صفحة جزء
الركن الثالث : ( العمل ) ، وفي الجواهر شرطه الاقتصار على عمل المساقاة ولا يضم إليه عملا آخر ، لئلا يكون ذلك الآخر إجارة بأجرة مجهولة لغير ضرورة ، وإن استبد العامل بالعمل فلا يشترط مشاركة المالك له فيه ، لئلا تكثر الجهالة في العمل - وقاله أحمد و ( ش ) . وقال سحنون : إذا كان الحائط كبيرا يجوز اشتراط الغلام فيه ، جاز اشتراط عمل المالك قياسا على الغلام . وقال عبد الحق : ليس الغلام كالمالك ; لأن يد المالك إذا بقيت لم يرض بأمانة العامل ، بخلاف الغلام ، ويجوز اشتراط غلام المالك كمساقاة عاملين إذا كان الحائط كبيرا واشترط بقاءه مدة المساقاة ; [ ص: 98 ] لينضبط العمل ، وأنه إن مات قبل ذلك أخلفه .

فرع : في الكتاب تجوز مساقاة النخل وفيها ما لا يحتاج إلى السقي قبل طيبه ، قال ابن يونس : قال مالك : تجوز في كل ذي أصل من الشجر ما لم يحل بيع ثمرها فيمتنع ; لانتفاء الضرورة حينئذ ، ولا تجوز إلا إلى مدة معلومة ، ولم يتعرض في الخبر لها ; لأنه قصد بيان جوازها ، وقاله : ( ش ) وأحمد تقليلا للجهالة ، بخلاف القراض تأجيله يبطل حكمته ، وقيل : لا يحتاج إليها ; لأنها من جداد إلى جداد - كالقراض من محاسبة إلى محاسبة ، وقد قال مالك : الشأن فيها الجداد وإن لم يؤجلاه .

فرع : قال ابن يونس : قال سحنون : منتهى المساقاة في الثمر جداده بعد إثماره ، وفي التين والكرم قطافه ويبسه ، وفي الزرع تهذيبه ، قال مالك : فإن تأخرت نحو العشرة من النخل أو الشجر فعليه سقي جميع الحائط حتى يجد ما بقي ويسقى في الأجناس المختلفة كالنخل والرمان حتى يفرغ الجميع . وقال مطرف : كلما قطعت ثمرة انقضت مساقاتها - قلت : أو كثرت تشبيها للأصناف بالحوائط . قال مالك : وإذا دخل الحائط سيل فاستغنى عن الماء فلا تحاسبه بذلك .

فرع : قال اللخمي : قال مالك : إذا هارت بئرك ، جاز لجارك أخذ حائطك مساقاة يسقيه للضرورة ، قال سحنون : إذا كان يسقي بفضل بئره ; لأن لك أخذه منه [ ص: 99 ] كرها ، فلم تزد المساقاة شيئا ، ثم منعها سحنون ; لأنك إنما تأخذ الماء حتى تصلح بئرك ، وهاهنا تترك إصلاح البئر لمائه .

فرع : في الكتاب له اشتراط ما في الحائط يوم العقد من الرقيق والدواب ، ويمتنع اشتراطك نزع ذلك منه ; لأنها زيادة اشترطتها لنفسك إلا أن تكون تدعيها قبل ذلك ، ولا يشترط عليك ما لم يكن فيه عند العقد إلا ما قل كغلام أو دابة في حائط كبير ; لأنه كزيادة تختص به ، وفي الحائط الصغير الذي تكاد تكفيه الدابة يصير جملة العمل عليك ، ولا يشترط إخلاف ما جاء به من الدواب أو الرقيق ; لأنه لم ينزع من أهل خيبر ولم يعطهم ، وما كان يوم العقد ، فخلفه عليك ; لأنه عليه دخل ، ويمتنع اشتراطك خلفه عليه ; لأنها زيادة تختص بك وتبقى بعد المساقاة ، وعليه نفقة نفسه ودواب الحائط ورقيقه وجميع المئونة - كان الرقيق لك أو له ، ويمتنع اشتراط نفقتهم عليك ; لأن العمل عليه فعليه نفقة العاملين ، وقاله : ابن حنبل . وقال ( ش ) : نفقة غلمانك عليك ; لأنهم ملكك إلا أن يشترط إخلافهم ، وعليه الحصاد والدراس والجداد ، وقاله ( ش ) وأحمد ، وإن شرطت قسمة الزيتون حبا جاز ، أو عصيرا جاز ، ولا يشترط عليك حرم النخل ; لأنه عليه والتلقيح عليه ، ويجوز اشتراطه عليك ، قال ابن يونس : على العامل النفقة والمئونة والدواب والدلاء والحبال وأداة الحديد ونحوها ; لأنها أسباب صلاح الثمرة وقد التزم إصلاحها إلا أن يكون في الحائط عند العقد ; لأنه دخل عليه ، وقال ( ش ) وأحمد على العامل بلفظ المساقاة ما يصلح الثمرة كالحرث والسقي وإصلاح طرق الماء وحفظ الثمرة ، [ ص: 100 ] وعليك كل ما يحفظ الأصل كشد الحيطان ، وحفر الأنهار ، وعمل الدواب وحفر البئر ، وكل ما يتكرر كل عام فعليه ، وما لا يتكرر فعليك - كالبقر والدواب ، فإن شرط أحدهما على الآخر ما لا يلزمه فسدت ، قال : وإذا دخل على أداة ونحوها لا يعمل بها في حائط غيرك ، فإن جهل أو نسي ما في الحائط من ذلك وظن أن ذلك بغير استسقاء وقلت : إنما ساقيتك الحائط وحدها ، قال ابن القاسم : يتحالفان ويتفاسخان لاستواء الدعاوي ، قال ابن حبيب : إذا شرط عليك خلف ما جاء به ، أو اشترطت عليه خلف ما لك فله إجارة مثله ; لأنها زيادة لمشترطها ، قال بعض القرويين : وأما الدلاء والحبال فلها وقت معلوم تفنى فيه ، بخلاف الدواب ، فأما اشتراط الغلام والدابة في الحائط الكبير ، فعليك خلف ذلك بمنزلة ما فيه عند العقد ، وإذا كان الأجراء لك ، فعليك أجرتهم وعليه نفقتهم ; لأن عليك ما يحفظ الأصل وعليه إقامة ما يصلح الثمرة ، قال اللخمي : للحائط أربع حالات فيه كفايته من الرقيق والدواب ، ليس فيه شيء أو كفاية بعضه أو فيه أجراء ، فتجوز المساقاة في الأول على ما هو عليه ولا يخرج منه ما فيه ، ولا يعمر بما ليس فيه ; لأنه الذي تناوله العقد ، قاله : مالك وابن القاسم ، ولأنه عليه السلام لم يزد ولا نقص من خيبر شيئا ، ومعلوم أنها لا تكون صفة واحدة ، وعن ابن نافع لا يدخل الرقيق إلا بالشرط ، فإن اختلفا تحالفا وتفاسخا ، ويجوز اشتراط ما ليس فيه ; لأن ذلك أصل الإجارة وهو القياس ، وقد لاحظ مالك القياس دون السنة حيث جعل الخلف عليك فيما هلك من الرقيق الكائن عند العقد ، وإن كان فيه كفاية البعض فعلى العامل تمامه للسنة ، ولأنه التزام إصلاح الثمرة ، وعلى قول ابن نافع يكون لربه فيه ، ويجوز اشتراط التمام عليك ، وإن كان فيه أجراء على غير وجيبة فكالذي لا رقيق فيه ، أو على وجيبة إلى مدة تنقضي فيها المساقاة ، فهم كرقيق الحائط ، ويمتنع إخراجهم على قول مالك ، ويجوز على قول ابن نافع - ويستعملهم توفية بالعقد ، وإن كان انقضاء الإجارة في نصف مدة المساقاة فما بعد الأمد عليه - كالحائط الخالي - وخلف من يموت [ ص: 101 ] عليك إلى انقضاء أمد الإجارة ، وحيث جوزنا في الحائط الكبير اشتراط الدابة والغلام إن اشترط غير معين فأتيت به فهلك أو تلف أخلفته كالإجارة ، أو معينا امتنع إلا أن يشترط عليك خلفه ; لأن إطلاق العقد يقتضي أن عليه من العمل ما بعده فهو غرر وليس هذا كإجارة المعين ; لأن العامل لم يشتر شيئا من منافع ما في الحائط ، وإنما يعملون لك ، وعن مالك نفقة الدواب والرقيق عليك ; لأنها ملكك فتنفق عليه وهو القياس ، ولأن خلافه طعام بطعام إلى أجل ; لأن بعض الثمرة عوض عن المئونة ، وعلى هذا تكون نفقة الأجراء عليك كرقيقك ، وإذا سرقت الحبال أو الدلاء فعليك خلفها ، ويمكن من استعمال الجديد ما يرى أنه بقي من استعمال الأول ثم تأخذها ويأتي هو بما يستعمله مكانها ، وعليه كنس البئر والعين وتنقية ما حول النخل لينتقع فيه الماء ، وبناء الزرنوق والقف وإصلاح ما انفسد من ذلك عليك ; لأن عليك حفظ الأصل ، وعليه إصلاح الثمرة ، فإن اشترطت عليه ذلك جاز فيما قلت نفقته قاله : مالك وقدم القياس على الخبر ، وله في التأبير قولان : هل عليك أو عليه ؟ وقيل : يجمع بينهما . فقوله عليك أي الشيء الذي يلقح به ، وعليه وضعه في موضع النفع به ، ولم يذكر في الكتاب عدم اشتراط عصر الزيتون أو قسمته حبا بل ذكر اشتراطهما ، وقال محمد بن سحنون : ذلك عليكما ، قال سحنون : ومنتهى المساقاة جناه ، وقال ابن حبيب : العصر عليه ; لأنه الأصل في الزيتون ، فإن شرط عليك وله قدر امتنع وله إجارة المثل ، والمذهب أصوب ، وإنما تتضمن المساقاة ما تحتاجه الثمرة قائمة والعصر بعد ذلك ، قال : وكذلك أرى في الدراس والساقط من البلح والليف وتبن الزرع ونحوها عليكما . قال التونسي : عليه كل ما فيه نفع للثمرة ولا يبقى نفعه لك ، أو يبقى ما لا قدر له - كإصلاح اليسير في الضفيرة ، وأما سرو الشرب وهو تنقية ما حول النخلة ، وأما خم العين وهو كنسها فتبقى منفعته لك فلا [ ص: 102 ] يلزمه ، ويلزم بالاشتراط شد الحظار وهو تحصين الجدر ورم القف وهو الحوض الذي يجري منه الماء إلى الظفيرة كالصهريج - وإبار النخل وهو تذكيرها ، وإن لم يشترطها لم تلزمه - وهي عليك إلا الجداد والتذكير وسرو الشرب ، فعليه وإن لم تشترطه ، وإنما جوز اشتراط عصر الزيتون لخفته ، قال ابن يونس : قال عبد الوهاب : كل ما لا يتعلق بالثمرة لا يلزم العامل ويمتنع اشتراطه عليه ; لأن المساقاة جوزت للضرورة فلا يجوز في غير الثمرة إلا ما يجوز في البيوع ، والزائد على ذلك إما إجارة مجهولة أو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، وكل ما يتعلق بالثمرة وينقطع بانقطاعها أو بعدها باليسير فهو لازم له ويجوز اشتراطه عليه ، ويمتنع ما يبقى بعدها كثير - كحفر بئر أو بناء كن يجنى فيه ، أو إنشاء غرس ; لأنها زيادة تختص بك ، فهي إجارة مجهولة ، ويجوز اشتراط ما تخف مئونته كخم العين وشد الحظار ، ويروى سد وشد ، واليسير من إصلاح الظفيرة ، وهي محبس الماء كالصهريج ، فإن لم تشترط هذه الأمور فهي عليك . قال محمد : وعليه رم قضبة البئر وأشطنته وآلة الحديد ، وإذا انقضى عمله فذلك له ، ولا يشترط عليه إصلاح كسر الزرنوق ، ويستحب إصلاح القف - وهو الحوض الذي يطرح فيه الدلو ويجري منه إلى الظفيرة ، وعنه إجازة اشتراط إصلاح الزرنوق ; لأن إصلاحه يسير ، بخلاف اشتراط الزرنوق كله ، فإن ساقيته على أن يسقي ويقطع ويجني ويحرثه ثلاث حرثات فحرث حرثتين حط من نصيبه بنسبة المتروك للمعمول .

التالي السابق


الخدمات العلمية