صفحة جزء
القسم السادس من الكتاب : في معاملة العبيد

والعبد - عندنا - يملك ملكا غير مستقر دون ملك الحر ، وإذا ملكه سيده مالا ملك ، وقال ( ش ) و ( ح ) : لا يملك مطلقا ، وإذا ملكه جارية جاز له وطؤها عندنا خلافا لهما . احتجا بقوله - تعالى - : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ) . فسلبه القدرة على العموم ، فلا يملك وإلا لكانت له قدرة ، وبقوله - تعالى - : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم ) . فجعل حكم عبيدنا في الملك معنا كحكم عبيده معه - سبحانه وتعالى - وليس لأحد مع الله - تعالى - ملك .

[ ص: 309 ] وكذلك عبيدنا معنا ، ولأنه مملوك فلا يملك كالبهيمة ، ولأن الحربي يملك ، فإذا رق زال ملكه ، والذمي يملك فإذا ذهب لدار الحرب ثم سبي فرق زال ملكه ، فإذا كان طريان الرق يزيل الملك ويمنع استدامته ، فأولى إذا قارنه ، ولأن القول بالملك يقتضي التناقض ، كأن يأذن السيد للعبد في التجارة وشراء الرقيق ، والإذن لهم فيشتري ويأذن فيشتري العبد الأسفل الأعلا من السيد ، فيكون كل واحد رقيقا لصاحبه ، فيكون القاهر مقهورا والأعلا أسفل ، ولأن الحر لا يملك مثله ، فالعبد لا يملك مثله تسوية بين البابين .

والجواب عن الأول : القول بالموجب لوجهين : أحدهما : أن ( عبدا ) ليس صيغة عموم ، فيقتضي أن عبدا من العبيد ليس له ملك ونحن نقول به . بل بعض الأحرار كذلك ، وثانيهما : أنه وصفه بعدم القدرة ، فلو كان العبد لا يقدر لزم التكرار ، وعن الثاني : القول بالموجب فإن الله - تعالى - نفى المساواة ، وهو صحيح فإن ملك العبد لا يساوي ملك الحر ، أو نقول : وجه التنظير يقتضي ملك العبد إذا ملك ، فإنا إذا ملكنا الله تعالى ملكنا ، وعن الثالث : الفرق فإن العبد تعلقت به أكثر أحكام الحرية من التكاليف وغيرها فتعلق به الملك بخلاف البهيمة ، وعن الرابع : أن العبد إنما يملك إذا ملكه السيد ، وفي الاسترقاق المذكور لم يملكه السيد شيئا ثم نقول : لا يمنع ابتداء النكاح ، ويمنع دوامه إذا طرأ عليه ، فإن سبي الزوج يمنع استدامة النكاح ، وهو رق ، والرق لا يمنع ابتداء النكاح ، وكذلك السبي يسقط الدين عن المسبي ، مع أن الرق لا يمنع ابتداء الدين ، وعن الخامس : أن بيع السيد العبد الأعلا للأسفل [ ص: 310 ] يقتضي بقاء ماله للحر ومن ماله العبد الأسفل فيصير الأسفل أعلا والأعلا أسفل ، وهذا لا يقتضي بطلان الملك ، كمن استأجر من استأجره ، فإن كل واحد منهما مطالب لصاحبه بحقه .

وعن السادس : الفرق بين البابين : أن أحدهما فيه الشبهان بالأموال من جهة أنه يباع ، وبالمالك من جهة أنه مكلف فأمكن أن يكون يملك مثله مثله لشبه الأموال ، بخلاف الحر فثم ينتقض ما ذكرتم بالمنافع ، فإن كل واحد من الحرين يجوز أن يملك منافع صاحبه بالإجارة ، ويتأكد مذهبنا بوجوه : أحدها : قوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) . فوصفهم بالفقر يدل على قبولهم للغنى ، فإنه لا يقال للجماد : أعمى ولا أصم ; لعدم قبوله للبصر والسماع ، ثم إنهم إما أن يكونوا فقراء أو لا يكونوا فقد اتصفوا بالغنى ، وهو فرع الملك فثبت أنهم يملكون ، وإن كانوا فقراء فقد قال الله - تعالى - : إنه يغنيهم ، وخبره - تعالى - صدق فلا بد أن يتصفوا بالغنى وهو فرع الملك ، فصار الملك لازما للنقيضين فيكون واقعا قطعا ; لأنه لا بد من وقوع أحد النقيضين بالضرورة ، وثانيها : قوله - عليه السلام - " من أعتق عبدا وله مال فماله له إلا أن يستثنيه السيد ) ، وثالثها : قوله : ( من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ) وجه الدليل من وجوه : أحدها : أن اللام للملك عند إضافة المال لقابل له ، وهو قابل له لأنه مكلف لدوران قبول الملك مع التكليف وجودا وعدما ، أما [ ص: 311 ] وجودا ففي الحر ، وأما عدما ففي البهيمة . وثانيها أنه اشترط في ملك البائع له أن يبيع العبد ، ولو كان له قبل البيع لسقط التعليق . وثالثها : لو كان العبد لا يملك لم يختص لتخصيص البائع بالملك في حالة مخصوصة ، بل يكون له مطلقا . الرابع : على أصل المسألة أن نقول : آدمي قابل للتكليف فيملك قياسا على الحر ، وخامسها : أن الدين سبب لإتلاف أموال الناس فتعلق بالمأذون ، والدين لا يثبت إلا حيث يتصور الملك ، وإلا فلا فائدة في الدين . وسادسها : أنه يملك الأبضاع وهي أعظم من الأموال ; فوجب أن يملكها قياسا على الحر . وسابعها : أنه يصح مخالعته على الأعواض فوجب أن يملكها في الخلع وغيره ، قياسا على الحر ، إذا تقرر أن العبد يملك فهو محجور عليه لتعلق حق السيد بماليته ، وماله يزيد فيها ، فليس له التصرف فيه إلا بإذن السيد . فرع

في الكتاب : إذا أذن له في التجارة تجر فيما شاء ; لأن الإذن مطلق ولزم ذمته ما داين الناس به من جميع أنواع التجارات ; لأن الناس يغترون بتصرفه ، والإذن في الصنعة كالقصارة ليس إذنا في التجارة ولا في المداينة ، قال صاحب النكت : إذا أذن له في نوع مخصوص واشتهر ذلك وأعلنه ، لم يلزم ( ماله الدين في غير ذلك النوع ، كما إذا حجر عليه واشتهر ذلك لم يلزم ) ما داين بعد الحجر ، ولا يعذر من جهل الحجر ، وعن ابن القاسم : إذا أذن له بالتجارة في مال ، وأمره أن لا يعامل إلا بالنقد ، فداين تعلق الدين بمال ، وإن لم يكن غيره المشتري ثم أذن له أن لا يتجر إلا في البز فتجر في غيره : قال ابن القاسم : فإن قصر ما في يديه عن الدين : استحسن أن يكون في الذمة ، [ ص: 312 ] قال : وفيه ضعف ، قال سحنون : إذا شرط لا يجوز على سيده تعديه ، قال : يحتمل أن يكون هذا الخلاف إذا لم يشتهر ذلك ، وإذا أفسد المأذون في الصنعة لا يكون ذلك في أجرته ; لأنها خراج للسيد ، وكذلك لا يلزمه السيد في آلة القصارة إن كان السيد أعطاه ذلك يستعين به ; فإنها عارية ، قال الشيخ أبو الحسن : معنى قوله في الكتاب : الدين في مال المأذون ; أي : إذا وهب له مال ليوفي ذلك منه ، وأما إن وهب له لغير ذلك فهو بمنزلة ما اكتسبه من غير التجارة ، وقال أبو محمد : سواء وهب بشرط أم لا يتعلق به الدين ; لأنه ليس من مال السيد ولا من كسب عبده . فرع

في الكتاب : يجوز تأخير الغريم بالدين والحطيطة لاستئلاف القلوب لاندراجه في الإذن للتجارة ، ويمتنع غير ذلك لأنه ضياع مال السيد ، وليس للعبد الكثير المال الإنفاق على ولده إلا بإذن سيده ، ويجوز إطعامه للاستئلاف وتمتنع عاريته ، قال ابن يونس : وقيل : تجوز العارية للمكان القريب ، وإعطاء السائل الكسرة لأنه مأذون فيه عرفا ، قال اللخمي : فإن وهب أو أخذ الثمن أكثر من العادة رد الجميع ، وإذا رد السيد الهبة أو الصدقة وهي معينة بطل العقد قبضت أم لا ، وتكون له إذا عتق كانت في يديه أو بيد المتصدق عليه ، أو قيمتها وإن استهلكت ، وغير المعينة كقوله : لك عندي كذا ، أو في مالي أو ذمتي ، للسيد ردها عند ابن القاسم لأنها تنقصه ، وخالفه أشهب لعدم التعيين ; لأنه لا يؤاخذ بها إلا بعد العتق فلا ضرر ، وللسيد بعد القبض الرد اتفاقا لتعينها بالقبض [ ص: 313 ] فرع

قال اللخمي : إذا تعدى على وديعة عنده ، ولا مال له ، هل تكون في ذمته أو رقبته ؟ وإذا كانت في ذمته فهل للسيد إسقاطها ؟ قال ابن القاسم : ذلك له في المحجور عليه دون المأذون ، وقال أشهب : إذا كان يستودع مثله فلا شيء عليه حتى يملك نفسه بالعتق ، وقال يحيى بن عمر : هي من ضمانه . وقال مالك : هي جناية . قال : وأما الوديعة إن كانت عينا وهو مؤتمن فهي في ذمته ; لأن له تسلفها على أحد الأقوال ، فإن كان معسرا أو هي عرض ، حسن الاختلاف ، وكونها في الذمة أحسن ; لأن المالك وضع يد العبد مختارا بخلاف المدعي إرسال سيده له ، ولو قال : أرسلني فلان لم تكن في رقبته لإمكان صدقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية