صفحة جزء
الشرط الثامن : ضبط الأوصاف التي تتعلق بها الأعراض لدفع الخطر ، ما لم تود إلى غير وجوده ، قال سند : يذكر في الرقيق سبع صفات : النوع كالرومي ، والسن والقد ، فيقول : خمسة أشبار أو ستة ، والذكورة والأنوثة ، وفي العلي يذكر البكارة ، والثيوبة ، واللون ، والنشاط ، والرداءة ، وربما أغنى السن عن القد في العرف ; لأنه يعرف سن الصبي من قده ، ويحمل الأمر فيه على الوسط المتعارف والنادر لا يلزم ، وألزم ( ش ) اشتراطه ، ويغني ذكر العبد عن الذكورة ، والأمة عن الأنوثة ، والجنس يغني عن اللون ، فإن غالب الحبشة السمرة للصفرة والنوبة السواد والروم البياض ، ولا يشترط ذكر اللون في جواري الخدمة كالبكارة ، وألزم ( ش ) اشتراطه ، ويشترط في الغنم جنسها ضأنا أو ماعزا وذكورتها وأنوثتها وسنها وجودتها دون نتاجها ، واشترط ( ش ) بلادها . لنا : أن من اشتراها لا يعرف بلادها ولا نتاجها صح ، فكذلك السلم لو اشترط لونا لم يلزم غيره ، وإن كان العقد يصح بدونه ، ويشترط في الخيل إنها عربية أو غيرها ، وحولية أو غيرها ، وذكورتها وأنوثتها وفراهتها دون اللون لحصول المقصود بدونه ، وإن كان مطلوبا في الجملة ، وكذلك الغرة والتحجيل ، ويشترط في الحمير بلادها : مصرية أو شامية أو أعرابية ، لأن الحمار المصري ربما بلغ عدة من الخيل ، والشامية شديدة ، والأعرابية ضعيفة قليلة الجري ، وسنها وجودتها وفراهتها ، ووافقنا ( ش ) في السلم في الحيوان دون أعضائه من الجلود والرءوس ، ومنع ( ح ) لشدة تفاوت [ ص: 244 ] الحيوان وعدم انضباطه ، وكذلك أجزاؤه ، ولقول البحتري :


ولم أر أمثال الرجال تفاوتت إلى الفضل حتى عد ألف بواحد



ووزن أبو بكر الأمة فرجع ، وكذلك عمر رضي الله عنهما ، حتى قال بعض الفضلاء : إنما قال ابن دريد :


والناس ألف منهم كواحد     وواحد كالألف إن أمر عرا



لضرورة الشعر : وفي الحديث المسند ( ما شيء يربو الواحد على الألف من جنسه إلا ابن آدم ) ولنهيه عليه السلام عن السلم في الحيوان ولقول عمر رضي الله عنه : من الربا : السلم في الحيوان ، وبالقياس على تراب الصاغة .

والجواب عن الأول : أن بني إسرائيل استوصفوا البقرة فوصفت لهم فلو لم يكن الوصف يضبط لما كان فيه فائدة ، وعليه أن المطلوب ثمة أصل التمييز وهو [ ص: 245 ] لا يكفي في المعاملة ، ولقوله عليه السلام : ( لعن الله المرأة تصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ) فأقام الوصف مقام الرؤية ، وعلته : أن المشبه يقصر عن المشبه به ، والمطلوب ثمة سد ذريعة الربا ، وهي تنفتح بأيسر المحاسن والدواعي ، ولا يكفي ذلك في صحة المعالمة ، ولأن المقصود في صفات السلم : إنما هو الصفات الظاهرة دون أخلاق النفوس ، ثم ينتقض عليهم بالديباج المنقوش أجازوه ، وبالعصافير منعوها مع أنها لا تختلف ، والديباج شديد الاختلاف ، ولأن الصفات المقصودة معلومة ولكل واحد عبارة فيقتصر على أول مراتبه فلا جهالة البتة ، وعن الثاني والثالث : منع الصحة ، وعن الرابع : انضباط الصفات المالية في الحيوان بخلاف تراب الصاغة ، ويؤكد مذهبنا : أنه عليه السلام ( استسلف بكرا فقضى خيارا ) في الحديث الصحيح ، وما تقرر قرضا تقرر سلما بجامع ضبط الصفة ، وعليه أن القرض معروف فيسامح فيه ، ولأنه يجوز في الخلع والنكاح والكتابة عندهم ، فنقيس عليه ، وعليه أنها ليست أبواب تنمية مال ، بل معروف ومحاسنة ، ولأنه عليه السلام وصف الدية من الحيوان في الذمة ، والزكاة تثبت في الذمة بعد الاستهلاك فكذا السلم ، وعليه أنها باب معروف ، ولا يجوز أن يكون ثمنا فيكون مثمنا ، ويرد عليه : أنه إذا كان ثمنا علم بالرؤية بخلاف الثمن ، ويشترط في الفاكهة جنسها وصفتها وقدر التفاحة والرمانة وجودتها ورداءتها ، ويشترط في قصب السكر ما عرف فيه ، [ ص: 246 ] فإن كان يباع عندهم حزما : فعدد أعوادها وطول العود وغلظه وجودته ورداءته ، وإن كان يبيع بالوزن اشترط ، ولا يلزمه أعلى العود لعدم حلاوته ، ولا أسفله لفرط يبوسته ، بل يطرح ذلك ، وقال ( ش ) : لا يصح السلم فيه إلا وزنا لعدم انضباط العدد في المائة .

وجوابه : أن ذلك يقضي للجهالة في بلد لا يعرفون الوزن فيتحملون أن الوزن يحصل عددا من العيدان ، فيتخرج خلافه ، فإن هذه الأمور إنما تضبط معرفتها العوائد كما تقدم تقريره في أبواب الربويات .

فرع

في الكتاب : يكفي العدد في الرمان والسفرجل والتفاح إذا وصفت مقاديرها ، ويجوز الوزن إذا كان عادة وكذلك الجوز ، ولا يسلم في البيض إلا عددا ; لأنه العادة ، ووافقنا ( ح ) في اتباع العوائد ، وجوز ( ش ) في المكيلات الوزن ، وبالعكس .

قال سند : ويذكر جنس بيض الدجاج أو غيره وصغره وكبره ، ووافقنا ( ح ) ، ومنعه ( ش ) إلا وزنا لشدة التفاوت في مقادير البيض .

فرع

قال اللخمي : متى اشترط جيدا أو رديا حمل على الوسط من الجيد أو الرديء ، ولو قال : وسطا ، فوسط ذلك الصنف .

فرع

في الكتاب : إذا لم يذكر الجيد من الرديء فسد العقد ، ويمتنع اتفاقهما على الأرفع لفساد أصل العقد .

[ ص: 247 ] فرع

قال : إذا أسلم مصري في حنطة لم يذكر جنسا : قضي بالحمولة ، أو بالشام قضي بالسمراء ، وإلا فلا بد من الصفة بالحجاز حيث يجتمع أنواع الحبوب قيد التمييز المستفاد من خصوص الإقليم القائم مقام الصفة ، قال اللخمي : يريد : إذا أسلم بمصر في حنطة جيدة أو رديئة أجزأه ، وكان له الوسط من الجيد أو الرديء ، قال سند : لم يختلف أصحابنا في صحة الاقتصار على الجودة ، قال ابن القصار : لا بد أن يقول في غاية الجودة .

وجوابه : أن هذا يتعذر وجوده ولذلك منعه ( ش ) ، وعلى المذهب قال محمد : يقضى بالغالب من الجيد أو الرديء لا بنادره ، وقال الباجي : يكفي أصل الوصف ; لعدم انضباط مراتبه فيؤدي ذلك للخصومة ، وليس المقصود من المسلم أن يكون كالمربي بل حصول المقاصد من حيث الجملة ، ويفتقر في المثمن ما لا يغتفر في الثمن ، ولا يدخل الحشف في وصف الرديء ، وقال ( ش ) : ليس عليه أن يأخذ حشفة واحدة .

لنا : القياس على العظم في اللحم ; لأنه لا ينفك عنه المبيع غالبا ، واشترط ابن القاسم ذكر المنقى أو المغلث ; لأنه يوجب اختلاف الثمن ، وقال أشهب : لا يشترط لأن مقتضى العقد السلامة ، فإن أتاه بغلوث كان عيبا ، ويختلف في اشتراط اللون في الشعير ، قال ابن القاسم : يشترط أصفر أو أبيض قياسا على بقية الصفات وإلا فسخ ، وخالف أشهب .

فرع

قال سند : يذكر في الثياب الجنس كالكتان ، والبلد ; لاختلاف نسج [ ص: 248 ] البلاد ، والطول والصفاقة والخفة والغلظ والرقة ، زاد الشافعية : النعومة والخشونة والجودة والرداءة ، ولم يشترطه ابن القاسم ; لأنه يخرجها إلى العدة ، ولا يجوز اشتراط اللبيس ; لأنه يختلف ، ومنع الشافعية في المصبوغ بعد نسجه ; لأنه سلم في ثوب وصفه ، لنا : القياس على المصبوغ قبل نسجه ، ويجود في العتابي ونحوه ، ومنعه الشافعية ; لأنه مركب كالغوالي والمعاجين على أصلهم .

لنا : أن القطن المسدى بالكتان جائز إجماعا .

فرع

في الكتاب : يجوز في القصيل ونحوه من البقول إذا اشترط جزرا أو حزما أو أحمالا معلومة ، ولا يشترط الأخذ إلا في الإبان نفيا للغرر ، إلا أن يكون لا ينقطع ، وكذلك القصب والقرط الأخضر ، ويمتنع اشتراط فدادين موصوفة معلومة بالطول والعرض والجودة والرداءة ، قال صاحب التنبيهات : الجرز بضم الجيم وفتح الراء وضم الزاي أيضا وآخره زاي مفتوحة ، وروي بكسر الجيم وبزايين معجمتين ، والأول أصوب ، وهي القبض ، فإنها لا تختلف ، والجزة تختلف في اللطافة والكثافة ، ومراده بالفدادين غير المعينة خلافا لبعض المتأخرين ، والقرط بضم القاف وأراه ليس بعربي ، والقضب بفتحها وسكون الضاد ، قال سند : منع ( ش ) السلم في هذه إلا وزنا ، وقد تقدم جوابه ، وتجوز الفدادين المعينة إذا علمت صفتها ، والممنوع غير المعينة ; لأن السلم لا بد فيه [ ص: 249 ] من ذكر موضعه لاختلاف الغرض بالقرب والبعد والرياح والسقي والجودة في الحب وغيره ، فيكون العقد غررا ، وجوزه أشهب بناء على غالب تلك الأرض ، ويمتنع هاهنا تأخير لنقد كما قلنا في السلم في حائط بعينه ; لأن ذلك بيع ، وهذا سلم ، والفرق عند أشهب بين الفدادين والسلم في الدور ، وإن اشترط نفس البقعة : أن أشهب لا يشترط في الفدادين إلا القرية دون صقع معين ، والدور لا بد فيها من تشخيص الأرض فيمتنع لاحتمال التعذر .

فرع

في الكتاب : يصف في الرأس والأكارع صنفها وكبرها ، وفي اللحم : ضأنا أو ماعزا وزنا أو تحريا معروفا لجواز بيعه تحريا ، وفي الحيتان الطرية نوعها وطولها وصفتها وزنا أو تحريا ، ولهما بعد الأجل الرضا بغير النوع الذي يسلم فيه ; لأنه جنس واحد في الربا ، قال اللخمي : يشترط في اللحم أربعة : الجنس كالضأن ، والسن كالجذع ، والصنف كالذكورة والأنوثة ، والهيئة من السمن ، وأجاز ابن القاسم أن لا يشترط العضو ، وأن عليه أن يقبل البطن في اللحم ، ويحمل قوله على أن ذلك عادتهم ، أما اليوم فلا ، وتسمية الناحية المأخوذة منها أجود ، قال سند : منع ( ح ) السلم في اللحم والرءوس لامتناعه في اللحم ، ومنع ( ش ) فيهما ; لأن أكثرها عظام فيمتنع كرماد الصاغة ، وجوز في اللحم ، أما ما مسته النار : فمنعه ( ش ) في اللحم لاختلاف عمل النار ونقض عليه بالسمن والتمر ، لاختلاف عمل النار في السمن ، والشمس في التمر ، وأن تمتنع الإجارة في ذلك ; لأنها مجهولة ، وللرءوس ستة شروط : النوع من غنم أو غيرها ، والسن ، والذكورة الأنوثة ، والسمن ، مشوي أو [ ص: 250 ] مغموم ، وإن جرت العادة بالوزن كان أضبط ، ومنع ( ش ) و ( ح ) الأكارع ، ويزاد في الأكارع : مقدم أو مؤخر ، وللحيتان ستة شروط :

النوع : لاج أو بوري ، والسمن ، والصغر ، والكبر ، والجيد ، والرديء ، وموضع الصيد ، فإن نواحي البحر مختلفة لاختلاف المرعى ، والوزن أو التحري ، ويذكر في الكثير : الطول والغلظ ، قال صاحب التنبيهات : تقول في التحري : أسلم لك فيما إذا تحرى كان كذا ، قاله ابن أبي زمنين ، وقال غيره : بل يعين إناء ويتحرى ملاؤه ، ويقول آخر بهذا كذا وكذا .

فرع

في الكتاب : يجوز السلم في الخف ونحوه مما يعمل في الأسواق إذا وصفه إلى أجل السلم ولم يشترط صانعا بعينه لئلا يتعذر ، ولا بما يعمل منه بعينه ، قال سند : قال أشهب : يجوز اشتراط رجل بعينه إذا شرع في العمل ; لأن الغالب السلامة حينئذ ، ومنع ( ش ) في خشب النشاب لاختلاف نجابته ، ويجوز عندنا كالإجارة عليه ، وله أن يشترط عمل فلان إذا كان كثيرا في الأسواق ، ويجوز في سيف صفته كذا يضربه من جملة هذا الحديد ، والحديد لا يختلف ; لأنه بيع ، ويمتنع أن يقول مع هذا الحديد : تضربه لي سيفا ; لأنه سلم ، والأل بيع وإجارة ، ووافقنا ( ح ) في السلم في المضروب ، وجعل لكل واحد منهما الخيار إذا حضر المضروب ; لأنه عمل الناس خلفا وسلفا ، ومنع ( ش ) لأنه ليس عينا ولا صفة في الذمة .

وجوابه : أنه صفة في الذمة ، قال اللخمي : اشتراط العمل من المعين إن كان لا يختلف صفة كالقمح يطحن ، والثوب يخاط ، أو يختلف إلا أن يمكن إعادته للمطلوب من غير نقص كالحديد في السيف جاز . فإن اشترى الرصاص [ ص: 251 ] امتنع ; لأنه ينقص في السبك وإن كان لا ينضبط في صفته أو يختلف خروجه امتنع كالثوب ، يشترط صبغه ، والغزل يشترط نسجه وإن كان كثيرا ، حتى إذا خالف بعضه عمل من البعض الآخر جاز ، وحيث أجزنا فيما لا يختلف أو يختلف ويعاد ، فلا بد من الشروع في العمل ، فإن هلك الثوب أو القمح قبل العمل جرى على التفصيل في تضمين الصناع .

فرع

قال صاحب المنتقى : يجوز على ظاهر المدونة في صفات السلم : أن يريه عينا ؛ ويقول : على صفة هذا فترتفع الجهالة ، وعن ابن القاسم : المنع ; لأن مثله من كل وجه يعسر ، وهو مقتضى الرؤية التي دخلا عليها .

فرع

قال : يجوز السلم في الدنانير خلافا لـ ( ح ) ; لأن كل ما جاز ثمنا جاز مثمنا كالعرض .

فرع

قال المازري : مقتضى أصولنا : جواز اشتراط الأجود من الطعام أو أدناه ، خلافا لـ ( ش ) في الأجود ; لأنه يتعذر ، بل معلوم متيسر عند الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية