صفحة جزء
النظر الثاني : في المذكى ، وفي الجواهر : الحيوان كله يقبل الذكاة ، وتطهر بها جميع أجزائه لحمه وعظمه وجلده ، وإن كان لا يؤكل لحمه كالسباع والكلاب والحمر والبغال ، إلا الخنزير ، فإن تذكيته ميتة لغلظ تحريمه ، وقاله ( ح ) ، وقال ابن حبيب : ما لا يؤكل لحمه كذلك .

تنبيه : ألحق صاحب الجواهر الحمر بالسباع ، وفي الكتاب في كتاب الصلاة : يصلى على جلد السباع إذا ذكي ، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي ، وتوقف في الكيمخت ، وتركها أحب إليه ، وكذلك في آخر كتاب الأضاحي نص على طهارة جلود السباع ، ولم يذكر الكلاب ، فتأمل ذلك من جهة النقل . قال اللخمي : الحيوان ثلاثة : بري له نفس سائلة لا تحل إلا بالذكاة ، وبحري لا حياة له في البر يحل من غير ذكاة ، وبري ليس له نفس سائلة ، وبحري يعيش في البر اختلف فيهما . قال مالك : ما لا دم له كالعقرب والخنفساء والزنبور والسوس والدود [ ص: 126 ] والذباب وسائر الحشرات - ذكاته ذكاة الجراد إذا احتيج إلى دواء أو غيره ، وقال عبد الوهاب : هي كدواب البحر لا تنجس في نفسها ولا تنجس ، وقال مطرف : لا يحتاج الجراد إلى ذكاة ; لأن عامة السلف أجازوا أكل ميتة الجراد ، وفي الكتاب : لا يحتاج فرس البحر إلى ذكاة ، وإن كان له رعي في البر ، ولا بد من تذكية طير الماء خلافا لعطاء ، وفي الجواهر : وهل يجري في ذكاة ما ليس له نفس سائلة ما عدا الجراد الخلاف الذي في ذكاة الجراد ، أو يفتقر إلى الذكاة قولا واحدا ؟ طريقان للمتأخرين .

قاعدة : الذكاة شرعت لاستخراج الفضلات المحرمات من الأجساد الحلال بأسهل الطرق على الحيوان ، فمن لاحظ عدم الفضلات مما ليس له نفس ، وجعلها أصلا وإراحة الحيوان تبعا أجاز ميتته ، ومن لاحظ شرعية زهوق الروح وجعله أصلا في نفسها لم يجزها .

قاعدة : النادر ملحق بالغالب في الشرع ، فمن لاحظ هذه القاعدة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر نظرا لغالبه ، ومن لاحظ القاعدة الأولى وأن ميتة البحر على خلاف الأصل لم يسقطها ، ويؤيده قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة ) أو يحمله على سبب وروده ، وهو الميتة التي كانوا يأكلونها من البر ، ويقولون : تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله ؟ .

فائدة : النفس لفظ مشترك لأمور : أحدها : الدم لقوله :


تسيل على حد الظبات نفوسنا وليس على غير الظبات تسيل

[ ص: 127 ] وقد تقدم بسطه في باب النفاس ، والحيض .

فرع

في الكتاب : لا يصلى على جلد حمار وإن ذكي . قال ابن يونس : لأن الذكاة لا تعمل فيه لنهيه - عليه السلام - عنه ، وهو خلاف نقل الجواهر . فرع

قال اللخمي : تصح ذكاة المريضة إذا لم تشارف الموت ، فإن شارفت صحت ذكاتها عند مالك ، وفي مختصر الوقار : لا تصح ، والأول أحسن لما في الصحيحين أن أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع ، فأبصرت بشاة تموت فأدركتها فذكتها بحجر ، فسئل النبي - عليه السلام - فقال : ( كلوها ) وفيه أربع فوائد : ذكاة النساء ، وبالحجر ، وما أشرف على الموت ، وذكاة غير المالك بغير وكالة .

وإذا لم يتحرك من الذبيحة شيء بعد الذبح أكلت إن كانت صحيحة . قال محمد : إذا سفح دمها . قال اللخمي : وكذلك أرى في المريضة الظاهرة الحياة ، فإن قربت من الموت لم تؤكل إلا بدليل على الحياة عند الذبح . قال ابن حبيب : وذلك اضطراب عينها أو ضرب يدها أو رجلها ، أو استماع نفسها في جوفها ، ونحوها ، وإذا أشكل الأمر لم تؤكل ، [ ص: 128 ] والاختلاج الخفيف ترك الأكل معه أحسن ; لأن اللحم يختلج بعد السلخ ، وخروج الدم ليس دليلا وحده لخروجه من الميتة إلا أن يخرج بقوة لا تليق إلا بالحياة قال صاحب ( المقدمات ) : في وقت اعتبار علامات الحياة ثلاثة أقوال : بعد الذبح ، معه ، يكفي وجودها قبله . فرع

قال اللخمي : المنخنقة والموقوذة بالذال المعجمة ، وهي التي تضرب حتى تموت ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، ما مات منها فحرام ، وما لو ترك لعاش : يذكى ، وغير المرجو والذي حدث به في موضع الذكاة لم تؤكل ، وفي غيره يذكى ويؤكل عند مالك . قال ابن القاسم : ولو انتثرت الحشوة ; لأن قوله تعالى : ( إلا ما ذكيتم ) بعد ذكر هذه الأقسام استثناء متصل ; لأنه الأصل ، وقيل : لا يؤكل ; لأنه منقطع أي من غيرهن ; لأنه لولا ذلك لكان قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة ) يعني عنه ، وفي الجواهر : منع أبو الوليد جريان الخلاف الذي ذكره اللخمي إذا كان المقتل في غير محل الذكاة ، وقال : المذهب كله على المنع ، وإنما الخلاف إذا بلغت الناس بغير إصابة مقتل ، والمقاتل خمسة : انقطاع النخاع ، ونثر الدماغ ، وفري الأوداج ، وانثقاب المصران ، ونثر الحشوة . وفي البيان : اختلف في دق العنق من غير قطع الأوداج ، فلم يره ابن القاسم مقتلا ، وفي خرق الأوداج من غير قطع الأوداج ، فلم يره ابن عبد الحكم ، وقيل : مقتل ، ومعنى قوله أن خرق المصران مقتل : إذا كان في مجرى الطعام قبل كونه رجيعا . أما حيث يكون رجيعا فليس مقتلا ; لأن الغذاء محفوظ عن الجسد ، وقد وجدنا من يعيش من بني آدم والدواب من هو [ ص: 129 ] كذلك ، ولذلك سقي عمر - رضي الله عنه - اللبن ، فلما خرج من مجرى الطعام قيل له : أوص يا أمير المؤمنين ، ولذلك تؤكل البهيمة إذا ذكيت ، فوجدت مثقوبة الكرش ; لأنه محل الفرث ، وأما إذا شق الجوف فلا تذكى ولا تؤكل على الروايتين إلا على قول ابن القاسم في الذي ينفذ مقاتل رجل ثم يجهز عليه آخر يقتل به الثاني ويعاقب الأول . قال في المقدمات : والصواب رواية سحنون عنه أن الأول يقتل به ، ويعاقب الثاني . قال في البيان : وفي المنخنقة وأخواتها إذا سلمت مقاتلها أقوال : ثالثها : التفرقة بين الميئوس منه فيمتنع ، وبين المرجو فيجوز ، وجعلها ابن القاسم بخلاف المريضة الميئوسة ، والجواز مطلقا لمالك وابن القاسم ، والمنع مطلقا لعبد الملك . فرع

قال اللخمي : الجنين إذا لم تجر فيه حياة لم تنفع فيه ذكاة أمه ولا يؤكل ، وإذا جرت فيه الحياة ، وعلامته عندنا كمال الخلق ونبات الشعر ، فإن ذكيت الأم وخرج حيا ثم مات على الفور كرهه محمد ، وحرمه ابن الجلاب ويحيى بن سعيد ، وإن استهل صارخا انفرد بحكم نفسه ، وإن لم تذك الأم وألقته ميتا لم يؤكل ، وكذلك إن كان حيا حياة لا يعيش معها ، علم ذلك أو شك فيه ، وإن ذكيت الأم فخرج ميتا ، فذكاتها ذكاته ، وقاله ( ش ) خلافا لـ ( ح ) ومنشأ الخلاف قوله - عليه السلام - في أبي داود : ( ذكاة الجنين ذكاة أمه ) يروى برفع الذكاتين ، وهو الأصح الكثير ، وبنصب الثانية ورفع الأولى . فعلى الرفع يحل بذكاة أمه ; لأن القاعدة أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر ، ومنه : ( تحريمها التكبير [ ص: 130 ] وتحليلها التسليم ) أي ذكاته محصورة في ذكاة أمه ، فلا يحتاج لغيرها ، وعلى النصب معناه ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه ، ثم حذف مثل وما قبله ، وأقيم المضاف إليه مقام المضاف ، فيفتقر الجنين إلى الذكاة ، وعليه أسئلة ، أحدها : أنه شاذ . الثاني : أنه يحتاج إلى إضمار ، والأصل عدمه . الثالث : أن معناه ذكاة الجنين في ذكاة أمه ، ثم حذف حرف الجر ، فنصب كقوله تعالى : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا ) ( الأعراف : 155 ) أي من قومه ، وهذا أولى لقلة الإضمار واتفاقه مع الرواية الأخرى ، وإلا نقض كل واحدة منهما الأخرى ، والحديث مخالف للأصول ; لأنه إذا كان حيا ثم مات بموت الأم ، فإنما مات خنقا .

فرع

قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : الدابة التي لا يؤكل لحمها بطول مرضها ، أو تتعب عن السير في أرض لا علف فيها - ذبحها أولى من بقائها تتعذب ، وقيل : تعقر ليلا يغر الناس بذبحها على أكلها ، وقال ابن وهب : لا تذبح ولا تعقر لنهيه - عليه السلام - عن تعذيب الحيوان لغير مأكلة .

[ ص: 131 ] تفريع

قال : لو تركها فأعلفها غيره ثم وجدها . قال مالك : هو أحق بها ; لأنه تركها مضطرا كالمكره ، ويعطيه ما أنفق عليها ، وقيل : هي لعالفها لإعراض المالك عنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية