صفحة جزء
التابع الرابع : القسم بين النساء ، وفيه خمسة فصول :

الفصل الأول : فيمن يستحق القسم ، قال الله تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ) ، وقال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) ، وفي الترمذي ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء [ ص: 455 ] يوم القيامة ، وشقه ساقط ) .

وفي الجواهر : من له امرأة واحدة لا يجب عليه المبيت عندها ، ويستحب لتحصينها ، وقال ابن حنبل : يجب لها في كل أربع ليال ليلة ; لأنه لو كان له أربع نسوة كان لها ذلك ، والفرق : أن ضرر إتيان الضرة منفي هاهنا ، ولو كان له أربع ، وترك الجميع جاز ، ولا يجب القسم بين السراري لعدم حقهن في الوطء ، ولا بينهن وبين الزوجات ، والأولى كف الأذى ، ويجب العدل بين الزوجات إجماعا ، وتستحقه المريضة ، والرتقاء ، والنفساء ، والحائض ، والمحرمة ، والمولى عنها ، والمظاهرة ، وكل من لها عذر شرعي أو طبعي بحصول الاثنين ، وقاله في الكتاب : وقاله الأئمة ، ولا تجب المباشرة ، ولا جمع أن ينشط في يوم واحدة دون الأخرى إلا أن يقصد الضرر عنها ليس في لغيرها ، وفي البخاري : ( كان - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل ، ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) ، قال أبو الطاهر : الإتيان على أربعة أقسام : جائز ، وهو ميل القلب والمحسنة ، وإنشاط إلى الحمل ; لأنه لا يملك ، وكذلك بما يجب لها لارتفاع منزلتها ، وتفضيلها بالمقدار الواجب بزيادة نفقة على الأخرى بما لا تستحقه مع توفية الأخرى نفقتها فيه قولان : الجواز ; لأنه لم يجر ، والمنع ; لأنه ميل بما يملكه ، والأذية للأخرى ، والرابع : تنقيص إحداهما بما يجب لها أو بترك الجماع قصدا ، ويترك للأخرى ، وهو ممنوع إجماعا ، وفي الجواهر : يجب القسم على كل زوج مكلف ، وعلى ولي المجنون أن يطوف به ، وقاله الأئمة لتحصيل الأنس ، وفي الكتاب : إذا كان المريض يقدر على [ ص: 456 ] القسم وجب أن لا يجد لإقامته ما لم يكن كما أقام - صلى الله عليه وسلم - عند عائشة - رضي الله عنها - في مرضه ، قال اللخمي : وقيل : إذا غلب المرض وإحداهن تصلح لتمريضه دون غيرها تعينت ، وإن تساوين فبالقرعة إلا أن يرضين لما في أبي داود : ( بعث - صلى الله عليه وسلم - إلى نسائه في المرض فاجتمعن ، فقال : إني لا أستطيع أن أدور بينكن ، فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة - رضي الله عنها - إن فعلتن ، فأذن له ) ، والمشهور : يروى أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك تطييبا لقلوبهن لا أنه واجب عليه .

فرع

في الكتاب : إذا سافرت إحداهن مدة لم تحاسبه ويبتدئ القسم ; لأنها أسقطت حقوقها ، وإذا أقام عند إحداهن مدة عن ذلك ولم تحاسبه ; لأن المقصود من القسم دفع الضرر الحاضر وتحصين المرأة ، وهو يفوت بفوات زمانه ، وكالعبد المعتق بعضه لا يحاسبه بهذا الإباق ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) : يجب القضاء فيما ظلم فيه كسائر الحقوق ، والفرق : أن الحقوق إنما وجب دفعها بعد زمان لحصول مصلحتها بعد زمانها ، وهاهنا تفوت المصلحة لفوات الزمان فلا مضي للقضاء ، وفي [ ص: 457 ] الجواهر : استقرأ اللخمي القضاء إذا أقام عند غيرها أكثر من نوبتها من قوله في السليمانية : إذا أقام عند إحداهن شهرين وهن أربع ، وحلف أن لا يطأها ستة أشهر حتى يوفي الباقيات ليس بمول ; لأنه قصد العدل ، قال أبو الطاهر : يحتمل أن يكون مراده الاستئناف دون المحاسبة فلا يكون موليا ; لأنه لا يقصد الضرر ، قال ابن يونس : قال مالك : إذا أغلقن الباب دونه ضررا له فله الذهاب إلى الأخرى ، وإن قدر على المبيت في حجرتها فعل ; لأنها وإن ظلمته فلم تسقط حقها ، قال أبو الطاهر : إن كان ظالما عليها لم يذهب بغيرها ، وإن كانت ظالمة ذهب ، قال ابن يونس : ولها أن يشرب ويتوضأ من بيتها في غير يومها ، ويأكل من طعام يبعث به إليها من غير تعمل ميل ، وقال لا يأتي في يومها إلا لحاجة أو عيادة ، وله جعل ثيابه عند إحداهما ما لم يرد ضررا أو ميلا .

فرع

قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إذا قدم من سفره نهارا أقامه عند أيهما شاء ، ولا يحسبه ، ويأتنف القسم ; لأن المقصود الليل فقد ذهب ، قال : وأحب أن ينزل عند التي خرج من عندها ، وقاله مالك وأصحابه ، وإذا كانت ذات قدر جازت المفاضلة في النفقة ، والأحسن التسوية فقد كان لمعاذ بن جبل امرأتان يمتنع من شرب الماء من عندهما ، وإنهما ماتتا فلم يدفنهما إلا بالقرعة .

[ ص: 458 ] فرع

إذا رضيت بذاك أيامها وآثرت بها غيرها على أن لا يطلقها ، جاز ; لما في مسلم : ( أن سودة لما كبرت جعلت يومها منه - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - فكان - صلى الله عليه وسلم - يقسم لها يومين ، ولها الرجوع متى شاءت فيما ذهبت ، وقاله الأئمة .

قاعدة : كل حق تعين سببه نفذ التصرف فيه ، ولو فقد شرطه ، كدفع الزكاة قبل الحول لتحقق السبب الذي هو النصاب ، وإن فقد الشرط الذي هو الحول ، والعفو عن القصاص ، والدية قبل الموت ، والتكفير قبل الحنث ، وغير ذلك ، وهاهنا تحقق سبب استحقاق القسم ، وهو العصمة ، فينبغي أن ينفذ التصرف فيشكل أن لها الرجوع ، والذي يمكن أن يقال : إن التصرفات تنقسم إلى النقل : كالهبة والبيع ، والإسقاط : كالعتق والطلاق ، فإن العبد إذا لم يملك نفسه بعد العتق لم ينتقل إليه ما كان للسيد ، بل سقط ، وكذلك الزوج فقلنا أن يجعل هذا من باب النقل بالهبة ، والهبة إذا لم يتصل بها قبض لا تتم ، وإن كان سبب ملكه متحققا ، أما لو جعلناه من باب الإسقاط فلا يتأتى الرجوع لما تقدم من القاعدة في إسقاط الدين وغيره ، ويرد عليه أنه بالإسقاط أشبه ; لأن الزوج لا يملك المطالبة بأن يوطأ كما كان ذلك للمرأة ، وأما إن دفعته لضرتها فليس إسقاطا ; لأنه لم يترتب على الضرة حتى يسقط بالهبة لكن الهبة إذا كانت [ ص: 459 ] بشرط تجري مجرى المعاوضة تتم بمجرد العقد ، ولو سلم أن الشرط لا أنزله لكن الواهب لا يتمكن من الرجوع في الهبة ، بل للموهوب له المطالبة والإلزام بالتسليم إذا أعرض الموهوب مع القدرة سقط حقه ، وهاهنا لم تتمكن الضرة من استيفاء الموهوب لكونه في المستقبل فلا تستوفي إلا منه .

فرع

قال في الجواهر : لا يلزمه قبول الهبة ; لأن له حقا في الاستمتاع بالواهبة ، فإن قيل : ليس للموهوبة الامتناع ، وإن وهبت من الزوج نفسه فله تخصيص بعضهن بالموهوب قياسا على ماله بالأصالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية