صفحة جزء
[ ص: 140 ] الفصل الثاني : في حكمه :

ومذهب مالك وجمهور العلماء رضوان الله عليهم وجوبه ، وإبطال التقليد لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) . وقد استثنى مالك - رحمه الله - أربع عشرة صورة لأجل الضرورة .

الأولى : قال ابن القصار : قال مالك : يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام ، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين كما يجب على المجتهدين الاجتهاد في أعيان الأدلة ، وهو قول جمهور العلماء خلافا لمعتزلة بغداد .

وقال الجبائي : يجوز في مسائل الاجتهاد فقط .

فروع ثلاثة :

الأول : قال ابن القصار : إذا استفتى العامي في نازلة ، ثم عادت له يحتمل أن يعتمد على تلك الفتوى لأنها حق ، ويحتمل أن يعيد الاستفتاء لاحتمال تغير الاجتهاد .

الثاني : قال الزناتي : يجوز تقليد المذاهب في النوازل ، والانتقال من مذهب إلى مذهب بثلاثة شروط : ألا يجمع بينها على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ، ولا ولي ، ولا شهود ، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد .

وأن يعتقد ، فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه ، ولا يقلده رميا في عماية ، وألا يتتبع رخص المذاهب .

قال : والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة ، وطرق إلى السعادة ، فمن سلك منها طريقا وصله .

تنبيه : قال غيره يجوز تقليد المذاهب ، والانتقال إليها في كل ما لا ينقض فيه حكم الحاكم ، وهو أربعة :

[ ص: 141 ] ما خالف الإجماع ، أو القواعد ، أو النص ، أو القياس الجلي .

فإن أراد - رحمه الله - بالرخص هذه الأربعة ، فهو حسن متعين ، فإن ما لا نقره مع تأكده بحكم الحاكم ، فأولى أن لا نقره قبل ذلك .

وإن أراد بالرخص ما فيه سهولة على المكلف كيف كان ، يلزمه أن يكون من قلد مالكا في المياه والأرواث ، وترك الألفاظ في العقود مخالفا لتقوى الله تعالى ، وليس كذلك .

قاعدة : انعقد الإجماع على أن من أسلم ، فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر .

وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم : على أن من استفتى أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، أو قلدهما ، فله أن يستفتي أبا هريرة ، ومعاذ بن جبل ، وغيرهما ، ويعمل بقولهما من غير نكير ، فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل .

الثالث : إذا فعل المكلف فعلا مختلفا في تحريمه غير مقلد لأحد ، فهل نؤثمه بناء على القول بالتحريم ، أو لا نؤثمه بناء على القول بالتحليل مع أنه ليس إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر ، ولم يسألنا عن مذهبنا ، فنجيبه ، ولم أر لأصحابنا فيه نصا ، وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام من الشافعية قدس الله روحه يقول في هذا الفرع : إنه آثم من جهة أن كل أحد يجب عليه ألا يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه ، وهذا أقدم غير عالم ، فهو آثم بترك التعلم .

وأما تأثيمه بالفعل نفسه ، فإن كان مما علم من الشرع قبحه أثمناه ، وإلا فلا .

الثانية : قال ابن القصار : ويقلد القائف العدل عند مالك رحمه الله ، وروي لا بد من اثنين .

الثالثة : قال يجوز عنده تقليد التاجر في قيم المتلفات إلا أن تتعلق [ ص: 142 ] القيمة بحد من حدود الله تعالى ، فلا بد من اثنين لدربة التاجر بالقيم ، وروي عنه أنه لا بد من اثنين في كل موضع .

الرابعة : قال : ويجوز تقليد القاسم بين اثنين عنده . وابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد على فعل نفسه .

الخامسة : قال : يقلد المقوم لأرش الجنايات عنده .

السادسة : قال : يقلد الخارص الواحد فيما يخرصه عند مالك رحمه الله .

السابعة : قال : يقلد عنده الراوي فيما يرويه .

الثامنة : قال : يقلد الطبيب عنده فيما يدعيه .

التاسعة : قال : يقلد الملاح في القبلة إذا خفيت أدلتها ، وكان عدلا دريا بالسير في البحر . وكذلك كل من كانت صناعته في الصحراء ، وهو عدل .

العاشرة : قال : ولا يجوز عنده أن يقلد عامي عاميا إلا في رؤية الهلال لضبط التاريخ دون العبادة .

الحادية عشرة : قال : ويجوز عنده تقليد الصبي ، والأنثى ، والكافر ، والواحد في الهدية والاستئذان .

الثانية عشرة : قال : يقلد القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما ، أو كتابيا ، ومن مثله يذبح .

الثالثة عشرة : قال : يقلد محاريب البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها ، ويعلم أن إمام المسلمين بناها ، ونصبها ، أو اجتمع أهل البلدة على بنائها .

قال : لأنه قد علم أنها لم تنصب إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك ، ويقلدها العالم ، والجاهل ، وأما غير تلك فعلى العالم الاجتهاد ، فإن تعذرت عليه الأدلة صلى إلى المحراب إذا كان البلد عامرا لأنه أقوى من الاجتهاد بغير دليل ، وأما العامي ، فيصلي في سائر المساجد .

الرابعة عشرة : قال : يقلد العامي في ترجمة الفتوى باللسان العربي أو [ ص: 143 ] العجمي ، وفي قراءاتها أيضا ، ولا يجوز لعالم ، ولا لجاهل التقليد في زوال الشمس لأنه مشاهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية