صفحة جزء
النظر الثاني : في أحكامها ، وفي الكتاب هي على الجواز - للمجاعل الترك متى شاء - وفي الجواهر هي جائزة من الجانبين ما لم يشرع في العمل كالقراض ، ولأنها معلقة على شرط فأشبهت الوصية ، فإن شرع فمن جانب الجاعل خاصة . وحكى اللخمي قولين آخرين : إنها تلزم بالقول في حق الجاعل خاصة دون المجعول له ، وإنها كالإجارة تلزمهما بالقول ، وبالجواز من الجانبين قال ( ش ) . قال ابن يونس في كتاب ابن حبيب : تلزم الجعالة بالعقد قبل العمل ، ولا تلزم [ ص: 18 ] المجعول له .

قاعدة : العقود قسمان ، منها ما يستلزم مصالحها التي شرعت لأجلها ، فشرعت على اللزوم - كالبيع ، والهبة ، والصدقة ، وعقود الولايات ، فإن التصرف المقصود بالعقد يمكن عقيب العقد ، وهذا القسم هو الأصل ; لأن الأصل ترتب الأحكام على أسبابها ، ومنها ما لا يستلزم مصلحته كالجعالة ، فإن رد الآبق قد يتعذر فشرعت على الجواز ، ولكل واحد من المتعاقدين فسخ العقد على نفسه ، لئلا يلزمه ما لا يتعين مصلحته ، ومن هذا القسم القراض .

نظائر : قال أبو عمران خمس مسائل لا تلزم بالعقد : الجعالة ، والقراض - وقال ابن حبيب : يلزم - والمغارسة ، والوكالة ، وتحكيم الحاكم ما لم يشرعا في الحكومة ، وقيل : يلزمهما .

فرع : قال ابن يونس : قول مالك للمجعول له الترك متى شاء ولا شيء له ، معناه إلا أن ينتفع الجاعل بما عمل مثل حمل خشبة إلى موضع فيتركها في بعض الطريق ، أو حفر بئر فيحفر بعضها فيستأجر المالك على الباقي فيكون للثاني أجرة وللأول بقدر ما انتفع الجاعل ، ويحط عنه من أجرة الثاني لئلا يكون أكل المال بالباطل ، وفي المستخرجة لو كان جعل الأول خمسة وبلغها النصف وأجرة الثاني عشرة فللأول عشرة لفعله مثل الثاني ، قال وفيه نظر ، فإن الجعل يجوز مع الغبن والإجارة قد تغلو بعد ذلك .

فرع : قال مالك : المجاعل على البيع والشراء ليس عليه ضمان الثمن ولا السلعة ; لأنه كالوكيل وله جعله إن ضاعا .

[ ص: 19 ] فرع : قال : قال ابن القاسم : الجعل على البيع ثلاثة أقسام : يسمى الجعل أو الثمن ، ولا يسميهما ، ويقول بع بما رأيت وإن لم تبع فلا شيء لك منها فهذان جائزان ، والثالث : بعته أم لا فلك درهم يمتنع إلا بضرب الأجل ; لأنه إجارة ، فإن قال : فإن لم تبع ، فلك أقل من درهم ، امتنع للجهل بالجعل .

فرع : قال : إذا قال : لا تبع إلا بإذني فسد للحجر ، والأشبه رده للإجارة الفاسدة ، كان المطلوب الإشهار فقط ، فإذا وصل القيمة فله أجر مثله ; لأن المقصود قد حصل ، وإن أشهر بعد الإشهار وفطن به ففسخ ، فهل له بقدر عمله أو لا شيء له بناء على أنها إجارة فاسدة أو جعالة ، قال اللخمي : إذا أدركت الجعالة الفاسدة قبل الشروع فسخت أو بعده مكن من التمادي على القول بأن الجعالة الفاسدة ترد إلى الجعالة الصحيحة دون الإجارة ; لأن فسخها قد يذهب بعمله باطلا ، وإن رددناها للإجارة فله من الأجرة بقدر عمله ، والأول أحسن ، فلا يمنع من التمادي ، فإن أتى من الثمن بما تباع به فله جعل المثل باع الجاعل أم لا ، وإلا فلا شيء له ، فإن سمى ثمنا فوصله استحق وإلا فلا .

