صفحة جزء
الفصل الثاني : فيما يوجب نقض العهد وما لا يوجب وفي ( الجواهر ) : إذا أظهروا معتقدهم في المسيح أو غيره أدبناهم ولا ينتقض به العهد ، وإنما ينتقض بالقتال ، ومنع الجزية والتمرد على الأحكام ، وإكراه المسلمة على الزنا فإن أسلم لم يقتل ; لأن قتله لنقض العهد لا للحد ، وكذلك التطلع إلى عورات المسلمين ، وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص فكحكم المسلمين ، وتعرضهم له عليه السلام أو لغيره من الأنبياء يوجب القتل إلا أن يسلم ، وروي [ ص: 460 ] يوجع أدبا ولا يترك ، فإن رجع عن ذلك قبل منه ، وأما المسلم إن كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزر ، أو كذبه فمرتد ، وإن سب الله تعالى أو رسوله عليه السلام أو غيره من الأنبياء - عليهم السلام - قتل حدا ، ولا تسقطه التوبة ، فإن إظهار ذلك منه يدل على سوء باطنه فيكون كالزنديق لا تعلم توبته ، وقيل : هو كالمرتد ، قال اللخمي : إن زنى بالمسلمة تطوعا لم ينتقض عهده عند مالك ، وانتقض عهده عند ربيعة وابن وهب ، وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض عند ابن نافع ، وإن علمت به لم يكن نقضا ، وإن طاوعته الأمة لم يكن نقضا ، وإن اغتصبها ، قال محمد : ليس بنقض وفيه خلاف قال : فإن عوهد على أنه متى أتى بشيء من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك ، وإن عوهد على أنه يضرب ويترك فهو كذلك وفاء بالعهد ، قال ابن حزم في ( مراتب الإجماع ) : اختلف العلماء في نقض عهد الذمي وقتله وسبي أهله وماله إذا أخل بواحد مما نذكره : وهو إعطاء أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري ، صرف كل دينار : اثنا عشر درهما ، وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة ، ولا يجددوا ما خرب منها ، ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا أو نهارا ، ويوسعوا أبوابها للنازلين ، ويضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ، وأن لا يؤووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يمنعون الدخول في الإسلام ، ويوتروا المسلمين ، ويقوموا لهم من المجالس ، ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم ، ولا يتكلموا بكلامهم ، ولا يتكنوا بكناهم ، ولا يركبوا السروج ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ، ولا يحملوه مع أنفسهم ، ولا يتخذوه ، ولا ينقشوا في خواتمهم بالعربية ، ولا يبيعون الخمر ، ويجزون مقادم [ ص: 461 ] رءوسهم ، ويشدون الزنانير ، ولا يظهرون الصليب ، ولا يجاورون المسلمين بموتاهم ، ولا يظهرون في طريق المسلمين نجاسة ، ويخفون النواقيس وأصواتهم ، ولا يظهرون شيئا من شعائرهم ، ولا يتخذون من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين ، ويرشدون المسلمين ولا يطلعون عليهم عدوا ، ولا يعرفون مسلما شيئا من كفرهم ، ولا يسبوا أحدا من المسلمين فأحرى الأنبياء عليهم السلام ، ولا يظهرون خمرا ولا نكاح ذات محرم ، وأن يسكنوا المسلمين بينهم فمتى أخلوا بواحد من هذه : اختلف في نقض عهدهم وقتلهم وسبيهم .

( تمهيد ) : هذه القيود إما أن تكون اشترطت عند العقد ، أو استفيدت من قوله تعالى : ( وهم صاغرون ) وعلى التقديرين ، فقد يسبق إلى خاطر الفقيه أن نقض العهد بواحد منها متجه ، وإن مذهب الجمهور على خلاف الدليل ، وليس كذلك ، وكشف الحجاب عن الحق في المسألة أن نقول : عقد الجزية عاصم للدماء كالإسلام ، وقد ألزم الله تعالى المسلم سائر التكاليف في عقد إسلامه كما ألزمنا الذمي هذه الشروط في عقد أمانه ، فكما انقسم رفض التكليف في الإسلام إلى ما ينافي الإسلام ويبيح الدماء والأموال كرمي المصحف في القاذورات ، وانتهاك حرمة النبوات ، وإلى ما ليس بمناف للإسلام وهو ضربان : كبائر توجب التغليظ بالعقوبة ، ورد الشهادة ، وسلب أهلية الولاية ، وصغائر توجب التأديب دون التغليظ ، فكذلك عقد الجزية تنقسم شروطه إلى ما ينافيه كالقتال والخروج عن أحكام السلطان ، فإن ذلك مناف للأمان والتأمين ، وهما مقصود العقد ، وإلى ما ليس بمناف للأمان والتأمين ، وهو عظيم المفسدة فهو كالكبيرة بالنسبة إلى الإسلام كالحرابة والسرقة ، وإلى ما هو كالصغيرة بالنسبة إلى الإسلام كسب المسلم وإظهار الترفع عليه ، فكما أن هذين القسمين لا ينفيان الإسلام ، ولا يبطلان [ ص: 462 ] عصمته للدماء والأموال ، فكذلك لا يبطلان عصمة عقد الجزية ، ولا يبطلانه لعدم منافاتها له ، والقاعدة : أنه لا يبطل عقدا من العقود إلا ما ينافي مقصوده ، فكذلك ههنا فبهذا التقدير يظهر إشكال في إكراه المسلمة على الزنا ، وجعله ناقصا بل إلحاقه بالحرابة متجه بطريق الأولى لعموم مفسدة الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال ، وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس ، فعلى هذا التقدير تخرج مسائل هذا الباب ، وفي ( الكتاب ) : قال ابن القاسم : وإذا تلصص الذمي فقتل وأخاف السبيل فهو كالمحارب المسلم في حكمه ، فإن خرجوا نقضا للعهد وامتنعوا في غير ظلم ، والإمام عادل فهم فيء كما فعل عمرو بن العاص بالإسكندرية لما عصب عليه بعد الفتح ، قال التونسي : لم يجعل القتل في الحرابة نقضا وهو يقول : غصب المسلمة على الوطء نقض ، وهو مشكل إلا أن يكون العهد اقتضاه ، قال ابن القاسم : فإن كان لظلم ردوا إلى ذمتهم ، قال ابن يونس : قال ابن مسلمة : حرابة الذمي نقض للعهد ، ولا يؤخذ ولده لبقاء العهد في حقه بخلاف ماله إلا أن يكون من الحرابة ; لأنه في ذمته ، وقال الداودي : إن كان من ظلم فهو نقض ; لأنهم لم يعاهدوا أن يظلموا من ظلمهم ، وروي أن عمر - رضي الله عنه - أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها ، فأمر بصلبه في ذلك الموضع ، وقال : إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، وإن يهوديا دهن ناقته ، وعليها امرأة فوقعت فانكشفت فقتله ابنها فأهدر دمه ، قال ابن حبيب : إذا غصب مسلمة فلها الصداق من ماله والولد على دين أمه ، ولو أسلم لم يقتل ، وروي عن عمر - رضي الله عنه - نقض عهده بذلك ، قال ابن القاسم : إذا حاربت الذمة وظفر بهم ، والإمام عدل قتلوا وسبي نساؤهم ، ولا يعرض لمن يظن أنه مغلوب معهم كالشيخ الكبير والضعيف ، ولو ذهبوا لبلد الحرب نقضا للعهد وتركوا أولادهم لم يسبوا بخلاف إذا ذهبوا بهم ، إلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا المشركين فهم كالمحاربين ، وقال أيضا : [ ص: 463 ] إذا حاربوا والإمام عدل : استحل سبيهم وذراريهم إلا من يظن أنه مغلوب كالضعفاء ، ولم يستثن أصبغ ، وألحق الضعفاء بالأقوياء في النقص كما اندرجوا معه في العقد ؛ ولأنه عليه السلام سبى ذراري قريظة ونساءهم بعد النقص كما اندرجوا بالعهد ، قال ابن القاسم : إذا استولى العدو على مدينة للمسلمين فيها ذمة فغزونا معهم واعتذروا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم ، فمن قتل منهم مسلما قتل وإلا أطيل سجنه ، وإذا نقضوا العهد ، وقد سرقوا أموالا وعبيدا ، ثم صالحونا على العود للذمة ، فإن لم يطلع على السرقة إلا بعد الصلح خيرهم الإمام بين ردها وبين عودهم إلى الجزية ، وإن اشترطوها فلا كلام له ، وكذلك ما أخذوه في الحرابة بعد النقص ، قال المازري : وينتقض العهد إذا صار علينا للحربيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية