنوة ولم تقسم ، واختلف هل تركت منى لأهلها [ ص: 417 ] فيجوز لهم بيعها أو فيئا للمسلمين ؟ وروي عنه عليه السلام : ( مكة حرام لا تحل إجارة بيوتها ولا بيع رباعها ) وكانت كذلك على عهده عليه السلام والخلفاء بعده ، قال ( صاحب البيان ) : قال مالك : فتحت فدك عنوة بغير قتال على النصف له عليه السلام والنصف لهم ، ولم يكن للمسلمين شيء ، ولم يكن فيها تخميس لعدم القتال والإيجاف ، وكذلك خيبر ، ولذلك قطع عليه السلام لأزواجه منهما ، وكان هذا عنوة لمجرد الرعب الذي أعطيه عليه السلام ، ومنه فتح بني النضير وبني قينقاع ، وفتحت مصر سنة عشرين عنوة ، وقال الليث : صلحا ، وقيل : صلحا ثم نقضوا العهد ففتحت عنوة ، وفي ( الكتاب ) : أرض العنوة يجتهد فيها ، وأرض الصلح لا تقسم وأهلها على ما صولحوا عليه ، قال ابن القاسم : وخراج الجماجم تبع للأرض عنوة أو صلحا ، وقال أيضا : هي فيء ، قال ابن يونس ، قال محمد : يقر أهل العنوة أحرارا ، ويكتفي منهم بما يوجد من خراج جماجمهم ، قال عيسى : ترك الأرض بأيديهم عون لهم كما فعله عمر - رضي الله عنه - قال محمد : ونساؤهم كالحرائر في النظر إليهن ، والدية كدية الذمية ، وإذا لم يقدر على الأرض لبعدها بيع أصلها .

( فرع ) قال صاحب ( البيان ) : إذا أتت الإمام هدية في أرض العدو قال مالك : هي لجملة المشركين إلا أن يكون ذلك من قرابة أو مكافأة ، ولم يفرق بين أن تكون من الطاغية أو من بعض الروم ، وفيه تفصيل : أما من الطاغية فلا تكون له ، قال مالك : وتكون غنيمة تخمس ، وقيل : فيء المسلمين لا خمس فيه ، وأما إن كانت من بعض الروم فروى أشهب أنها له إذا كان الحربي لا يخاف منه ، فإن [ ص: 418 ] أهدي الأمير من الطاغية أو من غيره من العدو وقبل دخوله بلد الحرب فحكى الداودي : أنها له ، والمشهور أنها لجميع المسلمين وأن الأمير بخلافه عليه السلام فيما قبله من قيصر والمقوقس وغيرهما ; لأن الله تعالى خصه بما فتح عليه من أموال الحرب بالرعب بآية سورة الحشر .

( فرع ) قال ابن القاسم : الكلب المأذون في اتخاذه يدخل في المقاسم مراعاة لقول من يجيز بيعه ، ولاندراجه في عموم آية الغنيمة ، وقال مالك : لا يدخل وهو القياس لنهيه عن ثمن الكلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية