صفحة جزء
[ ص: 122 ] كتاب الذبائح .

والنظر في المذكي والمذكى والمذكى به ، وصفة الذكاة .

النظر الأول : في المذكي . قال صاحب البيان : ستة لا تجوز ذبائحهم ، وستة تكره ، وستة مختلف في جواز ذبائحهم ، فالأول : الصغير الذي لا يعقل ، والمجنون حالة جنونه ، والسكران الذي لا يعقل ، والمجوسي ، والمرتد ، والزنديق ، وقاله الأئمة . والثانية : الصغير المميز ، والمرأة ، والخنثى ، والخصي ، والأغلف ، والفاسق . ومنشأ الخلاف : هل النظر إلى أن ضعف طبع الثلاثة الأول يمنع من وقوع الذكاة على وجهها ، ومشابهة الخصي بهم ، ونقص الآخرين من جهة الدين ، أو أن القصد والفعل من الجميع ممكن فتصح ؟ والثالثة : تارك الصلاة والسكران الذي يخطئ ويصيب ، والمبتدع المختلف في كفره ، والنصراني العربي ، والنصراني الذابح لمسلم بأمره ، والعجمي يجيب إلى الإسلام قبل البلوغ ، هذا كله على مذهب مالك رحمه الله .

وفي الكتاب : تصح ذكاة المرأة والكتابيين رجالهم ونسائهم وصبيانهم ، والمرأة أولى منهم . ويكره أكل ما ذبحه الكتابي لكنيسة أو عيد من غير تحريم لقوله تعالى : ( أو فسقا أهل لغير الله به ) ( الأنعام : 145 ) . قال ابن القاسم : وكذلك ما سموا عليه المسيح - عليه السلام - وما ذبحوه ، فوجدوه [ ص: 123 ] حراما على أصلهم . كرهه مالك ثم أجازه . قال ابن القاسم : وما لا يستحلونه لا يؤكل كذي الظفر ، وهو الإبل والنعام والبط ما ليس مشقوق الأصابع خلافا لابن حنبل ; لأنه ليس من طعامهم ، وكره مالك ذبائحهم والشراء منهم ، وأمر عمر - رضي الله عنه - أن يقاموا من أسواقنا كلها الجزارون وغيرهم .

وتؤكل ذبيحة الأخرس .

قال اللخمي : واختلف في شحوم ذبائح الكتابي ، فحرمه مرة ; لأنه حرام عليهم ، وجعل الذكاة تتبعض باعتباره قياسا على الدم ، وأجازه مرة ; لأن الذكاة لا تتبعض فيما هو قابل ، واختلف في ذي الظفر كالشحم ، وأباحه ابن حنبل ، وقيل : يجوز الشحم بخلافه ; لأن الذكاة لا تتبعض ، وقال أشهب : كل ما نص الله تعالى على تحريمه كذي الظفر والشحوم حرم على المسلم بخلاف ما حرموه هم ، ومنعها ابن القاسم ، وأباحها ابن وهب نظرا إلى نسخ ذلك ، ويؤكل جل الشحوم لما في الصحيحين : قال معقل : أصبت جرة شحم يوم خيبر ، فالتزمته ، وقلت : والله لا أعطي اليوم من هذا أحدا شيئا ، فالتفت ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبسما .

وفي الجواهر : يجوز ذبيحة السامرية ، وهم صنف من اليهود ، والمشهور من مذهب مالك كراهته الشحوم ، والصابئة ينكرون بعث الأجسام .

[ ص: 124 ] ولا تجوز ذبيحة من ليس بكتابي ، ولا الصابئة المعتقدة تأثير النجوم ; لأنهم كالمجوس ، وهذا كله إذا باشرنا الذكاة أما إذا غاب الكتابي على ذبيحته ، فإن علمنا استحلالهم للميتة كبعض النصارى أو شككنا لم نأكل ، وإن علمنا تذكيتهم أكلنا . قال أبو إسحاق : أكره قديد الروم وجبنهم وجبن المجوس لأجل ما فيه من إنفحة الميتة .

تنبيه : كراهيته ينبغي أن تحمل على التحريم بدليل كراهيته لجبن المجوس ، وهي محرمة ، ولا يختلف اثنان ممن يسافر أن الإفرنج لا تتوقى الميتة ولا تفرق بينها وبين الذكية ، وأنهم يضربون الشاة حتى تموت وقيذة بالعصا وغيرها ، ويسلون رءوس الدجاج من غير ذبح ، وهذه سيرتهم ، وقد صنف الطرطوشي - رحمه الله - في تحريم جبن الروم كتابا ، وهو الذي عليه المحققون ، فلا ينبغي لمسلم أن يشتري من حانوت فيها شيء منه ; لأنه ينجس الميزان والبائع والآنية .

فرع

قال ابن يونس : لا تؤكل ذبيحة الغلام إذا ارتد إلى أي دين كان .

قال محمد : وتؤكل ذبيحة النصراني العربي ، والمجوسي إذا تنصر .

[ ص: 125 ] فرع .

في الكتاب : تؤكل ذبيحة من أبوه كتابي وأمه مجوسية ; لأن الولد تابع في الدين لأبيه ، وقال أبو تمام في تعليقه : قال مالك : لا تؤكل ذبيحة من أبوه مجوسي ، أو وثني ، وقال ( ح ) : يجوز إذا كانت أمه كتابية ; لأن العبرة عنده في الدين بالأم ، وقال ابن حنبل : من أحد أبويه لا تصح ذكاته تغليبا للحرمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية