صفحة جزء
النوع السادس : الصدقة ، ففي ( الكتاب ) : القائل : لله علي أن أهدي مالي ، أو مالي صدقة في سبيل الله ، أو أهدي ، أو حلف فحنث أجزأه الثلث ، وقاله ابن حنبل ، وإن سمى دارا أو دابة أو غيرهما أخرجه وإن أحاط بماله ، فكذلك إن سمى حرا ، ولو كان أكثر من ثلاثة أرباعه ما لم يقل الكل لما في الموطأ : أن أبا لبابة حين تاب الله عليه قال : يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول ؟ فقال [ ص: 90 ] له - عليه السلام - : ( يجزئك من ذلك الثلث ) فقوله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه التزم الصدقة بجملة المال ; لأن الإجزاء فرع شغل الذمة ، فإذا عين شيئا أخرجه ; لأنه يجوز أن يدخل في ملكه ما لا يعلمه بالميراث ، والأصل الوفاء بالصيغة ، وفي الصحيحين : لا صدقة إلا عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول . فتكون الصدقة بكل المال غير مطلوبة للشرع ، فلا تلزم بالنذر .

فرع : قال صاحب ( تهذيب الطالب ) : إذا أخرج الثلث أنفق عليه من عنده كالزكاة ، وقيل : من الثلث . قال ابن يونس : هو كذلك إن قال : هدي ، وإن قال : صدقة ، وليس بالموضع مساكين . قال مالك : النفقة من الثلث أيضا ، ولو قال : الثلثان ، فلا خلاف أن النفقة من عنده قال : وينبغي أن لا فرق ; لأن من أوجب هديا فقد أوجب على نفسه إيصاله ، وروي عن عائشة - رضي الله عنها - : تلزمه في صدقة ماله كفارة يمين ، وعن ابن مسلمة : زكاة ماله ، وقال ابن نافع : من تصدق بمعين وهو ماله كله أخرج الثلث ، وروي عن مالك : إذا سمى أكثر من الثلث اقتصر على الثلث . قال صاحب ( البيان ) : وروي عن مالك : إن كان موسرا فالثلث ، وإلا فربع عشره ، أو معدما فكفارة يمين ، والحالف بصدقة ما يكتسبه أبدا فيحنث ، فلا شيء عليه اتفاقا ، فإن قيده بمدة أو بلدة فكذلك عند ابن القاسم ، وقال أيضا : يتصدق بالثلث ، وإذا قال : كل مال أملكه إلى كذا من الأجل صدقة ، فخمسة أقوال : ثلث ما يملكه الآن وما يملكه في المستقبل ، لابن عبد الحكم ، وثلث ماله الآن ، وجميع ما يملكه إلى ذلك الأجل لابن القاسم ، وثلث ما يملك الآن فقط ، وجميع ما سيملكه فقط ، ولا شيء عليه مطلقا ، ومنشأ الخلاف لفظ : أملكه [ ص: 91 ] هل هو موضوع للحال أو الاستقبال أو لهما ، وكله نقله النحاة ، وأما إذا نذر الصدقة بجميع ما يفيده إلى مدة ، أو في بلده أخرج ذلك قولا واحدا ؛ لقوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) ( المائدة : 1 ) وقوله تعالى : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ) ( التوبة : 75 ) الآية . قال : وإن كان لم ينص في كتابه على الفرق بين النذر واليمين ، والوجه : الفرق بينهما ، وفي ( الجواهر ) : قال سحنون : عين مالا : يخرج ما لا يضر به ، وفي ( الكتاب ) : الحالف يهدي عبده المعين وجميع ماله يهدي المعين ، وثلث باقي المال ، وكذلك الصدقة وغيرها ، ولو قال : فرسي ومالي في سبيل الله ، فليتصدق بثمن العبد في قوله : ( صدقة ) وفي السبيل يدفع الثمن لمن يغزو به من موضعه إن وجد ، وإلا يبعث به ، والفرس وآلة الحرب يبعثه بعينه ، فإن تعذر بعث بثمنه يجعل في مثل المبيع بخلاف ثمن الهدي يباع إذا لم يبلغ ، ويشترى بثمنها إبل ; لأن المقصود من الجميع الأكل ، وأما في قوله : صدقة ، فيبيع الجميع ، والسبيل هو الجهاد والرباط .

تفريع : قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا حنث مرة أخرى قبل إخراج الثلث أخرج الثلث وثلث الباقي ، ثم قال : يكفيه الثلث ، وبالأول أخذ محمد وأشهب . قال مالك : إذا حلف بصدقة ماله ثم زاد ماله فعليه ثلث ماله يوم الحلف ; لأنه الذي يتناوله السبب ، وإن نقص فثلثه يوم حنث ; لأنه الممكن ، وإذا حنث ثم نما ماله ، ثم حنث فنما ماله فعليه ثلث ماله ، ثم حنث فنما ماله أخرج ثلث ما معه الآن ; لأنه ثلث الأول وثلث الزيادات ، وإن لم يزد لم يخرج إلا ثلثا واحدا ، ولو حنث وماله مائة ثم حنث وهو سبعون ، ثم حنث وهو أربعون فعليه ثلث المائة إلا أن ينقص ما بيده عنه ، فلا شيء عليه غير ما بيده إلا أن يذهب بإتلافه أو أكله ، فيلزمه دينا عليه ، ولا يضمن بالتفريط في إخراجه . قاله مالك ; لأنه كالشريك ، وقال محمد : إن كان على حنث ضمن ما ذهب بسببه ، [ ص: 92 ] وإلا فلا ، وإذا أخرج الثلث ، فمن العين والدين وقيمة الكتابة ، وإن عجز المكاتب يوما وفي قيمة رقابهم فضل أخرج ثلثه ، ولا شيء في أم الولد ولا المدبر لتعذر بيعها ، وقال سحنون : يخرج ثلث قيمة خدمتهم ، فإن لم يخرج ثلثه حتى ضاع فلا شيء عليه ، فرط أم لا ، وقال سحنون : يضمن المفرط كالزكاة ، والفرق للمذهب : أن الحالف بالصدقة قيل : لا شيء عليه ، وقيل : كفارة يمين بخلاف الزكاة ، فإن لم يكن له يوم حلف مال ، فلا شيء عليه فيما يتجدد لعدم تناول السبب إياه ، وفي ( الجواهر ) : في ( الواضحة ) : إن حلف فحنث وقد زاد ماله ، إن كانت الزيادة بمتجر فلا يلزمه إخراج ثلثها ، أو بولادة أخرج ثلثها وثلث الأصل ، والقائل : كل ما أربحه في هذه السلعة صدقة . يجري على الخلاف في قوله : كل ما أكتسبه صدقة ، في مدة معينة أو بلدة ، وفي ( الكتاب ) : القائل : مالي في الكعبة أو رتاجها أو حطيمها ، فلا شيء عليه ; لأنها لا تنقض فتبنى . والرتاج الباب ، ومنه أرتج على الخطيب والقارئ بتخفيف الجيم : إذا انغلق دونه باب الكلام . فإن قال : في كسوة الكعبة أو طيبها ، دفع ثلث ماله للحجبة ، وإن قال : أضرب بمالي أو شيء بعينه حطيم الكعبة أو الركن ، فعليه حجة أو عمرة ، ولا شيء عليه في ماله ; لأن الضرب ليس بطاعة ، ويصحح لفظه بحسب الإمكان ، فيحمل على الوصول إليها للقربة المعتادة . قال الله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ) ( النساء : 101 ) الآية . قال اللخمي : قال ابن حبيب : يتصدق بماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية