صفحة جزء
فرع

قال : ومن حق المبتاع إملاكا في قرية أن يطوف به البائع عليها ، وينزله فيها بشاهدين مخافة أن يستحق شيء منها فينكره البائع بيع ذلك المستحق ، فلكل واحد من المتبايعين حق في الإنزال إذا دعا إليه قبض له البراءة من الضمان [ ص: 124 ] وخوف المدافعة .

فرع

لو قبض البعير فسرق فأعلم البائع فحط عنه بعض الثمن لأجل المصيبة ، ثم وجده ، رجع البائع فيما وضع لانتفاء السبب ، وكذلك لو حط عنه لسبب الخسارة فربح ، أو خشية الموت من مرض حدث فعوفي ، فإن جميع ذلك كالشرط .

فرع

قال : لو ذهب ليأتي بثمن الشاة فباعها البائع ، ثم نازع المشتري الأول المشتري الثاني فتنازعا الشاة فماتت في أيديهما قال أصبغ : ضمناها معا إن كان موتها منهما ، فإن صحت للثاني غرم له نصف القيمة أو الأول غرم له ، ورجع على البائع بما دفع إليه ، ومعنى ذلك : أن كل واحد منهما يدعي أنه الأول ، وتصح للثاني إما بإقرار الأول أو بالبينة ، أو تعارضت البينتان فتحالفا فنكل الأول فيرجع الأول على البائع بما زادت القيمة أو الثمن الذي باع به من الثاني على ثمنه ; لأنه مقر بأنه باع من أحدهما بعد الآخر ، وقد قيل : للأول نصف الشاة فهو قبض لها ، ويخير في النصف الذي قبله الثاني بين إجازة البيع وأخذ الثمن ; لأنه بيع فضولي ، وبين أخذ قيمته من البائع أو المبتاع ، فإن أخذ من البائع رجع على المشتري الثاني .

فرع

قال : إذا اشترى مائة فدان من زرع بخمسة الفدان من ناحية عرفها ، ثم [ ص: 125 ] جاء ليقيس فقيل له : بقي مائة أخرى فاشتراها بعشرة الفدان فوجد الجميع مائة وسبعين ، فيجعل النقص من البيع الثاني ; لأن الأول أولى لتقدمه ، وكذلك الطعام ، وقيل : يتحاصان في النقصان ; لأن الطعام في ضمان البائع فأشبه الديون تقع المحاصة فيها ، قال : والأول أظهر ، ولو اقتصر على المائة فهلكت بنار قبل القياس فمصيبتها منه ; لأن قياس الأرض بعد ذلك ممكن ، والمشهور أنه من البائع لعدم الحرز ، ويتخرج جواز بيع المشتري لهذا القمح قيل القياس على الخلاف .

فرع

قال : المعلوم من قول مالك وأصحابه لزوم أجرة الكيل للبائع لوجوب التوفية عليه ، ولقوله تعالى : ( فأوف لنا الكيل ) فدل على أن الكيل على البائع ; لأن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يدل الدليل على نسخه ، وقاله ( ش ) ، وجعل أجر الثمن على المشتري وهو مقتضى المشهور عندنا ، وقال ( ح ) : أجرة ملء المكيال على البائع ، وتفريغه على المشتري بناء على أن الملء كاف في القبض دون التفريغ ، وعندنا أيضا في اشتراط التفريغ قولان ، ينبغي أن يتخرج الخلاف في الأجرة عليهما .

وكان مالك يقول : على المشتري ; لأن الثمن إنما قوبل بالمبيع فعلى هذا يلزم البائع الكيل لنفسه ، والمشهور من قوله : إن جزاز الصوف وجذاذ الثمرة ، وزع الحلية المبيعة وحدها على المشتري ; لحصول التخلية ، قيل : من قبل البائع ، وقيل : الجزاز على البائع والضمان منه ; لأنه توفية ، ولكل واحد منهما اشتراط الضمان ، والجزاز على الآخر ، واشتراط الجزاز فقط ، ولو باعه [ ص: 126 ] الغنم دون الصوف ، أو السيف دون الحلية ، أو الحائط دون الثمرة ، لكانت إيابة ذلك على البائع اتفاقا حتى يخلص المبيع للمشتري .

فرع

قال : منع مالك كسر الكيل ; لأنه يختلف ، بل يخلى على حاله ، فإذا ملأ المكيل ودفعه للمشتري ليفرغه فانكسر من يد المشتري ضمنه المشتري عند ابن القاسم وسحنون ، بخلاف ما إذا انكسر من يد البائع لعدم الوصول للمشتري ، ولو ملأ البائع الوعاء فدفعه للمشتري ليفرغه في بيته فانكسر ضمنه ; لأنه مستعير له .

فرع

قال : إذا كال البائع بعض الزيت فوقع في المكيال فأرة ، فكال المشتري بإذن البائع فقتل الفأر بالصب فمصيبته من المشتري ، وكذلك لو كال البائع وصب بإذن المشتري ; لأن الفساد بأمره ، فإن كال له بعض الزيت ثم سقط المكيال من يده على إناء المشتري فكسره وذهب ما في المكيال وما في الإناء قال ابن القاسم : ضمن البائع الجميع : المكيال لعدم التوفية ، والإناء بالإتلاف ، بقي عند البائع من ذلك الزيت شيء عوضه ، وإلا حاسبه بحصته من الثمن ، ويغرم له ما في المكيال إن بقي عنده من ذلك الزيت شيء ، وإلا حاسبه ، وزيت الإناء يغرم مثله من ذلك الزيت ومن غيره ; لأنه متلف بعد القبض ، فإن كال لنفسه ضمن ما في الإناء ; لأنه قبضه ، وضمن البائع ما في المكيال للزوم تمام القبض ، والمشتري إنما يضمن بعد القبض ، فإن كال لهما أجنبي ضمن ما في الإناء ، وضمن البائع ما في المكيال إذا لم يتسبب الكيال بتفريط فإن اشترى مائة قسط زيتا فكال له خمسين ، ثم كال من جرة أخرى [ ص: 127 ] فإذا فيها فأرة ، فضمان الأولى من المبتاع ; لأن البائع إنما صب بأمره ، إلا أن يعلم بموت الفأرة .

فرع

قال : إذا اشترى طعاما غائبا على الصفة والكيل ، فضمانه من البائع حتى يقبض اتفاقا ، ولا يدخله اختلاف قول مالك في ضمان الغائب ; لأجل ما فيه من التوفية ، فإن وضع الثمن على يد أمين فهلك فمن البائع إن وجد الطعام على الصفة ; لأنه ملكه بالعقد ولم يبق له توفيه ، وإلا فمن المبتاع لعدم تحقق البيع ، فإن تعدى البائع عليه فباعه عليه بشراء مثله توفية بالعقد ، وتكون مصيبة المال منه ; لأن إتيان مثله يقوم مقام قبض المبيع فيكون الثمن منه ، فإن نقده الثمن بغير شرط لا يخيره ابن القاسم بين أخذ الطعام أو الثمن ; لأنه كبيع الطعام قبل قبضه ، ويخسره أشهب ; لأنها إقالة ، ولعل ابن القاسم تكلم على إذا لم يعرف عداوة بقوله ، وأشهب إذا عرف فذلك .

فرع

قال : قال ابن القاسم : إذا حضر المشتري الكيل ثم اشترى فلا بد من كيل البائع له مرة أخرى ، إلا أن يشتريه على التصديق فليس له المطالبة بالكيل ; لأن العقد يوجب الكيل حتى يسقطه المشتري ، فإذا صدق سقط الضمان ، وليس له رده إلا برضاه ، وكذلك إذا اشتراه على الكيل ليس له التصديق إلا برضاه ; لأنه يقول : أخشى أن يغيب عليه ثم يدعي النقصان ، ويجوز لمن اشترى على الكيل أن يبيع على التصديق إذا باعه نقدا ، وإن اشتراه على التصديق ، فقال ابن القاسم : يجوز بيعه قبل كيله ، والغيبة عليه على الكيل وعلى التصديق ، وعن مالك : لا يبيعه على الكيل ولا على التصديق حتى يكيله [ ص: 128 ] أو يغيب عليه ، قال : ولو قيل : لا يبيعه قبل كيله ، وإن غاب عليه ; لأنه إن غاب عليه قد يدعي نقصه ، قال سند عن ابن القاسم : كراهة التصديق لما يؤدي إليه من الخصومة ، فإن نزل وادعى المبتاع نقصا غير معتاد لم يصدق إلا ببينة فيرجع بحصته من الثمن ما لم يكن جدا فله باقي الطعام لذهاب جل المقصود ، فإن قال المبتاع : ما نقص علي تمامه إن التزمه من طعام معين في صفته وجنسه جاز أيخالفه لم يجز للجهل بمبلغ ذلك واختلاف الأغراض ، فلا يعلم المبيع أولا ما نسبته من هذا ، وإن التزمه في ذمته اغتفر في اليسير ، وإذا جوزنا البيع على التصديق منع ابن حبيب ذلك في طعام بطعام من غير جنسه لعدم المناجزة بتأخر الاختيار بعد التفرق ، وأجازه ابن القاسم ; لأن مصيبة كل طعام من بائعه ، فهو مقبوض كالجزاف ، ومنع الأئمة بيع الطعام على التصديق ; لأن الكيل شرط عندهم ولم يوجد .

فرع

في الكتاب : إذا أمرته بالكيل وفارقته فزعم أنه فعل وأنها ضاعت ، فإن صدقته في الكيل وقامت بينة عليه صدق في الضياع ، وإلا لم يلزمك إلا ما أقررت به من الكيل ; لأن الأصل : عد انتقال الضمان إليك .

فرع

قال : هلاك الصبرة بعد العقد منك ; لأن العقد اقتضى ضمانها ونقلها إليك ، ولك على المتعدي قيمتها كان البائع ، أو غيره .

وإن ابتعتها على الكيل كل قفيز بكذا فهلكت قبل الكيل بأمر الله تعالى فمن البائع ; لأن فيها حق توفية ، فإن تعدى عليها البائع ، أو باعها فعليه مثلها جزافا ، فيوفيكها على الكيل ، ولا [ ص: 129 ] خيار لك في أخذ ثمنك ; لأنه كبيع الطعام قبل قبضه ، وإن استهلكها أجنبي غرم مكيلتها إن عرفت ، وإلا فقيمتها للبائع يشتري بها طعاما مثله فيوفيك إياه ، وليس بيعا للطعام قبل قبضه ; لأن القيمة لغير بيعتك ، ولأن التعدي وقع على البائع بعد الكيل منك .

فائدة : قال صاحب التنبيهات : الصبرة من الحبس ; لأنها حبست عن الكيل من الصبر الذي هو حبس النفس ، أو من وضع الشيء بعضه على بعض ، ومنه : الصبر للسحاب الكثيف .

قال اللخمي : إذا أخذت القيمة من الأجنبي فلم يشترها حتى غلا الطعام لم يلزم البائع غير ما يشتري بالقيمة ، وينفسخ البيع في الثاني كالهالك بأمر من الله تعالى ، وإن حال برخص ترك الفاضل للبائع ; لأنه في ضمانه فله رخصة ، فإن كال الهالك معدما لم يلزم البائع شيء وللبائع فسخ البيع ، ولا يلزمه الصبر إلى يسار المتعدي ، فإن رضي به لا مقال للبائع ، وإن رضي البائع بغرم مكيلة ما يشتريه بالقيمة لزم المشتري ، وقال أشهب : إذا غرم الأجنبي للبائع القيمة انفسخ البيع ، وليس للمشتري إلا ثمنه ، إلا أن يغتر المتعدي بعدد كيله فيخير رب الصبرة بين ما أقر به بعد يمينه ، وبين القيمة فيتخير المشتري حينئذ بين المقر وبين ما يشتري بالقيمة ، ومتى فسخ البيع ، فإن جهل الهلاك هل كان بأمر سماوي أو من متلف ؟ فقال ابن القاسم : لا يصدق ، عليه أن يوفى ما باع ، وإن أهلكه المشتري وعرف مكيلته غرم ثمنه ، وإن جهل غرم ثمن ما يقدر منه .

[ ص: 130 ] فرع

قال اللخمي : فإن احتبس الصبرة بالثمن : فلمالك في كونها من البائع أو المشتري قولان ، فعلى القول بأنها من المشتري فالجواب كما تقدم فيما إذا أمكنه منها ، هذا إذا كان هلاكها من الله تعالى ، فإن أهلكها البائع قيل : يخير المشتري بين فسخ البيع لأنه حال بينه وبين المبيع وبين القيمة ودفع الثمن ، وقال ابن القاسم : القيمة ما بلغت ، وعلى القول بأن المصيبة من البائع ينفسخ البيع إن هلكت بأمر من الله تعالى أو أجنبي ، ويطالب البائع الأجنبي بالقيمة إلا أن تكون أكثر من الثمن فيغرم الثمن ; لأنه أبطل المطالبة ، وإن أهلكها البائع ; لأن المشتري فسخ البيع ، ويختلف هل له تغريم البائع القيمة أو الثمن إن باعها ؟ فعلى قول أشهب : ذلك له وليس له عند ابن القاسم ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه ; لأنه كان في ضمان بائعه ، وإن أهلكها المشتري كان رضا بالقبض ، وإن باعها بائعها فعلى الكيل على القول أن المصيبة من المشتري يخير بين إجازة البيع وأخذ الثمن ، وهو تغريم البائع مثل ما يوجد فيها ، وعلى القول بأنها من البائع : يأتي بثمن ما وجد فيها من الكيل ، ويختلف هل له الإجازة وأخذ الثمن أم لا ؟

فرع

في الجواهر : تلف بعض الطعام يوجب الانفساخ في ذلك القدر وسقوط قسطه من الثمن ، إلا أن يكون جل الصفقة فيخير المشتري بين فسخ البيع ، فإن استوى ففي تخييره قولان .

فرع

قال : الضمان في عقد الخيار من البائع ; لأنه باق على ملكه إلا أن يكون في يد المبتاع ولا تصدقه بينة ، والمبيع يغاب عليه فيضمنه للتهمة فيه ، قال [ ص: 131 ] ابن نافع : إلا أن يكون الخيار للبائع خاصة فيضمن لاختصاصه بالمنفعة ، وإذا قلنا بالضمان فهل بالثمن ، أو القيمة ؟ أما إن كان الخيار للبائع : فعند ابن القاسم بالثمن إلا أن تكون القيمة أكثر ما لم يحلفه ، فلا يضمن إلا الثمن ، وعند أشهب يضمن الأكثر منها ، وأما إن كان الخيار للمشتري فعند ابن القاسم : يضمن الثمن ، وقال أشهب : الأقل منهما لأن الأصل براءة ذمته ، وله فسخ العقد عن نفسه إلا أن يحلفه إذا كانت القيمة أقل وأراد غرمها : لقد ضاع ، فإن نكل غرم الثمن ، ومنشأ الخلاف : تغليب حكم البيع ، أو حكم التعدي .

فرع

قال اللخمي : إذا كان المبيع ثوبا بثوب فعلى كل واحد منهما إذا تشاحا أن يمد يده إلى صاحبه بثوب ، أو ثوب معين ، فعلى المشتري وزن الثمن ونقده ، فإذا لم يبق إلا تسليمه يمد كل واحد يده كالأول ; لأن نسبة العقد إليها نسبة واحدة ، وعن مالك : إلزام البائع بتسليم الثوب أولا إذا كان المشتري موسرا وقاله ( ش ) وابن حنبل ; لأن حق المشتري متعلق بعين ، وحق البائع متعلق بالذمة ، والحق المعين أقوى مما في الذمة ، ولأن البائع لو أمسك كان كالمتعدي في إمساك المعين ، أو يصير إمساكه كالرهن ، والرهن لا يكون إلا بشرط ، وإن كان المشتري فقيرا ، أو غريبا فله الإمساك خشية فوات الثمن ، والضمان فيه من المشتري ، وقال ( ح ) : يخير المشتري على التسليم أولا ; لأن المبيعات مقاصد ، والأثمان وسائل ، والوسائل أضعف من المقاصد فتحمل على صاحبها ، فإن كان المبيع دارا ، أو عرضا خير المبتاع على دفع الثمن ، وليس على البائع أكثر من رفع [ ص: 132 ] يده وتفريغ المكان من أثقاله .

فرع

قال : وفي اشتراط تفريغ المكيل والموزون في وعاء المشتري في نقل الضمان إليه قولان لمالك ، وبه قال ابن القاسم و ( ش ) ، وعن ابن القاسم : إذا ولي المشتري الكيل لنفسه أو الوزن فهلك بعد استواء الميزان أو الكيل : الضمان من المشتري ، وقاله ( ح ) ، ومنشأ الخلاف : هل المقصود من القبض تعين مقتضى العقد ، وقد حصل التعين قبل التفريغ ، أو تمكين المشتري من الانتفاع والتحويل ؟ وذلك إنما يحصل بالتفريغ .

فرع

قال صاحب البيان : إذا اشترى غنما فيها مريضة بشرط الخيار في المريض عشرة أيام ، إن ماتت فمن البائع بما ينوبها من الثمن ، وإن لم تمت فهي من المبتاع لم يجز للغرر في هذه الشاة ، وكذلك لو كانت غير مريضة واشترط الخيار فيها ; لأنه يردها بالقيمة إن ردها فيصير الثمن مجهولا .

فرع

قال : يستثنى من عدم ضمان الجزاف على البائع ما يشترى من السقائين فيهلك قبل الوصول إلى المشتري فضمانه من السقاء ; لأنه العادة ، قاله مالك ، وقال أصبغ : من المشتري ; لأنه جزاف ، ويحتمل التضمين أن يكون بموضع لا [ ص: 133 ] قيمة للماء فيه فيكون المبذول حمولة .

التالي السابق


الخدمات العلمية