صفحة جزء
الركن الثاني : الوصي ، وفي الجواهر : شروطه أربعة : الشرط الأول : التكليف ، فلا تصح الوصية للمجنون وللصبي لعدم الأهلية لتحصيل مصالح هذه الولاية ، وكل مسلوب الأهلية في ولاية لا تنعقد له .

الشرط الثاني : الإسلام ، فيعزل الكافر ولو ولي إن كان ذميا خلافا لـ ( ح ) لقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وهي صيغة حصر فلا يتولى المسلم غير مسلم . قال ابن القاسم : في الكتاب : قد منع مالك المسخوط ، والذمي أولى ، وعن ابن القاسم : إلا أن يرى الإمام لذلك وجها ، وعن مالك : كراهة اليهودي أو النصراني ، والجواز أيضا إن كان قريبا كالأب والأخ [ ص: 159 ] والخال والمولى والزوجة . ومن يرى له حسن النظر للولد من أقاربه أو أوليائه ، ويجعل معه غيره ، ويكون المال بيد المجعول معه بخلاف أباعد القرابة ؛ لأن مقصود الوصية ضبط المصلحة المولى عليها ، فالوصي كالوكيل ، وتجوز وكالة الكافر اتفاقا غير أن الموصي مفقود لا يتعقب من ولاه بخلاف الموكل ، فلذلك شدد في الوصي ، قال ابن يونس : تجوز وصية الذمي للذمي مثله ، قال محمد : ولا يوصي ذمي لحربي ولو كان مستأمنا ، قاله أشهب ، ولو أوصى الحربي للمستأمن جاز ؛ لأنه أفضل منه ، وتجوز وصية الحربي والذمي للمسلم .

الشرط الثالث : العدالة ، وفي الجواهر في الكتاب : لا يوصى لمن ليس بعدل ؛ لأن العدالة وازع عن الفساد ، فعدمها يبطل الولاية ، وقال ابن حبيب : تصح الوصية للفاسق ويزيلها الحاكم منه ، فلو كان عدلا لأنفذ تصرفه .

قاعدة : المصالح الشرعية ثلاثة أقسام : ما هو في محل الضرورات ، وما هو في محل الحاجات ، وما هو في محل التتمات .فالعدالة ضرورية في الشهادات لعموم البلوى وعظم مفسدة شهادة الزور ، وفي محل الحاجات الوصية كحاجة الإنسان لوثوقه بوصية بعد موته ، والفاسق خائن لربه لفساده فلعباده أولى . وفي محل التتمات في ولاية النكاح ، وهو أخفض رتبة ؛ لأن وازع القرابة يقوم مقام العدالة في دفع العار والسعي في الأضرار ، لكن القرابة مع العدالة أتم على الخلاف في ذلك ، ولا يشترط في الأقارب إجماعا ؛ لأن الإقرار على خلاف الوازع الطبيعي فاكتفي بالطبع عن العدالة فإن الإنسان محمول على جلب النفع لنفسه ودفع الضرر عنها فلا يعدل عن ذلك إلا لما هو حق في ظاهر الحال ، وقد تقدم بسط هذه القواعد في القياس من مقدمة الكتاب .

[ ص: 160 ] فرع

قال محمد بن يونس : قال محمد : لا يوصى لمأبون ؛ لأن الأبنة داء في الدبر يشعر بسوء الحال ، وجوز ابن القاسم وأشهب المحدود في القذف إذا كان ذلك منه فلتة ، وهو مرضي الحال ، وكان يوم حد غير مسخوط فإن السباب ربما صدر من العدول والصلحاء نادرا ، ولا يخل ذلك بحالهم في العدالة بخلاف الزنا وغيره لا يقدم عليه إلا السفلة إلا أن يتوب وتحسن حاله .

فرع

قال اللخمي : إذا وصى غير عدل فادعى ضياع المال لم يصدق إذا كان غير مأمون ، والوصية لغير العدل تجوز بما يخص الميت كالوكالة ، نحو الوصية بالثلث أو العتق أو بشيء في السبيل .

فرع

قال : إذا لم يكن الوصي وارثا لم يكشف الورثة عن شيء إلا فيما يبقى للورثة منفعته مثل ولاء العتق ، إلا أن يكون الوصي سفيها سارقا فيكشف عن ذلك كله فرب وصي لا ينفذ من الوصية شيئا ، وإن كان الوصي وارثا فلباقي الورثة الكشف عنه لاحتمال الإزواء لنفسه فتكون وصية لوارث .

