صفحة جزء
البحث الرابع : في الملاعنة ، وفي الكتاب : اللعان بين كل زوجين كانا حرين ، أو مملوكين أو أحدهما ، أو محدودين ، أو كتابية تحت مسلم ، بخلاف الكافر لعموم الآية ، وعدم اندراج الكافر لبطلان عقدهما ، ولعدم توجه الحد عليهما في القذف ، وأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج فيهما إلا لنفي الحمل إذا ادعى الاستبراء ورؤية لم يتبين بعدها ، ولا يلاعن لرؤية ; لأنه لا يحد قاذفها ، فإن أحب ذلك لتحققه عليهما لم يمنع ، وقال ( ح ) : إذا كان أحد الزوجين مملوكا أو ذميا أو محدودا في قذف ، أو كانت المرأة ممن لا يحد قاذفها فلا لعان بينهما ; لأن اللعان شهادات لا تكون إلا لمن له أهلية الشهادات ، وجوابه : أنه لو كان شهادات لما قبل من المدعي ولما شرع فيه اللعان والغصب ، بل الحق أنه فيه شائبة الشهادة ، قال ابن يونس : قال سحنون : في حر تحته أمة فابتاعها ثم ظهر بها حمل إن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الشراء ، أو قد أصابها بعد الشراء لاعنها ; لأنه زوج ، أو لستة أشهر فأكثر بعد الشراء والوطء لحق به لاحتماله من مسيس الملك ، وإن لم يمسها بعد الشراء ووضعته لما يشبه أن يكون من وطئه لما كان زوجا بخمس سنين فأدنى فاللعان بينهما ، وفي الجواهر : إذا اشترى أمة وظهر بها حمل ، فإن علمه يوم الشراء أو أتت [ ص: 298 ] به لأقل من ستة أشهر ، فالولد للنكاح ما لم يطأها بعد الشراء ( وتأتي به لأكثر من ستة أشهر ، وروى سحنون : إذا لم يطأها بعد الشراء ) بحيضتين فهو للواطئ بعد الشراء ولا ينفيه ، استبرأها بعد الوطء أم لا ، إلا أن يدعي استبراءها بعد الوطء ، قال اللخمي : وإذا كانت مسلمة والزوج نصرانيا إما لأنها أسلمت قبله ، أو تعدت في تزويجه على القول بأنها لا تكون بتزويجه زانية لاعن بقذفها ، فإن نكل حد ، وإن لاعن ونكلت لم تحد بأيمانه ; لأنها أقيمت مقام الشهادة ، وفي الكتاب : يلاعن من لا يدري لصغر أو كبر إن كانت الصغيرة قد جومعت ، وإن لم تحض ، وتلتعن الكبيرة دون الصغيرة لعدم أهلية اليمين ، وعدم توجه الحد عليها وتبقى زوجة .

قال صاحب النكت : إذا لاعن النصرانية فامتنعت فلها النفقة حتى تلد ، وإن امتنع وطؤها لكون الولد من غيره ; لأنها زوجة ، ويجوز الاستمتاع بها كما يستمتع بالحائض على الخلاف في المستبرأة حاملا ، وتلاعن النصرانية دون الصغيرة ، وكلاهما لا يتعلق بنكوله حد ، والفرق أنها قد تتوجه عليها عند أهل دينها عقوبة .

فرع

قال ابن يونس : إذا توافق الكتابيون بحكمنا في اللعان فنكلت الزوجة رجمت على رأي عيسى بن دينار ، ولا ترجم على رأي البغداديين لفساد أنكحتهم ، ويجب الحد كالمتلاعنين قبل البناء .

[ ص: 299 ] فرع

في الجلاب : إذا أتت المنكوحة في العدة بولد لأقل من ستة أشهر من النكاح الثاني ، أو لستة أشهر وقبل حيضة لحق بالأول ; لعدم الحيض الدال على البراءة أو بعد ستة أشهر وحيضة لحق بالثاني ; لوجود الأجل الصالح والدال على البراءة ، إلا أن ينفيه باللعان ( يلحق بالأول إلا أن ينفيه باللعان ) فينتفي فيهما جميعا ، وإن استلحقه أحدهما لحق به ، وقال محمد : والمراد دخول الثاني دون عقده ، وإن ( كانت المرأة تصير فراشا بالعقد لقوة فراش الأول وضعف الثاني ) وإن استلحقاه معا كان للثاني ، ولا تلاعن إلا مع الثاني إذا نفاه إلى الفراش الأول ، قال ابن يونس : قال أصبغ : من استلحقه منهما حد ولحق به ، وقال محمد : إن استلحقه الثاني دون الأول لحقه وحد ; لأنه نفاه إلى غير أب ، ومن استلحقه أولا لحق به ، ولا دعوى للثاني فيه ( ولو ادعاه الأول بعد لعانه ، وقبل لعان الثاني ، لم يقبل منه ; لأنه للثاني حتى ينفيه ) ولو استلحقاه بعد لعانهما اختص بالأول ، ويحرم على الثاني أبدا ، وإن لم يلتعن ; لأنه ناكح في العدة ، ولا تحرم على الأول وإن التعن ; لأنها لم تلاعنه كالمغتصبة ، وقال أصبغ : وإذا تلاعنا جميعا حرمت عليهما لبطلان النسبة للثاني بلعانه ، ولو عقد عليها حاملا فأتى للستة أشهر فأكثر فهو للآخر إلا أن ينفيه بلعانه ، ولا تلتعن هي ، ولحق بالأول إلا أن ينفيه وتلتعن فيلتعن ، فإن نكلت حدت .

[ ص: 300 ] تنبيه : مراد العلماء بعدم لحوق الولد لأقل من ستة أشهر : ( إذا كان تاما أما لو وضعته ناقصا لأجل ذلك النقص لحق به لأقل من ستة أشهر ) .

قاعدة : الولد يتحرك لمثل ما يخلق فيه ، ويوضع لمثل ما تحرك فيه ، وهو يتخلق في العادة تارة لشهر ، وتارة لشهر وخمسة أيام ، وتارة لشهر ونصف ، فيتحرك في الأول : لشهرين ، ويوضع لستة أشهر ، ( وفي الثاني : شهرين وثلث ، ويوضع لسبعة أشهر ) ، والثالث : لثلاثة أشهر ، ويوضع لتسعة أشهر ( من عجز أو تأخر عن الأولين لآفة مؤخرة ) فلذلك لا يعيش ولد الثمانية أشهر لكونه إما متقدما على التسعة لآفة من عجز أو تأخر عن الأولين لآفة مؤخرة ، والموصوف لا يعيش فلا يعيش فلهذه القوانين يعتبر النقص مع الآجال فكل حمل قبل أجله يمتنع لحوقه أو مع أجله لحق .

فائدة : فعلى هذا التقدير يكون قوله عليه السلام : ( يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما ، وأربعين صباحا ) إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا ، فإن الأربعين تقرب من الثلاثين ومن الخمسة والثلاثين .

[ ص: 301 ] فرع

في الكتاب : لا تلاعن الحائض والنفساء إذا قذفت حتى تطهر ، حتى تقع العدة في طهر كالطلاق ، وكذلك لا يطلق على المعسر بالنفقة والعنين حتى تطهر بخلاف المولي ، وروى أشهب : التسوية ، قال ابن يونس : قال أبو محمد : يلاعن الزوج وتؤخر هي .

فرع

في الجلاب : إذا أقر بوطء أمته لحق به ولدها لقوله عليه السلام : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) ، ولقول عمر رضي الله عنه : ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يدعونهن يخرجن ، لا تأتني وليدة يعترف سيدها بوطئها إلا لحق به ولدها ، قال اللخمي : ولا يختلف المذهب في قبول قوله كانت من العلي أم لا ، قال : وأرى أن يختلف في العلي ، وفي الجواهر : إذا أقر بوطئها لا ينتفي ولدها حتى يدعي الاستبراء بغير يمين ; لأن الاستبراء في الإماء كاللعان في الحرائر ، وقيل : لا بد من اليمين ; لأنه عوض اللعان ، ولو أنكر ولادتها لم يلحق به ، ( إلا أن تشهد امرأتان ثقتان بولادته لاحتمال التقاطه توسلا للعتق ، ويقبل قول الحرة في الولادة ) لعدم التهمة إذا وطئ البائع والمشتري في طهر واحد ، وأشبه أن يكون الولد منهما لحق بمن ألحقته به القافة لما في مسلم ، قالت عائشة رضي الله عنها : دخل علي .

[ ص: 302 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسرورا فقال : يا عائشة ألم تري إلى مجزز المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما ، فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض
) ، قال أبو داود : وكان أسامة شديد السواد ، وأبوه شديد البياض وطعنت الجاهلية عليه بذلك فسر - عليه السلام - بترك الطعن عند ذلك ، وهو - عليه السلام - لا يسر إلا بسبب حق ، وبالقافة قال ( ش ) خلافا ل ( ح ) ، ونفاه مالك في المشهور من الحرائر دون الإماء ، قال الأبهري : وروي عنه التسوية ، ويكفي واحد عند ابن القاسم ; لأنه من باب الخبر ، وقيل : لا بد من اثنين ; لأنه من باب الشهادة ، والفرق بين الحرائر والإماء أن فراش الأول صحيح بالعقد ، والثاني فاسد فاعتبر العقد الأول دون العقد الثاني ، وألحق به تارة ، ولا مرجح في وطء السيدين .

نظائر : قال العبدي : المتردد بين الشهادة والخبر سبع : القائف ، والترجمان ، وقيل : يكفي الواحد ، وقيل : لا بد من اثنين ، وأما الكاشف عن البينات ، وقائس الخراج ، والناظر في العيوب ، كالطبيب والبيطار فواحد ، قال ابن حبيب : ولو كان البيطار فاسقا ، وكذلك المستنكه للسكران إذا أمره الحاكم ، واختلف في الحكمين فقيل : اثنان ، وقيل : واحد ، ولا بد في تقويم السلع والعيوب من اثنين .

تمهيد : الحكم بتردد بين الخبر والشهادة ، فرع تصورهما ، ولا يمكن تميزهما باشتراط العدد في الشهادة ، وقبول العبد والمرأة في الخبر ; لأن ذلك فرع تميزهما فيلزم الدور فهذا مقام عزيز يحتاج الفقيه المحصل إلى كشفه ، وهو عزيز في صدور الأئمة النبلاء ، ومعدوم عند أكثر الفقهاء .

[ ص: 303 ] واعلم أن الشهادة أيضا خبر ، والرواية أيضا خبر ، والفرق بينهما من جهة المخبر والمخبر عنه ، قال المازري في شرح البرهان : فمتى كان المخبر عنه حكما عاما في الأزمان والأشخاص بهذه الرواية ، فيتعين قبول الواحد العدل لعدم اتهامه بقصد أذية الخلق لترتيب الحكم عليهم إلى أن تقوم الساعة ، ومتى كان خاصا فيهما فهو الشهادة ، كالإخبار عن ثبوت درهم عند زيد ، فيشترط فيه العدد للتهمة ، ويرد الصداق والمرأة لتضرر المعين بالنقيصة مع الاختصاص ، فمتى اجتمع العموم والخصوص اختلف العلماء لتردد الحكم بينهما ، كالخبر عن رؤية هلال رمضان عام في أهل البلاد ، خاص في الأزمان ، فجرى الخلاف فيه لذلك ، والقائف والترجمان إن لاحظنا فيهما نصيبهما للخلق على العموم من غير اختصاص بمعين ، ولا هما تابعان لادعاء خصم ، بل الحاكم هو المصرف لهما كانا من باب المخبرين دون الشهود ، وإن لاحظنا استئناف أخبارهما عند كل واقعة معينة كانا من باب الشهود فقد اجتمع فيهما العموم من وجه والخصوص من وجه ، وكذلك من ذكر معهما ، وكذلك اختلف العلماء في التزكية هل يكفي فيه واحد أم لا إن لاحظنا أن المزكي يحصل مصلحة واحدة لشخص خاص كان شاهدا ، أو أنه يوجب قبول المزكي على الخلق كافة مع الأزمان كان مخبرا ، ومنهم من جعله من باب الشهادة إن زكى شاهدا ملاحظة لخصوص الشهادة ، ومن باب الخبر : أن يزكي راويا نظرا للعموم ، ومن العلماء من قال : التردد واقع بين الحكم والشهادة لا بين الشهادة والخبر ، والحكم هو الخبر الملزم ، والشهادة الخبر عن أمر خاص ، والرواية خبر عن [ ص: 304 ] أمر عام كما تقدم ، وهو يظهر في بعض هذه الفروع أكثر من قولنا فإنك إذا اعتبرت القائف ، والترجمان ، والمقوم ، والطبيب ، والبيطار ، وجدت أقوالهم ملزمة فتندرج في حقيقة الحكم ، والحاكم واحد إجماعا ، فيظهر التخريج عليه أكثر من الرواية لوجود الإلزام ، وإذا اعتبرت المزكي والإخبار عن رؤية الهلال ونحوهما تجده عريا عن الإلزام فيتعذر تخريجه على التردد بين الحكم والشهادة ، ويتعين مقال الأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية