صفحة جزء
[ ص: 442 ] فارغة [ ص: 443 ] الباب التاسع

في التأمين

والأصل فيه قوله تعالى : (
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) [ الإسراء 24 ] وقوله عليه عليه السلام : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويجير عليهم أدناهم ، ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ) وفي ( الموطأ ) كتب عمر - رضي الله عنه - إلى عامله : إنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع ، قال رجل مطرس يقول له : لا تخف ، فإذا أدركه قتله ، وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان أحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه .

( فائدة ) قوله : مطرس فارسية وفيه لغتان ، الطاء والتاء .

وفيه ثلاثة أطراف : الطرف الأول : العاقد ، قال اللخمي : الأمان في الجيش للأمير خاصة ; ليلا يفترى عليه ، وأجازه محمد من غير الأمير الأعلى أن لا يغزوهم أحد ، فإن أمن واحد من المشركين واحدا من الحصن مضى على رأي محمد ، ومنعه ابن حبيب ، وتقدم الإمام إلى الناس في ذلك ، ثم إن أمن أحد قبل النهي أو بعده يخير الإمام في ذلك ، قال سحنون : وإذا أمن المسلم حربيين أمنوا ، ويتخير الإمام ، واتفق ابن حبيب وسحنون أن عقده على الإمام وعلى الناس أنه لا [ ص: 444 ] يلزم بل ينظر الإمام ، وفي ( الكتاب ) : أمان العبد والمرأة والصبي إذا عقل الأمان جائز ، وقاله ( ش ) ، وقال غيره : يتخير الإمام بين الإمضاء والرد إلى المأمن ; لأن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى سفيان بن عامر وهو يحاصر قيسارية : من أمن منكم حر أو عبد أحدا من عدوكم فهو آمن إلى أن يرد إلى مأمنه ، أو يقيم فيكون على الحكم في الحرية ، وإن وجدتم في عسكركم أحدا منهم لم يعلمكم بنفسه حتى قدمتم عليه فلا أمان له ولا ذمة واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين ، قال ابن يونس : قال سحنون : لا يجوز أمان الذمي بحال لقوله عليه السلام : ( يسعى بذمتهم أدناهم ) فأضافه إليهم فيكون مسلما ، وإن أجاز الإمام الصبي للقتال تخير في إمضاء أمانه وإلا فلا أمان له ، قال محمد : فإن حسبنا المجير مسلما فهل يردون إلى مأمنهم أو هم فيء ؟ قولان لابن القاسم ، قال محمد : ولو قالوا : علمنا أنه ذمي ، وظننا جواز أمانه فهم فيء ، قال ابن يونس ، قال التونسي : وهو ضعيف ، والأشهر ردهم إلى مأمنهم في هذا كله ، قال ابن سحنون : وإن أمن أمير الجيش ذميا بالأمان فأمن فهو جائز ، فإن أمن الذمي عن مسلم من العسكر فقال : أمنكم فلان المسلم أو قال : فلان ، فإن علموا أنه ذمي فهم فيء وإلا فهي شبهة ، قال ابن سحنون : ولو قال الإمام لأهل الحرب : من دخل إلينا بأمان فلان من المسلمين أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمي لنا أو رقيق ، فكما قال وقول عمر مذهبنا إلا قوله : فإن شككتم فإنه فيء وقول سحنون خلاف ما في ( الكتاب ) في قوله : إذا وجدنا الذمي مقبلا إلينا فيقول : جئت لأطلب الأمان يرد إلى مأمنه ، قال مالك : والإشارة بالأمان كالكلام ، وليتقدم إلى الناس في ذلك ، قال سحنون : وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز ، وقال أشهب : إذا أسر رجل من السرية فلما أحسوا بها طلبوا الأمان من الأسير فأمنهم ، إن كان آمنا على نفسه جاز وإلا فلا وهو مصدق ، قال محمد : وإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول ، قال سحنون : لا [ ص: 445 ] يكون أمانه أمانا ولا أصدقه ; لأنه ضرر على المسلمين ، ولا يقدر الأسير على مخالفتهم ، قال ابن القاسم : إن أمنهم بالتهديد فلا أمان لهم ، فإن قالوا : تؤمننا ونخليك فهو أمان ، قال ابن حبيب : إن أمن العدو أسيرا على أن لا يهرب ، فلا يهرب ; لأنه يؤدي إلى التضييق على الأسرى ، ولو خلوه على أن حلف بالطلاق والعتاق جاز الهرب ; لأنهم يقولون اعتق أو طلق بخلاف الأول ولا يلزمه ذلك ; لأنه مكره ، قال المازري : المشهور جواز أمان العبد كالحر ، قال سحنون و ( ح ) : إن أذن له سيده في القتال جاز وإلا فلا ، وروي عن مالك : لا تأمين له ، والمشهور عدم اعتبار المرأة بخلاف المراهق ، ومنعه ( ش ) ; لأن عدم التكليف مخل بالثقة به في المصلحة ، وقيل : إن أذن له جاز له وإلا فلا ، وفي ( الجواهر ) وقيل : يصح تأمين الذمي ; لأنه تبع للمسلمين وكل من أجزنا تأمينه لا يتوقف على تنفيذ الإمام ، وقال عبد الملك : لا يلزم غير تأمين الإمام ، ويشترط في المؤمن التمييز والعقل وعدم الخوف ، قال اللخمي : اختلف في الأمان بعد الفتح ، قال محمد : إذا أمن الأسير سقط عنه القتل دون الاسترقاق ، وقال سحنون : لا يحل قتله لمن أمنه ويتعقبه الإمام ، وهو معنى قوله عليه السلام : ( أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) يوم فتح مكة ، وإذا بعث الأمير سرية وجعل ما رأوه صوابا جاز ، وإن جعل لهم القتل والسبي لم يتعدوا ذلك ، فإن جاءت سرية أخرى من ذلك الجيش أو من بلد لم يكن لهم نقض ذلك ، وإن جاءت من بلد آخر وجيش آخر ولا يرجع إلى أمير الأولى فلهم ذلك على رأي سحنون ، وليس لهم ذلك على رأي غيره ، وإذا خرجت سرية بغير إذن الإمام لم يلزمه ما عقدت .

التالي السابق


الخدمات العلمية