الشرط الرابع : في الجواهر : الكفاية والهداية في التصرف دون الذكورة والحرية ؛ لأن الجاهل بتنمية الأموال وتفاصيل أحوال الناس ربما أفسد أكثر مما يصلح ، وقد يكون الإنسان يصلح لقضاء الإقليم وهداية أهله بالفتيا . وهو لا [ ص: 161 ] يصلح للتصرف في يسير المال ولا كثيره ، فلا يغتر بظاهره حتى تثبت أهليته . قال اللخمي : يجوز للعبد المأمون الكافي ، كان ملكا للميت أو لغيره ، إذا رضي سيده ولم يخف عليه السيد على ما في يديه ؛ لأنه صحيح التصرف ، وإنما حجر عليه لأجل سيده ، فإذا أذن سقط حقه ، قال أشهب : إن سافر سيده أو مشتريه جعل الإمام وصيا غيره ، والمعروف من قوله : أن للعبد أن يقيم مقامه فلا يجد ، وإذا أوصى ببنيه الصغار لعبده فطلب الكبار أنصباءهم من الغلام خاصة جاز وبقي الغلام على حاله أو بيع الجميع خشية النجش بالتجار جاز عند مالك إلا أن يرى أن أخذ بقيته حسن نظرا للأيتام أو يدفع للشركاء بقدر ذلك البخس فلا تباع على الصغار أنصباؤهم ؛ لأنه مالهم أصلح لهم ، وفي الكتاب : إذا أراد الأكابر بيع نصيبهم اشتري للأصاغر إن كان لهم مال يحمل ذلك وإلا إن أضر بهم بيعه باع الأكابر حصتهم خاصة إلا أن يضر ذلك بالأكابر فيقضى على الأصاغر هنا للضرر . وقال صاحب النكت : قال بعض الشيوخ : إذا بيع كما قال في الكتاب انفسخت وصيته في البيع ؛ لعدم تمكنه من مصالح الوصية . وفي مختصر حمديس : لمشتريه فسخ الوصية إن كانت تشغله وتضر به . قال وفيه نظر . وفي كتاب ابن حبيب : إذا بيع جميعه انفسخت الوصية ؛ لأنه إنما أوصى له بناء على بقائه على ملكه . قال صاحب البيان : قال مالك : إذا أوصى لعبده فأراد أحد الورثة بيع نصيبه أعطي نصيبه من مال المولى عليهم بقيمة العدل ليخلص لهم ، كما لو أوصى بعتقه . فإن كان في التقويم على الأصاغر ضرر أو ليس لهم مال بيع نصيب الأكابر وبقي نصيب الأصاغر ينظر لهم في آبائهم ، فإن كان على الأكابر ضرر في التقويم على [ ص: 162 ] الأصاغر ، يباع وتفسخ الوصية . وقال سحنون : إنما يكون العبد وصيا عليهم إذا استوت كلفتهم ، أما أحدهم له مال دون غيره فلا ؛ لأن المنفعة ينبغي أن تكون على قدر الأملاك . قال سحنون : وإذا كان فيهم كبير فهي وصية لوارث إن أجازها الكبار وإلا بطلت ، وقول مالك أصح إذا قلنا : إنه إنما يحرم الأصاغر في آبائهم ، قال ابن كنانة : إن وافق الأكابر على عدم اشتماله على الأصاغر وإلا اشتري للأصاغر نصيب الأكابر تنفيذا للوصية . قال أشهب : تجوز الوصية للمكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه والمعتق إلى أجل ، ومنع سحنون المعتق إلى أجل إلا أن يرضى الأكابر ؛ لأنه يشتغل على خدمتهم . قال أشهب : وإذا أوصى لعبد غيره وأجازه السيد ليس له الرجوع ، وقال ( ح ) : توقف الوصية لعبد الغير على إذن سيده كما قلنا ، وأما عبد نفسه وفي الورثة كبير يلي نفسه لم يصح ، والأصح ، لنا : القياس على الحر بجامع العدالة وحسن النظر في تحصيل المصلحة ، وقياسا على الوكالة لا يلزم الكافر ؛ لأن نظره عام في تعليم القرآن وغيره من آداب البدن وهو متعذر من الكافر ، احتجوا بالقياس على الشهادة ، وبقوله تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ) . فلا يقدر على التصرف الخاص . والجواب عن الأول : أن شهادته له مظنة التهمة ، وعن الثاني : أن المراد : ضرب المثل للكفار بأن الأصنام ملكتهم وهم لا يقدرون على شيء ، فالعبد يقدر على الخدمة إجماعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية