صفحة جزء
القسم الثاني من الموانع :

ما يمنع من الرد على وجه دون وجه ، وهو تغيير المبيع ، والتغيير ثلاثة أضرب : الضرب الأول : تغيير يفيت المقصود من العين فيمنع ; لأنه يصيرها كالمعدومة ، لأن المقصود من الأعيان منافعها .

الضرب الثاني : تغيير لا بال له ، لا يمنع الرد ، ووجوده كعدمه ، ففي الكتاب : لا يفيد الرد حوالة الأسواق ، ولا نماء ، ولا عيب خفيف كالرمد والكي والدماميل والحمى والصداع وذهاب الظفر ، وله الرد بغير شيء وإن نقصه ، وكذلك الأنملة في الوخش ، قال ابن يونس : الفرق بين هذا وبين البيع الفاسد تفيته حوالة الأسواق : دخل المتبايعين على شيء واحد في البيع الفاسد فسوى بينهما في زيادة السوق ونقصه ، وهاهنا لم يدخلا على الرد ، قال ابن حبيب : وكذلك ما حدث عنده من شرب الخمر أو الزنا أو السرقة أو الإباق فقيل : يحتمل أن يكون هذا خلافا لابن القاسم ; لأن هذه قد تنقصه كثيرا ، [ ص: 107 ] والفرق بين البائع يرد عليه بالعيب الخفيف ، وبين المشتري : أن البائع يتوقع تدليسه ، بخلاف المشتري ، قال : وهذا استحسان ، والقياس : التسوية فيلحق المشتري بالبائع .

الضرب الثالث : تغيير له بال ولا يخل بالمقصود ، فيخير بين التمسك وأخذ أرش العيب القديم ، أو الرد ، وما نقصه العيب الحادث ، وفي الكتاب : إلا أن يرضى البائع بأخذه معيبا ، ويرد جميع الثمن فذلك له ، وفي الجواهر : قال عيسى بن دينار : لا يسمع من البائع ذلك ; لأن الخيار حكم ثبت للمشتري فلا يتمكن البائع من إبطاله ، قال صاحب النكت : إذا قطعه وخاطه فقال البائع : أعطني في الخياطة ولا ألزمك نقصان القطع حتى لا تمسكه . ليس له ذلك ، بخلاف طرح أرش العيب الحادث إذا لم يخطه ; لأنه بالخياطة صار شريكا فلا يستقل شريكه بإبطال شركته ، وعن أبي الحسن : أن القيام بالصبغ يوم الحكم لا يوم البيع ; لأن الرد فسخ فالقيمة يوم الحكم ، وجعل الشركة بما زاد الصبغ ، وجعله في الاستحقاق إذا امتنع المستحق من دفع قيمة الصبغ والمشتري من دفع قيمة الثوب أن الشركة بقيمة الصبغ دون زيادة ; لأن الراد بالسكون شك وأخذ قيمة العيب ، والمستحق من يده مكره فيشارك بالقيمة ، وبقولنا قال ابن حنبل ، وقال ( ش ) و ( ح ) : حدوث العيب عنده يمنع رده بالعيب القديم ; لأن الرد شرع لدفع الظلامة والضرر عن المشترى ، والرد ضرر على البائع لا يشرع دفعه بالضرر بل يتعين أخذه الأرش في العيب القديم ، وقياسا على العيوب المبينة كالعمى ونحوه ; لأنه لما تعارض حقان أحدهما يوجب بقاء العقد ، والآخر بطلانه ، وجب أن يرجع موجب البقاء ; لأنه الأصل ، والجواب عن الأول : أن البائع مفرط في عدم اطلاعه على عيب سلعته بخلاف المشتري ، فلذلك رجحنا ضرره ، أو يقول : حق الرد ثابت قبل حدوث العيب عند المشتري ، وذمة البائع مشغولة ببقاء جزء من المبيع عنده ، فرجع ذلك عملا بالاستصحاب ، ولأن يجبر الضررين : ضرر البائع بالأرش ، وضرر [ ص: 108 ] المشتري بالرد بخلاف العكس يتضرر فيه المشتري وحده ، بإلزامه ما لم يعقد عليه ، وعن الثاني : الفرق بأن ذهاب أكثر المنافع يصير المبيع معدوما ; لأن الأقل تبع للأكثر ، والمقصود من الأعيان منافعها والمعدوم يستحيل رده ، وعن الثالث : منع التعارض ; لأن حق المشترى ثبت قبل حدوث العيب سالما عن المعارض ثم ينتقض ما ذكروه بما إذا تقاررا على العيب وادعى البائع أن المشتري رضي به ، فإن المشتري يصدق في استحقاق الرد ، وقال ابن حنبل : لا يحب أرش العيب الحادث عند المشتري كان سبب التدليس أم لا ، وكما لو غره بحرية أمة فإنه يرجع على من غره بالصداق كله .

وجوابه : أنه يرجع على الغار إن كان غير السيد ، ولو دلسها هنا غير السيد لم يرجع عليه .

تفريع : في الجواهر : في الكتاب : العمى والشلل من هذا الضرب ، ورآهما ابن مسلمة من الضرب الأول ، وكذلك رأى قطع ذنب البغلة المركوبة والفرس المركوب ، والمشهور : عجف الدابة وهرم العبد من الضرب الثالث ، ورآه ابن مسلمة من الأول ، وبثمن الأمة الهزيلة من الثالث ، وقيل : من الثاني على المشهور ، وكبر الصغير من الأول ، وقيل : من الثالث ، والوطء في الثيب من الثاني على المشهور ، وقيل : من الأول وافتضاض البكر من الثالث وتزويج الأمة على المشهور من الثالث ، وقيل : من الثاني ، ورآه ابن مسلمة من الأول على المشهور إذا ولدت جبر النقص من الولد ، وقيل : لا يجبر ، ومنشأ الخلاف في هذه الفروع كلها : النظر إلى عظم العيب ، فمن عظم عنده جعله من الأول ، ومن لا يرى ذلك جعله من غيره ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل في وطء الثيب لا يرد شيئا ، ويردها عند ابن حنبل ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يمتنع ردها ، ووافقنا ابن حنبل في رد الأرش في البكر ، ومنع ( ش ) و ( ح ) ، ومورد ابن مسلمة : أن منافع البضع عندنا كمنافع البدن من الاستخدام وغيره ، وعندهما ملحقة بالأجزاء فالوطء كقطع عضو يمنع الرد عندهما ، واستدلا بأن [ ص: 109 ] الوطء جناية ، فإنه لا يخلو من عقوبة أو مال أو وقع في ملك الغير ، ولأنه يحرمها بوطئه على أبيه وابنه ، فهي جناية ، ولأنه يجب به جميع البدل في النكاح من غير اعتبار مقدار المنفعة كالموضحة ، والمنافع تقابل من الأجر تقديرها ، ولأن الرد بالعيب فسخ للعقد من أصله فيؤدي لوقوع الوطء في ملك خاليا عن العقوبة والغرامة ، والجواب عن الأول : وإن سلمنا أنه جناية ، فالجناية عندنا لا تمنع الرد ، وعن الآخر : أنه قد تقدم أن فسخ العقد من أصله مستحيل عقلا ; لاستحالة رفع الواقع بل المنهي وطء في ملكه ، ولو هلكت كانت في ضمانه وجزاء جهالة ، ولو صح ما ذكرتموه لما صحت الإقالة ، ثم يتأكد قولنا بالقياس على وطء الزوج بعد الشراء وتلذذ المشتري بالنظر إلى الفرج وغيره ، ونقول في الثيب : لا ينقص عينها ولا يجب فيها أرش كما لو نظر إليها .

فرع

في الكتاب : إذا اشترى عبدين في صفقة بذهب فوجد أحدهما معيبا وهلك الآخر رد العيب وأخذ حصته من الثمن لاستدراك الظلامة ، فإن اختلفا في قيمة الهالك ، وصفاه وقومت الصفة ، فإن اختلفا في الصفة صدق البائع مع يمينه إن انتقد ; لأنه حينئذ مدعى عليه الرد ، وإلا صدق المبتاع ; لأنه مطالب بالثمن ، قال ابن يونس : إن شاء المبتاع التمسك وأخذ أرش العيب القديم خير البائع ; لأن قيمة العيب قد وجبت ، له فليس للبائع إبطالها ، والفرق بين هذا وبين ما إذا استحق مما بعد على غير الأجزاء : أنه ليس له التمسك بالباقي ; لأن حينئذ مجهول ، وقد وجب الرد لهما ، والتمسك به عن الثمن مجهول فيهما أن المستحق عليه لا يغرم شيئا إذا رد بخلاف المشتري يغرم أرش القديم في التمسك ، ويريد في قوله في العبدين : كان المعيب وجه الصفقة أولا ; لأن الثمن عين ، وقال محمد : يصدق البائع انتقد أم لا ; لأن الثمن وجب له ، فإسقاطه [ ص: 110 ] غرم ، هذا إذا كان الثمن عينا ، فإن كان عبدا ، أو عرضا رد المعيب إن كان وجه الصفقة ، وقيمة الهالك مطلقا لا على المحاصة لانتقاض البيع ، وأخذ عبده إن لم يفت ، فإن فات الثمن بحوالة سوق أو بيع ، والباقي منهما وجه الصفقة رجع بحصته من قيمة العبد الذي هو ثمن لا في عينه لتعين القيمة كالفوت فصار كأنه اشترى بعين ، وكذلك لو كان الثمن مما ينقسم فهي كالعيب ، والفرق بين الثمن العين وما ينقسم وغيرهما : أن التزام القيم ضرر في غيرهما ، فإن ابتاع عبدين قيمتهما سوى المائة دينار ففي الكتاب : يرد العيب بحصته ، بخلاف أن يكون أحدهما بيعا يريد : وكذلك إن كان العيب الأدنى يلتزم الأعلى بحصته من الثمن .

فرع

في الكتاب : إذا اشترى مذبوحتين فوجد إحداهما غير ذكية ، أو مائة أردب فوجد خمسين ، له رد الباقي ، لتفريق الصفقة ، وله أخذ الشاة بحصتها ، ولو كان النقص يسيرا في الطعام أو شاة من الشياه لزمه الباقي بحصته من الثمن لبقاء المقصود ، وكذلك جرار الخل ، قال ابن يونس : قال أبو محمد : يريد إذا اشترى الشاتين على الوزن وتساويا في الثمن ; لأن ثمن الباقي حينئذ معلوم ، قال ابن الكاتب : لا يستقيم هذا بل اشتراهما غير مسلوختين ; لأن حكم الذكاة لا يعلم إلا قبل السلخ حتى ينظر العتق ، ولو اشتراهما على الوزن فلا بد من التقويم ، قال ابن يونس : ويحتمل قيام البينة بعد السلخ على عدم الذكاة ، قال بعض أصحابنا : لو جهلت الذكية فسخ البيع لتحريم أكلهما ، ولو أكل إحديهما وشهد أن إحديهما غير ذكية رجع بثلاثة أرباع الثمن الباقية ، ونصف ثمن المأكولة لو نزع التداعي .

فرع

قال ابن يونس : قال أبو العباس الأسامي : إذا اشترى جرار خل فوجد [ ص: 111 ] بعضها خمرا فاشتغل أياما عن الرد ثم وجدها صارت خلا ، سقطت حصتها من الثمن لعدم بدلها للمعاوضة ، قال أشهب : لو وجد من العشرة واحدة خلا ، لزمته بحصتها ، وقال ابن القصار وغيره : يفسخ البيع هاهنا ; لأنها صفقة جمعت حلالا وحراما ، وكالأم وابنتها في عقد ، قال : وهو القياس ، ومدرك ابن القاسم : أنهما دخلا على الصحة فهو كالاستحقاق بخلاف المقيس عليه .

فرع

قال : نقص الطعام عند الأصحاب ثلاثة أقسام : ما لا بد منه عادة فلا قيام به ، وما لا عادة فيه وهو يسير ، فللمبتاع أخذ السالم بحصته ، وللبائع إلزامه ذلك لعدم اختلال المقصود من العقد ، وذلك العشرة من المائة ، قال أبو محمد : والكثير المخل بالصفقة ليس للمبتاع أخذ السالم بحصته إلا برضا البائع ، وللبائع إلزامه ذلك ; لأن ضرر التفريق حق له قيل حد الكثير العشرون من المائة ، وأما الكثير جدا فلا يلزم المبتاع إلا برضاه ، ولا أخذ له إلا برضا البائع لضرر تفريق الصفقة .

فرع

قال : فلو اشترى دارا مزارعة فوجد زيادة خير بين دفع حصة الزيادة ، أو يرد البيع إلا أن يسقطها البائع نفيا لضرر الشركة ، قال محمد : ولو كانت الزيادة في ثوب فهي للمبتاع ، وإن كان يرده بالنقصان ; لأن الثوب إنما يباع بعد الاختبار غالبا بخلاف الدار ، فكان للبائع الزائد ، وأما الصبرة : فيرد زيادتها ، ويلزمه ما بقي لعدم الشركة ، وقيل : الدار كالشقة في الزيادة والنقصان ، وأما زيادة البناء والمنازل فملغاة ; لدخولها في الحدود .

في الكتاب : إذا اشترى سلعا بمائة ، وسمى لكل ثوب ثمنا فيرد المعيب بحصته من الثمن ، ولا ينظر إلى تسميتهم إن لم يكن وجه الصفقة ; لأن العقد [ ص: 112 ] متحد ، فإن كانت قيمة المعيب خمسين ، وقيمة كل سلعة سواه ثلاثين ، لم يكن وجه الصفقة حتى تكون حصته أكثر الثمن ، مثل سبعين من .

فرع

في البيان : إذا تعدى فخصى العبد فزاد ثمنه ، قال ابن القاسم : يقوم على قدر ما نقصه الخصاء عند من لا يرغب في الخصاء ، قال سحنون : ما نقصه الخصاء أن لو كان عبدا دنيا ، قال : والقياس أن يجب عليه في قطع الانثنين دية ، وفي الذكر والانثين ديتان ، وقال ابن عبدوس : إذا زاد فلا شيء على الجاني ; لأن المقصود صون المالية ، التي هي مورد العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية