صفحة جزء
الركن الثالث : رأس المال وشروطه ستة .

الشرط الأول : أن يكون نقدا ، وقاله ( ش ) و ( ح ) ففي الكتاب لا يجوز إلا بالدنانير والدراهم دون الفلوس ; لأنها تبطل ، وعنه الجواز خلافا لـ ( ش ) ( ح ) : لأنها في معنى النقد ، ويمتنع بالعروض والمثلى من المكيل والموزون للغرر بتغير الأسواق عند المفاضلة ; لأنه يرد مثل ما أخذ فيذهب عمله مجانا بغلاء السعر ، ورأس المال يرخصه ، فإن وقع فله أجر مثله في البيع ، وقراض مثله في التجر لفساد العقد ، قال ابن يونس : إن نزل بالفلوس رد فلوسا مثلها ، إلا أن يشترط عليه صرفها دراهم ويعمل بها ، فأجرة المثل وقراض المثل ، وعن مالك [ ص: 31 ] إجازته بها ابتداء . قال اللخمي لمالك في الحلي الجواز والمنع ; لأن الصياغة عرض ، وهو أقسام ثلاثة : جائز إن كانوا يتعاملون به ، وإلا فمكروه إن لم يتعذر المثل وإلا فممنوع ، وفي الفلوس أقوال ، وثالثها الكراهة لشبهها بالعروض والنقود اعتبارا للشبهين . قال صاحب المقدمات القراض بالعروض له أربعة أحوال إن جعل رأس المال فهو غرر ، أو الثمن الذي يباع به فهو اشتراط منفعة لك من حمل مؤونة البيع أو القيمة يوم الدفع كان بيعا منك للعرض بتلك القيمة ، فإن باعه بأقل جبره بالربح ، فهو غرر ، أو القيمة يوم التفاضل فهو يعمل برأس مال مجهول وتختلف هذه الوجوه على أصل ابن القاسم ، فله في الثاني أجرة مثله في البيع ، وقراض مثله في العمل إن لم يعثر عليه إلا بعده ، وفي الثلاثة الأخر أجرة المثل ، قال التونسي : بع لي هذه السلعة ولك في إجارتها كذا واعمل بثمنها قراضا ، القياس المنع ; لأن القراض في حكم الجعل ، فلا يجتمع مع الإجارة على المشهور ، قال اللخمي : القراض بالمثليات والعروض إن جعل رأس المال ما تباع به امتنع ; لأنها إجارة بأجرة مجهولة ، وقراض في عقد ، إلا أن يكون ذلك يسيرا ويكون شأنه يعمل ذلك له من غير قراض ، أو يقول كلف من يبيع ويأتيك بالثمن ، فيجوز لعدم الإجارة ، وإن باع العرض بعرض ثم ينقد ، فله أجرة مثله في العرضين ثم قراض مثله في وقت العين ، فإن قال له : بعه بالعين فباع بالعرض تعديا خيرا بين إجارة فعله فيكون كما تقدم ، أو يضمنه ويكون الربح والخسارة للعامل وعليه ، وله قراض المثل [ ص: 32 ] فيما عمل فيه بعد بيع الثاني إلا أن يكون الثمن الذي بيع به الثاني أكبر من قيمة الأول فيكون ربح الزائد وخسارته له وعليه ، وقال ابن حبيب رأس المال قيمة الأول إذا لم يأمره أن يبيع بعين فباع بعرض ، وإن أمره بالعين فرأس المال الأكثر من قيمة الأول وثمن الثاني ، وله الأجرة في بيع الأول دون الثاني ; لأنه متعد قال اللخمي : جعله الأجرة له مع جعله رأس المال قيمته لا وجه له ; لأن القيمة قبل البيع ، فالبيع داخل في عمل القراض .

فرع : مرتب : في الكتاب أكره شراءه من رب المال سلعة لرجوع رأس المال وصار القراض بهذا العرض ، قال ابن يونس وعنه إباحته ، وإذا اشترى منه لنفسه لا للتجارة ، جاز قاله اللخمي ، ويجوز لك بيع عروض من العامل للقراض بالنقد ، وكرهه مالك بالنسيئة وإن باع كأنه أخره ليرضخه فيه . وفي المنتقى إذا اشترى منك عروضا بمال القراض للقراض كرهه مالك حذرا من مغابنته لك ، وعنه التخفيف قياسا على الأجنبي ، وإن باع منك بعرض قبل التفاضل ، جوزه يحيى بن سعيد ومنعه مالك ، وبعد التفاضل يجوز نقدا ويمتنع نسيئة عند مالك خشية الربا ، وجوزه ابن القاسم برأس المال فأقل ، ويمنع إلى أجل بأكثر من رأس المال لقوة التهمة ، قال اللخمي : إن باعه بالنسيئة فسخه ابن القاسم وألزم [ ص: 33 ] القيمة عند الفوت معجلة ، وأجازه يحيى بن سعيد ابتداء ، فإن غاب العرض ، امتنع اتفاقا خشية خسارة رأس المال فيؤخره فيتوقع البيع والسلف .

الشرط الثاني : أن يكون معلوما ؛ ليعلم الربح وما يرد عند الانفصال ، وفي الجواهر يمتنع بصبرة دراهم .

الشرط الثالث : أن يكون مسكوكا ، ففي الكتاب يمتنع بالنقار وقاله : ( ش و ح ) ; لاحتياجها للتصرف فيها قبل عمل القراض كالعرض ، قال ابن يونس : قال محمد : إذا نزل بالنقار أمضي بعد العمل ، وأمضاه أصبغ قبله لقوة الاختلاف ، قال ابن حبيب يرد مثلها عند المفاصلة إن عرف الوزن ، وإلا فما بيعت به والعدد الخارج من ضربها ، إلا أن يكون قال له : بعها أو استصرفها فما باعها به أو ما حصل في الصرف عرف وزنها أم لا ; لأنه الذي قدر رأس المال ، وللعامل أجرته في الصرف والضرب إن كان له مؤونة وله قراض المثل ، وأجازه ابن القاسم في البلد الذي يجري فيه التبرؤ وليس خلافا للمدونة ; لأنها حينئذ كالنقدين ، قال اللخمي : في النقار أقوال لمالك ثالثها الكراهة .

الشرط الرابع : أن يكون خالصا ، فإن المغشوش فيه عرض وقاله : ( ش ) وقال ( ح ) إن كان الغش النصف فأقل جاز ; لأنه تبع وإلا فلا ، وفي الجواهر استثنى القاضي أبو الوليد المسكوك منها في بلد يكون التعامل فيه بها ; لأنها هناك أصول الأموال ، واتفق الأصحاب على تعلق الزكاة بعينها ، وهو دليل إعطائها حكم الخالص .

الشرط الخامس : أن يكون مسلما ، ففي الكتاب يمتنع جعل وديعتك عنده أو دينك عليه قراضا ، لئلا يزيدك بتأخير الدين ، ولعله أنفق الوديعة فتصير [ ص: 34 ] دينا ، قال اللخمي : القراض بالدين جائز إذا كان على موسر حاضر غير ملد ويتيسر اجتماع العامل به ، كأنه قبض المال منك ، فإن كان على غائب يخرج لطلبه فهو في معنى الإجارة والقراض ، فيمنع للجهالة بالأجرة ; لأنها بعض الربح ، وإن كان الدين عليه فأحضره واستشهد وبرئ من ضمانه ، جاز أخذه قراضا ، فإن عمل قبل الإشهاد فالربح والخسارة له وعليه استصحابا لحكم الدين ، قاله : مالك ، وقال أشهب : الربح بينهما ، فعلى هذا تكون الخسارة منك ، وإذا كان المودع لا يتصرف في الودائع جاز جعلها قراضا ، أو كانت مما لا يتصرف فيها غالبا كالعرض جاز إذا قال : كلف من يبيعه - والثمن قراض - وإن كانت عينا وهو ممن يتسلف ، منع إلا بعد إحضارها فإن عمل قبل ذلك وادعى ضياعا أو خسارة صدق ; لأنه إما مودع أو عامل ، وكلاهما أمين يصدق ، إلا أن يتهم بأن يعلم أنه تسلفها وهو متهم على ذلك فيصدق بالربح ، وإن كان شأنه التصرف في الودائع لا يصدق في الضياع للتهمة ، وجوز ( ش ) الوديعة من غير تفصيل ; لأن يده يدك .

فرع : في الكتاب يمتنع اصرف هذه الدنانير ثم اعمل بها أو اقبض من غريمي دينا واعمل به ، فإن فعل فله أجرة الصرف والتقاضي وقراض المثل ، قال صاحب التنبيهات : هذا إذا كان الصرف له بال ، وإذا كانت معاملة البلد بالدراهم ويصرفها ليشتري بالدراهم جاز ; لأنه نوع من التجر ، قال اللخمي : إذا دفعها [ ص: 35 ] ليصرفها بالدراهم ، ويكون رأس المال الدراهم ويكون بيعها بالدراهم من جنس النظر جاز ، وإن كان ليكون رأس المال الدراهم منعه ابن القاسم وأجازه أشهب إن كان أجيرا لبيع الشيء اليسير ، وإلا فلا ، إلا أن يكون لا يتولى بيعا بل يجلس عند من يتولى ذلك فيجوز . قال صاحب المنتقى : قال مالك : إذا لم يحضر الدين فليس لك إلا رأس مالك أو أحضره ولم تقتضه فالمشهور المنع ، وقاله ( ش ) . وقال عبد الوهاب : إذا أحضر الغاصب الدراهم ، وقلت : لا أقبضها اجعلها قراضا يجوز ، فيجوز في الدين ، ويحتمل الفرق بأن يكون الغاصب أحضر المال تبرعا والمديون اتفق معك على الإحضار ، فلو تبرع كان كالقبض فإن نزل فلك الدين فقط قاله مالك ; لأن القبض يفتقر إلى نقد ووزن ولم يتفق فلا قبض ، وقال أشهب : يمضي ; لأنه لما أحضره علمت براءته ، وأما الوديعة فكرهها ابن القاسم حتى يحضرها ، وكرهها ابن حبيب من غير الثقة ، وجوزها محمد ، فإذا نزل فالربح بينكما على الأقوال الثلاثة ، ولو أحضرها انتفت الكراهة ، وكذلك المرتهن لنفسه لا لغيره .

نظائر : قال العبدي يخرج المال من الذمة إلى الأمانة في ثمان مسائل : إذا عزل عشر زرعه في بيته فضاع ، ضمن ، إلا أن يشهد على ذلك البينة وقال المخزومي : لا ضمان عليه ، وإذا قلت : كل في طعام السلم في غرائرك أو بيتك ثم قال : ضمن إلا أن تشهد البينة عند ابن القاسم ، وإذا أمرته بالإنفاق على مرمة دراك من الكراء ، صدق إذا ظهر ما يصدقه ، وإلا فلا ، وقال غيره : لا [ ص: 36 ] يصدقه إلا البينة ، وإذا باعه سلعة بثمن على أن يتجر به سنة ، جاز إذا أخرجه من ذمته ببينة ، وقيل : يصدق بغير بينة ، وإذا قلت : اشتر لي بالدين الذي عليك عبدا ، فقال : فعلت وأبق ، صدقه ابن القاسم ، أو قلت : اعمل بديني قراضا ، منعه ابن القاسم وجوزه أشهب ، وإذا قال : أنفقت الوديعة ورددتها موضعها ، فأقوال ثالثها يصدق بالبينة ، والخروج من الأمانة كالوديعة تجعل قراضا ، والخروج من الأمانة إلى الذمة كالمودع يقترض أو العامل أو الوكيل أو الشريك .

فرع : قال الأبهري يجوز إن احتجت ( إلى فضل ) ، فإذا اشترى بأكثر فأخذ الفضل جاز ، وإن قال هذا مال القراض كلما اشتريت دفعت لك امتنع ; لأنه لم يأتمنه .

السادس : أن يكون معينا ، قال في الجواهر احترازا من القراض على دين في الذمة ، وجعل هذا الشرط مع شرط التسليم شرطا آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية