صفحة جزء
الشرط الثالث عشر : أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة احترازا من بيع المعين الذي يتأخر قبضه ، وفي الكتاب : يمتنع السلم في سلعة معينة يتأخر قبضها أجلا بعيدا خشية هلاكها قبله ، ويجوز لليومين لقربهما ، قال أبو الطاهر : إلا أن يشترط الانتفاع بالمبيع فيجوز ما لا غرر فيه كاليومين في الدابة ، والثلاث في الثوب ، والشهر في الدار ، وأكثر من ذلك في الأرض ، قال اللخمي : فإن أسقط الأجل حيث قلنا بالفساد اختلف في الإمضاء ، قال : وأراه جائزا إذا رضيا ، وكأنه عقد مبتدأ ، وإذا قال : هو من ضماني عندك جاز ، قال أبو الطاهر : بل يمتنع ; لأنه زاد الضمان ثمنا ، والضمان لا يقبل المعاوضة . قال سند : والفرق بين هذا وبين قول ابن القاسم في كراء الدابة : ويشترط أن لا يقبض إلى شهر ، بل إن الأصل ضمان المبيع من المشتري ، فبقاؤه عند البائع يناقض العقد ، والعين المستأجرة منافعها للأجير حتى يستوفي ، فلم يناقض العقد ، وإذا صححنا الشرط : فالضمان في المدة من البائع استصحابا لضمانه لسلعته ، وكذلك حيث استثنى ما لا يجوز من المدة فهلكت عنده ، وإن هلكت عند المشتري [ ص: 260 ] بعد المدة فهي منه ، كالبيع الفاسد يتصل به القبض ثم يهلك ، وإن هلكت بيده وقد قبضها في المدة فكذلك عند أصبغ ، وقاله ابن القاسم ، وجعله كالقبض في شرط الخيار في الكراء الفاسد ، قال اللخمي : اختلف إذا لم ينقد في العين المتأخر قبضها وقال : إن صارت في ملكي فهي لي بكذا ، قال : والجواز أحسن لعدم الغرر .

قاعدة : الغرر في المبيع سبعة أقسام : في الوجود : كالآبق ، والحصول : كالطائر في الهواء ، والجنس : كسلعة لم يسمها ، والنوع : كعبد لم يعينه ، والمقدار : كبيع ما تصل إليه رمية الحجر ، والتعيين : كبيع ثوب من ثوبين ، والبقاء : كبيع الثمار قبل بدو صلاحها ، وبيع المعين يتأخر قبضه من غرر البقاء كالثمار ، فلذلك امتنع .

قاعدة : السلف شرع للمعروف ، مستثنى من قواعد الربا ، قربة إلى الله تعالى ، فيمنع في المكايسة حيث انتفى المعروف ; لوقوع المفسدة مع عدم معارضتها من المصلحة ، أو لأنهم أوقعوا ما لله لغيره ، وقد تقدم بسط هذه القاعدة ، وهذه المسألة مبنية عليها أيضا ; لأنه على تقدير تعذر التسليم يكون الثمن سلفا .

قاعدة : الأصل في الأسباب الشرعية أن تترتب عليها مسبباتها تحصيلا لحكم تلك الأسباب ، فإذا تأخر قبض المعين توقعنا هلاكه قبل ترتيب حكم السبب الشرعي الذي هو الانتفاع بالملك قد ثبت حكم السبب مضافا إلى تهمة [ ص: 261 ] البائع في التعدي .

فرع

في الكتاب : يمتنع السلم في حائط بعينه قبل زهوه ليأخذه بسرا أو تمرا لتوقع الهلاك قبل ذلك ، وإنما يجوز إذا أزهى لأنه مأمون حينئذ ، ويضرب أجلا ، وما يأخذ كل يوم ، وهل يأخذ بسرا أو رطبا نفيا للجهالة ، وسواء نقد أم لا ; لأنه شرع في الأخذ وليس دينا بدين ، وهو عند مالك بيع لا سلم ; لأن السلم يكون في الذمة ، وهذا معين يتأخر قبضه ، وتأخره خمسة عشر يوما قريب ; لأنها عوائد الناس في قبض مثل هذا شيئا فشيئا للضرورة ، فإن شرط أخذه تمرا امتنع لبعده ، ولا يشترط أن يأخذ كل يوم ما شاء للجهالة في الأجل ، قال صاحب التنبيهات : القرية الصغيرة كالحائط المعين ، لكن يجب تعجيل الثمن فيها ; لأن بيعه في الذمة فهو سلم ، قال اللخمي : للحائط ستة شروط : أن يكون قد أزهى ، وأن يشترط أخذه بسرا أو رطبا ، وأن يبين أجل الأخذ ، فإن ذكر أياما بين أعدادها وتواليها ومبدأها ومنتهاها ، وأن يذكر ما يأخذ كل يوم ، وأن لا يتعذر أخذه في وقته ، وأن يبقى ذلك إلى آخر الأيام ، فإن شك في تبيين ذلك في وقته أو بقائه إلى آخر الأيام امتنع ، فإن أسلم في تمر حائط بعد الإزهاء والإرطاب ليأخذه تمرا كرهه في الكتاب من غير تحريم ، ويفسخ ما لم يكن يبيض .

فرع

قال : قال ابن القاسم : إذا أسلم في حائط بعينه ليأخذ زهوا أو رطبا في [ ص: 262 ] يوم بعينه ، ثم رضي صاحب الحائط أن يقدم ذلك قبل الأجل جاز إن رضي المشتري ، وكان صفته فأجازه مع أنه طعام بطعام ليس يدا بيد ( وإن قصد المبايعة ) ، لكن راعى المعروف ليتصرف البائع في حائطه ، ويأمن الرجوع بالجوائح جاز أيضا ، وإن قصد أن يرجع بمثل ما دفع امتنع . إلا أن يكون سلفا .

فرع

قال : إذا أسلم في رطب حائط بعينه فأجيح انفسخ اتفاقا ; لأن المبيع معين كالعروض ، وكذلك القرية الصغيرة ، قال أبو الطاهر : هل يشترط أن يكون البائع مالكا لتمرها كالحائط ؟ قولان للمتأخرين ، أجرى عليهما ابن محرز تقديم رأس المال ، فعلى القول بالاشتراط لا يلزم كالحائط المعين ، وعلى الآخر : يلزم لأنه سلم ، وهو خلاف في حال إن أمكن المسلم إليه لشراء كان سلما ، وإلا فكالحائط ، قال صاحب التنبيهات : قال ابن محرز : يجب تقديم رأس المال جزما ، وسوى أبو محمد في الجواب بين إسلامه في حائط معين وقد أزهى أو أرطب ، وقال : معنى ما في الكتاب : يكره بدءا ويمضى إذا ترك ، وقال ابن شبلون : بل الفرق بينهما في الكتاب فيفسخ إذا أزهى ، بخلاف إذا أرطب . ففرق بين المسألتين في الكتاب .

فرع

في الكتاب : يمنع السلم في زرع أرض معينة بدا صلاحها بخلاف التمر ; لأن التمر يشترط أخذه بسرا أو رطبا ، ويمتنع تأخير الزرع حتى ييبس ; لأنه غير مأمون الآفات قبل اليبس ، فإن فات مضى ، قال سند : اختلف بما يفوت : فروى أشهب : بالعقد ; لأن الإفراك صلاحه ، فتكون الكراهة خفيفة ، وقيل : [ ص: 263 ] بالقبض لقوة الملك بالقبض ، وعن ابن عبد الحكم : يفسخ مطلقا كبيع الثمار قبل بدو صلاحها . وصلاح الحب يبسه . لنهيه - عليه السلام - عن بيع الحب حتى يبيض .

التالي السابق


الخدمات العلمية