صفحة جزء
البحث السادس : فيما يجب علينا بمقتضى العقد في ( الجواهر ) : هو وجوب الذب عنهم ، وصيانة أنفسهم وأموالهم ، وترك كنائسهم وخمورهم وخنازيرهم ، فإن أظهروا خمرا أهرقناها ، وإلا فيضمنها المسلم ، وقيل : لا يضمن ولو غصبها وجب ردها ، ويؤدب من أظهر الخنزير ، ولو باع الأسقف عرصة أو حانوتا من كسبه جاز إن كان البلد صلحا ، ولم يجز إن كان عنوة ، ولا يجوز في أحباسهم إلا ما يجوز في أحباسنا ، ولا يحكم حاكم المسلمين في منع بيع الكنائس ولا برده ولا يعاد [ ص: 458 ] جنسها ; لأن التصحيح خلاف الشرع والإبطال خلاف العقد ، وإن اتفقوا في التحاكم إلينا فالحاكم مخير بين الحكم والترك ، وقيل : لا يحكم بينهم إلا برضا أساقفتهم ; لأنه فساد عليهم ، ومستند المذهب قوله تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) [ المائدة 42 ] ومتى تعلقت الحكومة بمسلم وجب الحكم تغليبا للإسلام ، قال يحيى بن عمر : وكذلك مختلفا الملة لعدم اتحاد الأساقفة فليس أحدهما أولى من الآخر فيسقطون ، فإن ترافعوا إلينا في التظلم حكمنا بينهم على كل حال للزوم ذلك إلينا بالإسلام ، ولهم بالعقد ; لأنه من الذب عنهم .

البحث السابع : فيما يلزمهم بمقتضى العقد ، وهو ثلاثة أنواع :

النوع الأول : الكنائس لا يمكنون من بنائها في بلد بناها المسلمون أو ملكوها عنوة ويجب نقض كنائسها ، فإن فتحت صلحا على أن يسكنوها بالخراج ورقاب الأبنية للمسلمين ، وشرطوا إبقاء كنيسة جاز ، وإن شرطوا الدار لهم وعليهم خراج ، ولا تنقض الكنائس فذلك لهم ، ثم يمنعون من رمها خلافا ل ( ش ) ، قال عبد الملك : إلا أن يكون ذلك شرطا ، والمدرك : أنها من المنكرات ، والعين التي تناولها العقد قد انهدمت ، والعود لم يتناوله العقد فهو منكر تجب إزالته ، ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة ، وقيل : لهم الترميم ; لأنه من جملة أغراضهم الملزمة كعصير الخمر ، وإن اشترط أهل الصلح إحداث كنيسة ، قال عبد الملك : هذا الشرط باطل ، إلا في بلدهم الذي لا يسكنه المسلمون معهم فهو لهم ، وإن لم يشترطوه ، وأما أهل العنوة فلا يمكنون من ذلك ، وإن كانوا معتزلين عن بلادنا ; لأن قهرنا لهم أزال ذلك والتمكن منه فلا نعيده ، ولا يمنع أهل الصلح من إظهار الخمر والناقوس ونحوه داخل كنائسهم ، ويمنعون خارجها ، ومن حمل الخمر من قرية إلى قريتهم التي يسكنونها مع المسلمين منع ، وتكسر الخمر إن ظهرنا عليها ، [ ص: 459 ] وإن قالوا : لا نبيعها من مسلم ، وإن أظهروا ناقوسا كسرناه ، وإن وجدنا سكرانا أدبناه ، وإن أظهروا صلبهم في عيد أو استسقاء كسرناها وأدبناهم ، ويخفون أصوات نواقيسهم وقراءتهم في كنائسهم .

النوع الثاني : يمنعون من ركوب البغال والخيل النفيسة دون الحمير بالأكف عرضا دون السروج ، إما لأنه شرط في العقد ، أو لأن الصغار يأبى ذلك .

النوع الثالث : يمنعون من جادة الطريق ، ويضطرون إلى المضيق إذا لم يكن الطريق خاليا ، لما يروى عنه عليه السلام : ( لا تبدءوهم بالسلام ، وألجئوهم إلى أضيق الطريق ) ولا يتشبهون بالمسلمين في الزي ، ويؤدبون على ترك الزنانير ; لأن اللبس يؤدي إلى تعظيمهم دون تعظيم المسلمين ، ولا يدخلون المساجد وأمر عمر بن عبد العزيز أن يختم في رقاب رجال أهل الذمة بالرصاص ، ويظهرون مناطقهم ، ويجزوا نواصيهم ، ويركبوا على الأكف عرضا ، وقال عمر رضي الله عنه : سموهم ولا تكنوهم ، وأذلوهم ولا تظلموهم ، ونهى أن يتخذ منهم كاتبا ، قال الله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) [ آل عمران 118 ] ونهى عنه عثمان - رضي الله عنه - وكتب عمر - رضي الله عنه - أن يقاموا من الأسواق ، وقاله مالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية