صفحة جزء
فرع

قال : وصاياه موقوفة : إن مات فمن الثلث ، أو صح فمن رأس المال ، إلا أن تكون له أموال مأمونة ينفذ عتقه معجلا وتقبض الهبات والصدقات قبل الموت . وقاله فقهاء الأمصار . وقال داود : تصرفه كتصرف الصحة ، وللجماعة حديث الستة الأعبد لقوله - عليه السلام - : ( إن الله أعطاكم ثلث أموالكم ) الحديث .

تنبيه وتمهيد : قد تقدم تقديم بعض الأنواع على بعض التراجم الفقهية ، وإفراد النوع الواحد هل يقدم منها ما تقدم سببه بالزمان ؟ قال مالك في المدونة في كتاب التدبير : من مات ومدبرين في صحة أو مرض أو في مرض ثم صح مدبر أو مرض مدبر فلذلك سواء يبدأ الأول فالأول إلى مبلغ الثلث ، وما بقي رق ، فإن دبرهم في كلمة واحدة في صحة أو مرض عتق جميعهم إن حملهم الثلث . وإن لم يحملهم لا يقدم أحد على أحد بل يفض الثلث على جميعهم بالقيمة ، وإن لم يدع غيرهم عتق ثلث كل واحد ولا يقرع بينهم بخلاف المبتلين في المرض في الثلث ، قوله في الكتاب : يتحاص المدبر والمبتل ، يريد : إذا كانا في فور واحد ، وإلا بدئ الأول ؛ لأنه تقرر حقه فليس له إبطاله ، ويراعى سبق الزمان في الزكاة والمبتل ، فقوله في المدونة : تبدأ الزكاة . معناه : إذا كان الجميع في فور ، أو قدم الوصية بالزكاة ، وإن [ ص: 105 ] تقدم العتق قدم على الزكاة لتقرره فليس له إبطاله ، فقد حصل النقل في هذه الثلاثة أنواع : التدبير ، والتبتيل ، والزكاة معهما ، فهل تجري على ذلك كفارة القتل والظهار ، وسائر الأنواع بطلب النقل فيه ؟ أو يفرق بين مورد النقل بالفروق الفقهية .

فرع

في الكتاب : إذا شهد أن أباهما أعتق هذا العبد وهو الثلث ، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث : إن اتهما في جر ولائه سقطت شهادتهما ، وجازت الوصية وإلا جازت كما إذا كان معهما من الورثة نساء . قالالتونسي : إذا كان معهم من الورثة نساء ووصية يتهمان لاختصاصهما بجر الولاء ( إن كان العبد يتهم في مثله وتبقى تهمتهم على الوصية ، فإنها لا يعود عليها منها شيء بخلاف الولاء ) ونفذها محمد مطلقا ؛ لأن للميت العتق في المرض فيتخصص الذكران بالولاء ، وإذا رد ابن القاسم شهادتهما عتق عليها لإقرارهما بحريته وأنهما غصبا الثلث ، ولم يجعلهما كما إذا غصب من المال شيء أو ضاع لا يعتق إلا ( في ثلث الباقي إن حمله ، وقال أشهب : لا يعتق إلا ثلثاه ) وجعل الثلث المأخوذ للوصية كجائحة أتت على المال . قال : وهو الأشبه ، ونحو هذا : إقرار أحدهما بمائة وقد ترك مائتين لهما . والمقر لا تجوز شهادته ، فعند أشهب : تعطى مائة للدين ، وما أخذه أخوه كجائحة طرأت على المال ، وعند ابن القاسم : يعطى خمسين للدين ويعد ما أخذ بالحكم كأنه قائم ، ويقول : إنما لك عندي خمسون ، وخمسون غصبها أخي فخذها منه ، فإن كان المقر عدلا حلف معه صاحب الدين على مذهب ابن القاسم ، وعلى [ ص: 106 ] مذهب أشهب : لا ينبغي أن يحلف لاستحقاقه المائة بالإقرار ، فهو غير منتفع بيمينه ، بل هو يحلف ليأخذ غيره ، وهو نحو قولهم في الشهادة في عدم الغريم : يحلف صاحب الدين معه ، وهو لو شاء أخذ الحميل لما أنكر المديون ، فصار المنتفع الحميل ، فإن شهدت بينه بالثلث لزيد وأخرى بالثلث لعمرو في موطنين قسم الثلث بينهما لإمكان كونه وصى به مرتين ، أو في موطن واحد ، فهو تكاذب يحكم بأعدل البينتين ؟ فإن كان المردود شهادتهما ولدين فليس للمشهود عليهما بالثلث شيء ؛ لأنهما يقولان : غصب الثلث الموصى به لك ، وليس علينا تعويضك ، وإن تكافأتا في العدالة سقطتا وصدق الورثة لمن أقروا له عند ابن القاسم القاتل : إن البينتين إذا تكافأتا في شيء ادعاه رجل في يد ثالث ، هو للذي هو في يديه إن ادعاه لنفسه أو لمن أقر له به منهما ، وعند من يقول : لا يكون لمن هو في يديه لاتفاق البينتين على أنه ليس له وأنه يكون لهما بعد أيمانهما ، فعلى هذا يتحالفان ويكون لهما لاتفاق البينتين على إخراجه من ملك الميت ، ولو شهد الوارثان بعبد لزيد وصى به الميت هو الثلث ، وشهد أجنبيان بوصية الثلث لعمرو وليس الوارثان عدلين ، أو يتهمان لمن شهدا له ، يخرج الثلث بشهادة الأجنبيين ، ودفعا العبد لزيد عند ابن القاسم كالعتق سواء . وعند أشهب : ثلثه كما لو ذهب الثلث بجائحة .

فرع

في الكتاب : يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر ، ولم يترك سواه ، ولم تجز الورثة ، بدئ بعتق العبد بتلا ، وسقطت الخدمة ، وعليه أكثر الرواة ، فإن أوصى بخدمة عبده سنة ، أو سكنى داره سنة . وليس له مال غير ما أوصى فيهما وما لا يخرج منه ، خير الورثة في الإجازة أو يقطع ثلث الميت من كل شيء للموصى له ؛ لأنه مرجع الوصايا عند عدم الإجازة ، وأما إن أوصى برقبة عبد أو دار لا يحملها الثلث ، فله محمل الثلث من تلك الأعيان لتعلق اللفظ بها ، فإن أوصى [ ص: 107 ] بخدمته سنة أو حياته ، ثم هو لفلان : فإن حمله الثلث بدئ بالخدمة ؛ لأنه مقتضى اللفظ اتفاقا ، فإن انقضت الخدمة أخذه صاحب الرقبة ، زادت القيمة أم نقصت ، وإن حمل الثلث بعضه - خدم ذلك البعض إن كان نصفه - خدم يوما للورثة ويوما الموصى له حتى ينقضي ، فهو لصاحب الرقبة ، وللورثة بيع حصتهم قبل السنة . قال صاحب التنبيهات : قال فضل : ينبغي أن ينظر قيمة الخدمة وقيمة الرقبة بعد مرجعها فتكون قيمة الخدمة للموصى له بها شائعة ، فإن اغترقت الثلث فلا شيء لصاحب مرجع الرقبة لتبدئة هذا عليه ، وإن كان فضلا فله في العبد ، وبقيته للورثة . قال بعض الشيوخ : ويضرب صاحب الخدمة بقدرها . وصاحب الرقبة بقيمتها ، على أنها لا خدمة فيها ، وهو معنى قول ابن القاسم ، وقال غيره : إنما يتحاصص بقيمة مرجع الرقبة ، وهو مروي عن ابن القاسم . قال صاحب النكت : إنما أعتق ثلثه بتلا في المسألة الأولى إذا لم يجز الورثة ولم يتأخر إلى الأجل ؛ لأن غرض السيد أن يعتق جملته إلى الأجل ، فإذا بطلت غرضه نفذتا الآن ما كان يقدر عليه في الوصية . قال التونسي : مقتضى وصيته تقديم الخدمة على الوصية فكيف سقطت ؟ وقد قال أشهب : يخدم بثلثه الموصى له بالخدمة سنة ثم يعتق ذلك الثلث نظرا للفظ الوصية ، على أن ابن القاسم كان يقول : كان الميت إذا لم يجيزوا يقول : نفذوا ثلثي في الوصايا التي أوصيت بها منجزا ، فصار في الوصايا مال وعتق ، فيقدم العتق فإن قال : الورثة يجيزوا العتق دون الخدمة ، بقي معتقا إلى أجل ، وللموصى له خدمة ثلثه فقط ؛ لأنه محمل الثلث ، ولا حجة له لقدرة الورثة على تعجيل العتق فتسقط الخدمة . قال ابن يونس : لو أجازوا الخدمة دون العتق عتق ثلثه بتلا ، وخدم باقيه بقية الأجل ، للعبد يوم وللمخدوم يومان ، فإذا [ ص: 108 ] انقضت الخدمة رجع ثلثاه للورثة رقا ، فإن قال : يخدم فلانا سنة ثم هو كذلك بعد سنتين : قال أشهب : إن حمله الثلث خدم الأول سنة ثم الورثة سنتين ثم أخذه الآخر . فإن كان العبد ثلثي الميت تحاصا في الثلث ، هذا بخدمته سنة ، وهذا بمرجع الرقبة على غررها يشاركان الورثة فيما أصابهما في جميع التركة ، هذا إذا لم يجز الورثة ، قال اللخمي عن مالك : إذا أوصى بخدمته سنة ثم هو حر ولم يحمله الثلث ولم يجيزوا : ينظر إلى ما حمله الثلث ، يخدم فلانا سنة ثم يعتق الجزء بعد انقضائها ، وهو خلاف المشهور كما تقدم ، ولم يختلف إذا جعل المرجع بعد الخدمة لفلان ، لا يبدأ أحدهما على الآخر لهما منه ما حمله الثلث ، يخدم الموصى له بالخدمة ذلك الجزء فإذا انقضت عاد لمن له المرجع ؛ لأنه قصد قسمة ذلك بينهما . قال : قال : يخدم فلانا سنة ولم يحمله الثلث ولم يجيزوه : قطع للموصى له بالثلث شائعا ، وإن قال : له خدمته حياة العبد : قطع له في عين العبد بخلاف الأول : لأنه هاهنا أخرج العبد جملة عن الورثة فأشبه الوصية برقبته ، وبما عاوضهم على نصيبه بما أخذه من خدمة العبد على أن أعطاهم ما له فيه من المرجع ، وكذلك إذا قال : يخدم ورثتي سنة ثم هو لفلان فيه معاوضة من الثلث ، فإن لم يجيزوا قطع له بالثلث ، وإن قال : يخدم فلانا سنة ثم ورثتي سنة ثم مرجعه لفلان ولم يحمله الثلث قطع للموصى لهما بالثلث شائعا لهذا بقيمة خدمته سنة ، وللآخر بقيمة المرجع بعد سنتين ، وإن قال : يخدم فلانا عشر سنين ثم هو لفلان وجعل آخر لفلان تحاصا فما صار لهما بالخدمة والمرجع بقيمة ذلك العبد يبدأ الآن ؛ لأنه أخرج جميعه لهما ، فما نال المخدم خدم الموصى له مما حمل الثلث منه ، ومرجع ذلك القدر لمن جعل له ، وما ناب الآخر أخذه في عين ذلك العبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية