صفحة جزء
فرع ،

قال صاحب المقدمات : إذا اشترط عدم الضمان : ثلاثة أقوال : المشهور : أنه لا ينفعه ; لأنه خلاف مقتضى العقد ، وكذلك المرتهن والمستعير ، وقال أشهب : ينفع ; لأن الأصل : اعتبار العقود ، ولأنه كان قادرا على عدم التزامه ، وإنما رضي المسمى لسقوط الضمان ، وينفع فيهما ; لأنه زيادة معروف ، بخلاف الإجارة لأنها مكايسة .

فرع

في الكتاب : يصدق مستأجر الغنم والدواب إلى مكة ذاهبا وراجعا في ضياعها في الابتداء ; لأنه أمين ، وعليه الأجرة ; لأن تسليم العين تسليم المنفعة ، والأصل بقاؤها عنده ، كما أن الأصل : براءته من الضمان إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع ، فلا أجرة لعدم المنفعة ، وإن أخبر رفقاءه أنه أخبرهم بالضياع حلف وسقطت الأجرة وقت الضياع ; لأن ذلك مرجح لجهته ، وقال غيره : يصدق في الضياع ، ولا يلزمه من الأجرة إلا ما قال : إنه انتفع به ; لأنه أمين .

قاعدة : يقع التعارض في الشرع بين أصلين وظاهرين ، وأصل وظاهر ، ودليلين وبينتين ، ويختلف العلماء أيهما يقدم ؟ فالأصلان نحو : زكاة الفطر عن العبد الذي انقطع خبره ، الأصل : بقاء حياته ، والأصل عدم وجوب الزكاة ، [ ص: 506 ] والمقتول ملفوفا فينازع في حياته قبل الجناية : الأصل : بقاء حياته ، والأصل : البراءة من القصاص ، والظاهر : أن اختلاف الزوجين في متاع البيت ، كل واحد منهما يده ظاهرة في الملك ، فسوى الشافعي ورجحها بالعادة ، وشهادة عدلين منفردين برؤية الهلال ، الظاهر : صدق العدل ، والظاهر عدم خفاء ذلك على الناس مع الصحو وكثرة الجمع ، قبلها مالك وردها سحنون ، والأصل والظاهر : كالمقبرة القديمة ، الأصل عدم النجاسة ، والظاهر اختلاط ترابها بصديد الأموات وفضلات بطونهم ، والخلاف في جميع هذه الصور مذكور في موضعه بناء على هذه الأصول ، فتلاحظ هذه القاعدة في هذه الفروع ، قال ابن يونس : قيل : نقض ابن القاسم وغيره أصلهما ، إذا استعار دابة إلى موضع فلما رجع قال ربها : أعرتها لدون ذلك ، صدق ابن القاسم المستعير في الضمان لا في الكراء .

فرع

في الكتاب : إذا اكترى قصعة يضمنها إلا أن يقيم بينة على ضياعها للتهمة ، قال ابن يونس : قال محمد : يضمن في دعواه الكسر ; لأنه قادر على تصديق نفسه بإحضار الفلقتين ، ويصدق إلا أن يقول : سرقت الفلقتان أو تلفتا فيصدق ، وإن كان بموضع يمكن إظهارهما لم يصدق ، وإلا صدق في الضياع ; لأنه أمين يعجز عن تصديق نفسه .

فرع

في الكتاب : يصدق في ضياع الثوب ( وغصبه وسرقته لأنه أمين إلا أن [ ص: 507 ] يتعدى أو يفرط ، قال اللخمي : قال سحنون : لا يصدق في ضياع الثوب ) ، ونحوه ، وقاله أشهب في الجفنة للتهمة ، قال : والمذهب أبين ; لأن الرقاب في يديه أمانة ، ولو قال : احترق الثوب ولم يأت منه بشيء لم يصدق لقوة التهمة بذلك ، ولو قال بعد الأخذ : ضاع قبل ذلك : لا يصدق عند ابن القاسم إلا ببينة تشهد أنه ذكر ذلك قبل ذلك فيحلف ، وعليه من الأجرة إلى وقت سماع ذلك منه ; لاستيفاء المنفعة إلى ذلك الوقت ، وقال أشهب : يصدق وعليه من الأجرة ما أقر أنه انتفع به ; لأنه أمين ، قال : والأول أحسن إذا لم يكن في سفر ، وإلا صدق مع يمينه .

فرع

في الكتاب : لا ضمان على الراعي إلا أن يتعدى أو يفرط ; لأنه أمين ، وإن استرعى عبدا بغير إذن سيده فتعدى فليس على سيده ولا في رقبته ; لتعدي رب الغنم في استعماله ، وإن شرط على الراعي الضمان فسدت الإجارة لمناقضة العقد ، ولا ضمان عليه ، وله أجرة المثل وإن زادت ، وقال غيره : لا يزاد على التسمية لرضاه بها ، ومن المحال أن تكون أكثر ; لأن شرط الضمان له حصة من التسمية ، قال ابن القاسم : وكذلك إن شرط عليه إن لم يأت لتسمية ما مات ضمنه له أجرة المثل بغير ضمان ، وإذا خاف على شاة فذبحها لم يضمن ; لأنه حافظ للمال على الضياع ، ويصدق إذا جاء بها مذبوحة ; لأن ذلك يكثر في الرعي ، وقال غيره : يضمن ما نحر لأنه من فعله ، ويصدق فيما هلك أو سرق ، ولو قال : ذبحتها ثم سرقت صدق ; لأنه أمين ، وإن أنزى على الإناث بغير إذن فعطبت [ ص: 508 ] ضمن لعدم تناول الإذن لذلك ، وقال غيره : لا يضمن ; لأنه شأن الرعاة ، وتنمية للمال ، وإن شرط الرعاية في موضع فرعاها في غيره ضمن يوم التعدي ، وله الأجرة إلى يوم التعدي ، قال ابن يونس : إذا استأجره على مائة شاة ولم يقل بأعيانها ، فله خلف ما مات ، وإن كانت بأعيانها امتنعت الإجارة حتى يشترط الخلف إن ماتت أو باعها ، وقال سحنون : الحكم يوجب الخلف فيستغني عن الشرط ، قال ابن حبيب : الأمر على الجواز حتى يشترط عدم الخلف ، قال سحنون : في الراعي المشترك شردت منه شاة فيطلبها قليلا ثم يرجع خشية هلاك غيرها : ليس بتفريط ، قال ابن حبيب : ولا يضمن إن نام فضاعت الغنم ، إن نام نهارا في أيام النوم إلا أن يأتي بما ينكر من ذلك ، أو يكون بموضع خوف ، وإذا فعل ما يجوز فعطبت منه كضرب الرعاة فلا ضمان ، خلافا لـ ( ح ) ، وإلا ضمن ، قاله ابن القاسم ، وقال ابن حبيب ، إذا رمى شاة أو بقرة ففقأ عينها ضمن ما ينقصها ; لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء ، ولا إذن في هذا ، قال اللخمي : إذا شرط عليه الضمان فرعى فله الأكثر من المسمى أو أجرة المثل ; لوجود الرضا واستيفاء العمل ، وقيل : المثل فقط كالبيع الفاسد ، ويجري فيه قول : إن الشرط جائز ، يضمن إن لم يأت بالسمة ; لأنه قادر على ذلك كما قال أشهب في الجفنة إذا ادعى الكسر ولم يأت بفلقتيها بخلاف أن يقول : سرقت أو ضلت ، وقال ابن حبيب : إذا استعار ثورا للحرث فذبحه وادعى الخوف عليه : ضمنه ، إلا أن يأتي بلطخ ظاهر ، بخلاف الراعي ; لأن الراعي يفوض إليه النظر ، ولو ذبح الراعي مريضة صدق قولا واحدا ، قال الأبهري : لو ذبحها وادعى خوف الموت عليها ففي تضمينه روايتان ، ولو أكلها وادعى خوف الموت ضمن اتفاقا لقوة التهمة .

[ ص: 509 ] فرع

في الكتاب : إذا اتخذ المكتري في الدار تنورا يجوز له فاحترقت الدار وبيوت الجيران ، لم يضمن ; لأنه فعل ما يجوز له كالموت من علاج الطبيب ، أو التعزير أو القصاص المأذون فيه ، فإن فات شرط عدم النار فأوقد ، ضمن لأنه متعد ، قال اللخمي : لا يضمن إذا كانت العادة نصب التنور في مثلها ووقد وقود مثله ، وإلا ضمن ، فإن جهلت زيادة الوقود : فقيل : يضمن ; لأن الغالب إذ ذاك لا يكون إلا عن زيادة الوقود ، وقيل : لا ; لأن الأصل عدم التعدي ، فإن شرط عدم الوقود ضمن الدار وحدها إذا كان الوقيد لو أذن فيه لم يكن للجار مقال ; لأن التعدي خاص بالدار وإلا ضمن كل ما احترق .

التالي السابق


الخدمات العلمية