صفحة جزء
الباب الثاني في أحكامها : قال اللخمي : وفي لزومها بالعقد أقوال - ثالثها سحنون - أولها لازم كالإجارة وآخرها إذا عجز كالجعل ; لأن الجعل إذا عجز فيه لم يكن له شيء . قال صاحب المقدمات : تلزم بالقول بخلاف القراض وقاله : ( ش ) ، وقيل : المزارعة كذلك ، وقيل : لا تنعقد ولا تلزم إلا بالعمل ، وقيل : تنعقد وتلزم بالشروع ولا تلزم الشركة باللفظ ولا بالعمل ، واختلف بماذا تنعقد : هل باللفظ أو بالعمل قولان في المدونة ، وقال ابن حنبل : لا تلزم المساقاة بالعقد ، وكذلك المزارعة ; لقوله في مسلم ليهود نقركم على ذلك ما شئنا لما سألوه المساقاة على الشطر ولو كانت للذمة لم تجز بغير تقدير مدة ولم يكن له - صلى الله عليه وسلم خبرة ، وبالقياس على القراض وهو أولى من القياس على الإجارة ; لأن كليهما عقد ضرورة ، فالشبه أقوى ، والجواب عن الأول : أن المدة كانت تجدد ، ولم يتعرض الراوي لنفي ذلك ، فيجب اعتقاده جملة ; لتصرفه - صلى الله عليه وسلم - ما لا جهالة فيه ، ومعنى قوله نقركم على ذلك ما شئنا أي في المعاملة الثانية أو في العقود المتجددة ، [ ص: 106 ] وعن الثاني : الفرق بأن أرباح القراض منوطة بالأسواق وهي غير منضبطة في مدة معينة ، فكانت غاية نضوض المال ، وغاية المساقاة الجداد وما تجدد من المدة ويكون آخرها الجداد ، فلا يختل مقصودها .

فرع : في الكتاب تمتنع المساقاة فيها البياض اليسير على أن يزرعه ببذره أو ببذرك ويعمل فيه على أن ما تنبته لك ; لأنها زيادة تخصك فهي زيادة في الغرر ، ويمتنع اشتراطه نصف البذر عليك أو حرث البياض وإن جعل الزرع بينكما ، ويجوز أن يزرعه من عنده ويعمله ، وما ينبت بينكما كالمساقاة وإلغاء البياض اليسير أحسن كما ألغي في خيبر وكان يسيرا ، وإن كان في الزرع ما يشغله قدر يسير وتبع له ، جاز اشتراطه لنفسه ليزرعه كبياض النخل ، وإن كان في زرع شجر متفرق تبع له ، جاز أن تشترط على ما يشترط في الزرع ، ولا يشترطه لنفسه وإن قلت بخلاف البياض ، ولا يجوز على أن ثمرها لأحدكما بل بينكما على جزء الزرع ، قال ابن يونس : جوز ابن حبيب أن تشترط بياض الحائط لنفسك إن كان بعلا ، أو يسقى بغير ماء الحائط ، قال محمد : فإن سكتا عنه عند العقد فهو له ، وكذلك إن سكتا عند العقد وتشاحا عند الزراعة .

وفي الكتاب إذا كان البياض يسيرا سوقي بالجزء ، وإلا اكتري بالذهب أو الورق وكان بياض خيبر يسيرا ، قال ابن يونس : قال مالك : إلغاء البياض له أحل .

قال محمد : إن شرطته لنفسك امتنع ; لأنها إجارة مجهولة الأجرة ، فإن ادعيت قبل العمل اشتراطه لنفسك ، قال ابن حبيب : تحالفتما وتفاسختما كدعوى نزع رقيق الحائط على القول بلزوم المساقاة باللفظ ، وقال مالك : إن زرعه بغير شرط ولم تنكر عليه فعليه كراء [ ص: 107 ] الأرض ، وقال ابن عبدوس : إنما يراعى كونه تبعا لثمرة جميع الحائط إن اشترطتما أن ما ينبت فيه بينكما ، فأما إن ألغي له فإنما يراعى ما هو تبع لحصته خاصة ، وعن مالك إن أجيحت الثمرة وقد زرع العامل البياض فله كراؤه ، ولو عجز الداخل عن الأصل عليه كراء المثل ، قال ابن حبيب : إذا شرطت العمل والبذر عليه وما ينبت لك ، فله مساقاة مثله وما ينبت له ، لقوة سببه بالبذر والعمل ، وإن شرطت البذر من عندك والعمل عليه على أن ما ينبت لك فمساقاة المثل وأجرة المثل في عمل البياض والزرع لك ; لقوة سببك بالبذر قال : والأصل أن يكون أجيرا . قال محمد : ولو شرطت البياض للعامل وعليك البذر امتنع ; لأنها زيادة له وله أجرة المثل ، وقال أصبغ : مساقاة المثل ، وعن مالك إذا كان الشجر تبعا للأرض والزرع تبع للشجر أنه بخلاف البياض وكراء الأرض ، ولا يلغى للعامل ، ويمتنع إلا على مساقاة واحدة كأصناف في حائط ، وعن مالك جواز إلغائه للعامل إن كان تبعا كمكتري الدار والأرض فيها نخل تبع شرط ثمرتها ، فهي له ولا يكون بينكما ، فإن شرط ثلاثة أرباع البياض الذي هو تبع ، منعه ابن القاسم ، بل إما مساقاة واحدة بينكما أو يلغى للعامل ، وأجازه أصبغ قياسا على اشتراط الكل ، ولا ينبغي أن يكون أكثره لك ، كما أنه ليس لك اشتراط كله ، قال اللخمي : متى كان أكثر من الثلث امتنع إدخاله في المساقاة وجاز إبقاؤه لك ، وإن سكتما عنه عند العقد صح وهو لك ، وإن كان الثلث فأقل ، جاز إدخاله في المساقاة ; لأن بياض خيبر كان تبعا ، فإن سكتما عنه قال مالك هو لك ، فإن زرعه بغير علمك فعليه كراء المثل ، وقال محمد : هو له ; لأنها سنته عليه السلام في خيبر ، وقال ابن حبيب : بني الزرع الفاسد على الشركة الفاسدة على أحد القولين إن الزرع لمن له البذر ، قال : وأرى أن الزرع له إذا زرع على أن لا [ ص: 108 ] شركة لك ، أو على أن يكون الزرع لك ، قال : وإن بذر من عنده ; لأنك إنما اشتريت منه البذر شراء فاسدا وأمرته بجعله في أرضك وعليك مثل ما بذر وأجرة العمل ويكون الزرع له ، وإن كان البذر من عندك وزرعه لنفسه فهو له وعليه مثل البذر وكراء الأرض ; لأنه اشترى منك البذر شراء فاسدا ، وفي الكتاب يمتنع في البياض التبع أن يشترط أول سنة للعامل ثم باقي السنين لك ; لأنه غرر . قال ابن يونس : قال ابن حبيب : فإن نزل فله مساقاة مثله في العام الأول على أن البياض له ، ومساقاة المثل فيما بعد على أن البياض لك ، فيكون في الأول النصف مثلا وفي الأخير الثلثان ، وعلى مذهب محمد أجير في السنين كلها ، وفي الجواهر متى كان البياض أكثر من الثلث امتنع دخوله في المساقاة وإلغاؤه له بل لك ، أو أقل وسكتما عنه فله عند مالك ، وقال ابن حبيب : بشرط أن لا تزيد قيمته على ثلث نصيبه ، وظاهر قول مالك : أن لا تزيد قيمته على ثلث الجميع ، وفي كتاب ابن سحنون : أنه لك إذا سكتما عنه .

تمهيد : يحذر في البياض من أمور ، أحدها كراء الأرض بما تنبت ، وثانيها اشتراط زيادة لك أوله ، فإنه زيادة غرر في المساقاة ; لاحتمال أن لا يحصل ما يقابل تلك الزيادة أو يحصل لكن لا يعلم مقداره ، وثالثها الشركة الفاسدة في الزرع بأن تقابل الأرض أو بعضها بالبذر أو بعضه ، فإذا ألغى للعامل وهو تبع سلم من هذا كله .

فائدة : إنما سمي الخالي من الأرض بياضا والمزروع سوادا ; لأن الأرض [ ص: 109 ] مشرقة بضوء الشمس بالنهار ، وبنور الكواكب بالليل ، فالأرض كلها بياض - بسبب ذلك ، فإذا قام فيها قائم حجب عنك ما وراءه من الإشراق فتصير جهته سوادا فسمي كل قائم سوادا ، وما عداه بياضا ، وكذلك تقول العرب بينا نحن سوادا جلوس إذ طلع علينا سواد ، فيسمون كل قائم في الأرض سوادا لما تقدم .

فرع : في الكتاب يجوز مساقاة ما لم يره من ثمر نخل أو شجر قياسا على الذي يظهر ، ومنعه ( ش ) قياسا على بيع الغائب ونحن نمنع حكم الأصل .

فرع : في الكتاب لا يأكل العامل من الثمر شيئا ; لأنه مشترك .

التالي السابق


الخدمات العلمية