صفحة جزء
[ ص: 433 ] الباب الثامن

فيما حازه المشركون من الأموال وغيرها

وفي ( الاستذكار ) : فيما حازه المشركون خمسة أقوال : لا يملكون مطلقا ، وتؤخذ من الغنيمة قبل القسمة وبعدها بغير شيء ، ويوقف لربه إن جهل ، وقاله ( ش ) لأن المشركين أغاروا على سرح المدينة ، فأخذوا منه ناقته عليه السلام ، فنجت عليها امرأة ، فنذرت نحرها إن نجاها الله تعالى ، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فحملت له عليه السلام فأخبرته المرأة بنذرها فقال لها عليه السلام : ( بئس ما جزيتها ، لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملكه ابن آدم ) وقياسا لأموالنا على رقابنا ، ويملكون مطلقا فإذا غنمه الجيش لا يأخذه ربه قبل القسم ولا بعده ، قاله علي - رضي الله عنه - وجماعة لقوله عليه السلام : ( ما ترك لنا عقيل منزلا ) وللفرق بين ما غلبونا عليه فيملكون ، وبين ما أبق إليهم ، قال الثوري ، وقال ( ح ) إن غلبونا عليه فصاحبه أحق به قبل القسم بغير شيء وبعده بالقيمة ، وإن أخذوه بغير غلبة أخذه صاحبه مطلقا ، وقال مالك وابن حنبل : هو أحق به قبل القسم بغير [ ص: 434 ] شيء وبعده بالثمن من غير تفصيل ، لما يروى أن رجلا وجد بعيرا كان المشركون أصابوه فقال عليه السلام : (إن أصبته قبل القسم فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة ) قال : وهو ضعيف السند .

تفاريع اثنا عشر :

الأول : في ( الكتاب ) : ما حازه المشركون من مال مسلم أو ذمي من عرض ، أو عبد أو غيره ، أو أبق إليهم ثم غنمناه لهم ، فإن عرفه ربه قبل القسمة كان أحق به ، وإن لم يعرف ربه بعينه وعرف أنه لمسلم أو ذمي قسم ، فإن جاء به فهو أحق به بالثمن بالغا ما بلغ ، ولا يخير على فدائه ، ومن وقع له أمة يعلمها لمسلم فلا يطؤها حتى يعرضها عليه فيأخذها بماله أو يدع ، وسواء اشتراها ببلد الإسلام أو الحرب ، وكذلك العبد ، وما وجده السيد قد فات بعتق أو استيلاد فلا سبيل له عليه ، وكان من مغنم أو ابتياع من حربي ، ووافقنا ( ح ) ووافق ( ش ) في أم الولد والمكاتب والمدبر ، والفرق بين قبل القسم وبعده : ضرر نقض القسمة أو ذهاب آخذه بغير شيء ، قال ابن يونس : قال محمد : إذا كان عرف ربه ، وكان غائبا ، وكان نقله له مصلحة فعل ذلك وإلا باعه الإمام له ، قال أشهب : إن كان إيصاله من غير كلفة كالعبد والسيف فباعوه بعد علمهم ، أخذه ربه بغير ثمن ، قال سحنون : إذا وجد الفرس في المغنم موسوما بالحبس لا يقسم ، ويخلى السبيل ، وقال أيضا : لا عبرة بذلك ; لأنه قد يوسم ليلا يؤخذ من ربه .

الثاني : في ( الكتاب ) : إذا أسر أهل الحرب ذميا ثم غنمناه لم يكن فيئا ورد [ ص: 435 ] إلى ذمته ، قال ابن القاسم : ولو أسلم أهل بلد على إحراز ذمتنا وفي أيديهم رقيق لهم فهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها ؛ لقوله عليه السلام ( من أسلم على شيء في يده للمسلمين فهو له ) وإذا قدم تاجر بأمان بعبيد المسلمين فلا يؤخذوا منه ، وإن أسلم عندنا كانوا له ، ومن اشترى أم ولد رجل من حربي فعلى سيدها جميع الثمن ، وإن كان أكثر من قيمتها ، ولا خيار له بخلاف العبد ، والفرق أن أم الولد لا يجوز الانتفاع بها لغيره ، وإذا قسمت في المغنم أخذها بالقيمة ، ولو أعتقت لم تؤخذ فيها فدية ، قال ابن يونس ، قال أشهب : على سيدها الأقل من ثمنها أو قيمتها ، قال سحنون : إن صارت في سهم رجل بمائتين ثم غنمت فصارت في سهم رجل آخر بخمسين فله أخذها بمائتين يأخذ منها من هي بيده خمسين ، والباقي للأول ، وكذلك لو توالت البياعات أو كانت أمة وإليه رجع سحنون ، وقال : إذا أعتق أم الولد من صارت في سهمه عالما بها فكأنه وضع المال عن سيدها فله أخذها بغير ثمن ، ويبطل العتق ولو أولدها المبتاع أخذها بالثمن ، ويرجع عليه بقيمة ولدها ولو مات سيدها عتقت ، وبطل حق المبتاع ولو قتلت ثم مات سيدها قبل فدائها بيعت ; لأن هذا فعلها بخلاف الأول ولو ماتت بيد من صارت بيده لم يتبع سيدها بشيء ، وكذلك إذا ماتت في الجناية قبل الفداء ، ولو أسلم عليها أهل الحرب أخذها سيدها بقيمتها .

الثالث : في ( الكتاب ) : ما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم أتوا به إلينا : كره شراؤه منهم ، ومن ابتاع عبدا من دار الحرب أو وهب له فكافأ عليه فلسيده أخذه ودفع ما ودى من ثمن أو عرض ، فإن لم يكاف على الهبة أخذه بغير شيء ، فإن باعه بطل أخذ ربه لتعلق حق المشتري وضعف ملك ربه بشبهة ملك الحربي ، وقال غيره : يأخذه بدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على الموهوب ، قال ابن [ ص: 436 ] يونس : قال أشهب : الأمة كالأمة المستحقة يأخذها ربها وقيمة ولدها ، وقاله ابن القاسم ثم رجع ، والفرق عنده : أن المستحق يأخذ بغير ثمن فهو أقوى ، قال سحنون : إذا وقع الآبق في سهم رجل فباعه وتداولته الأملاك : لربه أخذه بأي ثمن شاء كالشفعة ، ثم رجع فقال بل بما وقع في المقاسم ، ورواه عن ابن القاسم ، قال ابن القاسم : ولو سبي العبد ثانية بعد تداول الأملاك فلا مقال للذي سبي منه أولا ، والذي سبي منه آخرا أولى منه بعد دفع ما وقع به إلى من هو بيده ، فإن أخذه فلربه الأول أخذه بما وقع به في المقاسم الثانية ; لأنه ملك ثان . ومن كتاب محمد : ومن ابتاع عبدا من المغنم بمائة ، ولم يعرف ربه ثم سبي ثم اشتراه رجل بخمسين يقال لربه : ادفع مائة للأول وخمسين للثاني إن شاء ويأخذه وإلا فلا ، ثم إن شاء الأول فداه من الثاني بخمسين ، فإن أسلمه إليه فلربه الأول من الثاني إعطاء خمسين وأخذه .

الرابع : قال ابن يونس : قال سحنون : العبد المأذون يركبه الدين ويجني ، ثم يأسره العدو فيقع في سهم رجل فلربه فداؤه بالأكثر مما وقع به في المقاسم ، أو أرش الجناية ، فإن كان الأرش عشرين وثمن المغانم عشرة أخذ من صار له عشرة والمجني عليه عشرة . فإن كان الأرش عشرة أخذ من هو بيده العشرين ولا شيء لصاحب الجناية كما لو سبي فابتاعه رجل ، ثم سبي ثانية وغنمه ففداه ربه بالأكثر وبه ، قال ابن القاسم ، وقال أشهب : إذا أعتق المشتري من المغنم لربه نقض عتقه ، وهو خلاف قول ابن القاسم في البيع والهبة ، ولم يختلف قول أشهب في نقص البيع .

الخامس : قال ابن يونس : ويرد المدبر من المغانم لسيده إن عرفت عينه ، قال سحنون : وإن لم يعرف بعينه دخلت خدمته في المغانم ، قال عبد الوهاب : [ ص: 437 ] يريد : يؤاجر بمقدار قيمته فيجعل ذلك من المغانم ، أو يتصدق به إن تفرق الجيش ، فإذا استوفى المستأجر حقه كان باقي خراجه موقوفا كاللقطة ، قال ابن القاسم : وإن جهلوه اقتسموه ، ولسيده فداؤه بالثمن ويرجع مدبرا ، ولا يتبع المدبر بشيء ، فإن امتنع من فدائه أخدمه من صار إليه في الثمن فإذا وفى رجع لسيده مدبرا ، فإن مات سيده في أثناء الخدمة عتق واتبع بباقي الثمن ، وإن لم يسعه الثلث عتق ما وسعه واتبع ما عتق منه بما يقع عليه من بقية الثمن كالجناية ، ويحسب قيمة المدبر عبدا حتى يعلم ما يحمله الثلث ، وإن لم يترك السيد شيئا عتق ثلثه ورق ثلثاه ، ولا قول للورثة ، وفي الجناية يخيرون فيما رق في الإسلام أو دفع ما يقع عليه من الجناية ، والفرق أن المشتري من المغانم إنما اشتراه مما يرق منه ، وفي الجناية أسلمت خدمته فإذا لم يحمله الثلث فهو كمعتق بعضه فيخير الورثة ، وقال غير ابن القاسم : إن حمله الثلث عتق ولم يتبع بشيء ، وإن حمل البعض لم يتبع تلك الحصة المعتقة بشيء ، بخلاف الجناية التي هي فعله ، وفرق عبد الملك بين وقوعه في المقاسم وبين المشتري في بلد الحرب ، فقال في الثاني : يتبعه مشتريه بما بقي عليه ، ويحاسبه بما يخدمه به ، وإن حمله الثلث لا يتبع بشيء كالمشتري من المغنم ، والمشتري من بلد الحرب لا يحاسب بشيء ما أخذ به ويتبع بالثمن ، وإذا أسلم حربي على مدبر ، قال سحنون : له جميع خدمته ، وإن مات سيده عتق في ثلثه ولم يتبع بشيء كحر أسلم عليه ، وإن حمل الثلث بعضه رق باقيه ولم يتبع ما عتق منه بشيء ، وإن كان على السيد دين محيط بجميع ماله وعلى المدبر الذي أسلم عليه ، وقال : إذا اشتريت المدبرة من العدو أو المغانم أو أسلم عليها حربي فوطئها فحملت كانت له أم ولد ، ولا ترجع إلى سيدها ، وإن دبرها الثاني ولم يعلم سيدها فدفع سيدها إليه ما فداها به بطل تدبيره ، وعادت على حالها ، وإن أسلمها بقيت بيد سيدها تخدمه ولا يبطل تدبيره ، فإن مات الأول وحملها الثالث عتقت ولا يتبعها الثاني بجميع الفداء ، فإن مات الثاني وحملها الثالث يسقط الفداء ، قال ابن القاسم : لو أعتق المدبر مشتريه نفذ العتق بخلاف أم الولد ، والمعتق إلى أجل [ ص: 438 ] لعدم قبولها الملك الثاني ، وخالف أصبغ في المعتق إلى أجل وسحنون إن أعتقه وهو عالم به .

التالي السابق


الخدمات العلمية