فرع : قال اللخمي : قال مالك : نفقة الآبق على المجعول له وله الجعل فقط ; لأن الجعل قبالة إحضاره مكفي المئونة وقاله ( ش ) : ولو قال إذا لم آت به فلي [ ص: 20 ] النفقة ففاسد ، فإن جاء به فجعل مثله ، وإلا فلا شيء له - قاله ابن القاسم - وقال أيضا : إن لم يجده فأجرة المثل ، فرده إلى الإجارة الفاسدة لما جعل له شيئا ثابتا على كل حال .

فرع : قال : إن هرب الآبق في الطريق أو ليلة قدومه على سيده ، سقط الجعل والنفقة ، لعدم التسليم وقاله ( ش ) .

فرع : في الكتاب إذا جعل في عبده لرجل عشرة ثم لآخر خمسة فأتيا به ، فالعشرة بينهما أثلاثا ; لأنها بنسبة الخمسة إلى العشرة وهو قد رضي بالعشرة ، قال ابن نافع : لكل واحد منهما نصف جعله ; لأنه الذي رضي به ويقع التشطير بالمناجمة ، قال صاحب النكت : إن جعل لأحدهما عرضا وللآخر عشرة فعلى قول ابن نافع لصاحب العرض نصفه ، وللآخر نصف العشرة ، وعلى قول ابن القاسم يقوم العرض ، فإن ساوى خمسة فلصاحب العشرة ثلثا العشرة ويخير الآخر بين ثلث العشرة أو ما قابل ذلك من العرض وهو ثلثا ذلك العرض .

فرع : قال ابن يونس : إذا تعيب العبد قبل الوصول عيبا لا يساوي الجعل ، أو قبل وجدانه ، قال مالك : له الجعل كاملا ; لأنه أتى به ، وكذلك الاستحقاق [ ص: 21 ] وظهور الحرية ، وقال أصبغ : لا شيء له في الحرية الأصلية ; لأنه غير المجعول عليه ، قال محمد : ويرجع في الاستحقاق على المستحق بالأقل من ذلك أو جعل مثله ; لأن من أتى بآبق له جعله ، قال اللخمي : قال ابن القاسم : لا شيء على المستحق بأقل من ذلك ، قال : وهو الأقيس ، إلا إن كان المستحق يطلبه بنفسه .

فرع : قال اللخمي : إذا هرب الآبق منه فترك العمل فجاء على غيره بعد عوده إلى موضعه الذي أخذ منه ، أو قريب منه لم يكن للأول شيء ، وإن أخذه في الموضع الذي وصل إليه الأول ، أو قريب منه وقد جعل للثاني جعل موضع الهرب ، فللأول بقدر ما انتفع سيده ، وإن جعل للثاني طلبه حيث يجده - قرب أو بعد - وكان الجعل فيه الآن مثل الجعل الأول لم يكن للأول شيء وإن كان الثاني أقل ; لأنه لا يطلبه إلا في الموضع القريب ، والأول بقدر ما انتفع ، قاله : ابن القاسم .

فرع : في الجواهر من أخذ آبقا فأرسله عمدا ضمنه ; لأنه متلف لمال معصوم .

فرع : قال فإن أتلف منه قريبا فجاء به آخر ، قال مالك : الجعل بينهما .

[ ص: 22 ] فرع : قال تجوز الزيادة والنقصان في الجعل قبل فراغ العامل .

فرع : قال : إن أنكرت سعي العامل في الرد صدقت ; لأن الأصل عدم السعي ، أو تنازعتما في مقدار الجعل تحالفتما وله جعل المثل .

تنبيه : قال : تردد بين الجعالة والإجارة الطيب على البرء ، وتعليم القرآن ، واستخراج المياه من الآبار والعيون ، والمغارسة ، وكراء السفن ، وكذلك اختلف هل هي على البلاغ كالجعالة أم لا ، وهذا التردد منشأ الخلاف في هذه الفروع .

فرع : في النوادر لو جعل على تقاضي الغريم فأبرأه أو أخره بعد شروع المجاعل في التقاضي ، أو جعل في آبق فأعتقه بعد الشروع ، فللمجاعل الجعل ; لأن المنع من قبل الجاعل وإن لم يشرع فلا شيء له .

التالي السابق


الخدمات العلمية