صفحة جزء
البحث الثالث : في ترتيب الأولياء .

قاعدة : إنما يقدم الشرع في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها ، فللقضاء : العارف بالفقه وأحوال الخصوم والبينات ، وللحروب : من هو أعلم بمكائدها وسياسة جيوشها ، ولا يقدم هذا للقضاء ، ولا الأول للحروب ، وكذلك سائر الولايات ، ورب كامل في ولاية ناقص في أخرى كالنساء ناقصات في الحروب كاملات في الحضانة لمزيد شفقتهن وصبرهن فيقدمن على الرجال ، فكذلك هاهنا إذا اجتمع الأولياء يقدم من وصفه أقرب لحسن النظر في الولية ، قال اللخمي : النسب مقدم على غيره ، وأولى النسب الابن ، ثم ابن الابن ، ثم الأب ، ثم الأخ ، ثم ابن الأخ ، وإن سفل ، ثم الجد ، ثم العم ، ثم ابن العم ، وإن سفل .

وأسباب التقدم هاهنا هي أسباب التقدم في المواريث ، وسوى في الكتاب بين الأخ الشقيق للأب نظرا إلى أن المعتبر إنما هو جهة الأب ، والأمومة والإدلاء بها ساقط في ولاية النكاح ، وقد قدم الشقيق في كتاب ابن حبيب ، وجعل [ ص: 247 ] الأمومة مرجحة كالميراث ، والجواب في أبنائهما ، وفي العمين أحدهما شقيق والآخر للأب ، وفي أبنائهما كما تقدم ، وإذا لم تكن عمومة فالرجل من العصبة ، ثم من البطن ، ثم من العشيرة ، ثم المولى الأعلى ، ثم الأسفل ، ثم ولاية الإسلام ، قال أبو الطاهر : المشهور تقديم الابن في الثيب على غيره ، وقيل : يقدم الولي عليه . وفي الجواهر : روي عن مالك : الأب ثم الابن نظرا إلى مزيد الشفقة ، وقاله ابن حنبل ، ووافقنا في بقية الترتيب ، وقدم المغيرة : الجد وأباه على الأخ وابنه ، كالميراث ، وقاله ( ش ) ، وبقية الترتيب عنده كمذهبنا إلا الابن فإنه عنده لا ولاية له ألبتة .

تمهيد : قدم الأخ على الجد في ثلاثة أبواب : النكاح ، والصلاة على الجنازة ، وميراث الولاء بخلاف ميراث النسب . وسببه أن الجد يدلي بالأبوة فيقول : أنا أبو أبيه ، والأخ يدلي بالبنوة فيقول : أنا ابن أبيه ، والبنوة مقدمة على الأبوة ، يحجب الابن الأب عن جملة المال إلى السدس فهذه العمدة في الأبواب الثلاثة ، وأما الميراث فلأن الجد يسقط فيه الإخوة للأم ، ولا يقدر الأخ على ذلك ، ويرث مع الابن بخلافه فيقدم عليه لذلك ، وهذان منفيان في الولاء ; لأنه تعصيب محض فلا مدخل فيه لإخوة الأم حتى يثبت الترجيح بحجتهم ، ولا مدخل فيه للفروض فيسقط السدس الذي يرثه مع الابن فيبقى نصف البنوة سالما عن المعارض فيقدم الأخ .

قال العبدي : والجد أقوى من الأخ في ثلاث مسائل : لا يقطع في السرقة كالأب ، ولا يحد في الزنا بجارية ولد ولده ، وتغلظ الدية عليه في قتل العمد بخلاف الأخ في الثلاثة ، واختلف هل يكون الجد كالأب في الاعتصار ؟ منعه في الكتاب ، ويحبس في الدين بخلاف الأب ، ولا تجب [ ص: 248 ] النفقة له ، وهو مثل الأخ في العفو عن القصاص ، وفي الجواهر : إذا مات المعتق فعصابته ، ثم معتقه ، ثم عصابة معتقه يترتبون كعصبة القرابة .

قال اللخمي : إذا كان ولي النسب بعيدا جدا فالمذهب تقديمه على السلطان ، وقال عبد الملك : السلطان أولى من الرجل من البطن ، ويستحب للمرأة إذا لم يكن لها ولي أن توكل عدلا ، فإن استوى أولياؤها في الدرجة ففي الكتاب : ينظر السلطان ، وقال ابن حبيب : بل أفضلهم ، فإن استووا فأسبقهم ، فإن استووا عقد الجميع ( العقد ، قال اللخمي : ولو لجميعهم ، وإن كان فيهم أفضل كان حسنا ; لأن نظر المفضول إلى الفاضل لا يضر ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية