الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 163 ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما

1 - قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري - رحمة الله عليه - .

الحمد لله رب العالمين ، الذي لا يبلغ وصف صفاته الواصفون ، ولا يدرك كنه عظمته المتفكرون ، ويقر بالعجز عن مبلغ قدرته المعتبرون ، الذي أحصى كل شيء عددا وعلما ، ولا يحيط خلقه بشيء من علمه إلا بما شاء ، خضعت له الرقاب ، وتضعضعت له الصعاب ، أمره في كل ما أراد ماض ، وهو بكل ما شاء حاكم قاض ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون .

2 - يقضي بالحق وهو خير الفاصلين ، ذو الرحمة والطول ، وذو القوة والحول ، الواحد الفرد ، له الملك وله الحمد ، ليس له ند ولا ضد ، ولا له شريك ولا شبيه ، جل عن التمثيل والتشبيه ، لا إله إلا هو إليه المصير .

3 - أحمده كثيرا عدد خلقه وكلماته ، وملء أرضه وسمواته ، وأسأله الصلاة على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين وعلى جميع النبيين والمرسلين ، وسلم تسليما .

4 - أما بعد ; فإن جماعة من أهل العلم وطلبه والعناية به من إخواننا - نفعهم الله وإيانا بما علمنا - سألونا في مواطن كثيرة مشافهة ، ومنهم من سألني ذلك من آفاق نائية مكاتبا أن أصرف لهم كتاب [ ص: 164 ] " التمهيد " على أبواب " الموطإ " ونسقه ، وأحذف لهم منه تكرار شواهده وطرقه ، وأصل لهم شرح المسند والمرسل اللذين قصدت إلى [ ص: 165 ] شرحهما خاصة في " التمهيد " بشرح جميع ما في الموطأ من أقاويل الصحابة والتابعين ، وما لمالك فيه من قوله الذي بنى عليه مذهبه ، واختاره من أقاويل سلف أهل بلده ، الذي هم الحجة عنده على من خالفهم ، وأذكر على كل قول رسمه وذكره فيه ما لسائر فقهاء الأمصار من التنازع في معانيه ، حتى يتم شرح كتابه " الموطإ " مستوعبا مستقصى بعون الله إن شاء الله ، على شرط الإيجاز والاختصار ، وطرح ما في الشواهد من التكرار ، إذ ذلك كله ممهد مبسوط في كتاب " التمهيد " والحمد لله .

5 - وأقتصر في هذا الكتاب من الحجة والشاهد على فقر دالة ، وعيون مبينة ، ونكت كافية ; ليكون أقرب إلى حفظ الحافظ ، وفهم المطالع إن شاء الله .

6 - وأما أسماء الرجال فقد أفردنا للصحابة - رضوان الله عليهم - كتابا موعبا . وكل من جرى ذكره في مسند " الموطإ " أو مرسله فقد وقع التعريف به أيضا في " التمهيد " وما كان من غيرهم فيأتي التعريف بأحوالهم في هذا الكتاب إن شاء الله .

7 - وإلى الله أرغب في حسن العون على ذلك ، وعلى كل ما يرضاه من قول وعمل صالح ، وأضرع إليه في السلامة من الزلل والخطل ، وأن يجعلني ممن يريد بقوله وفعله كله وجهه ورضاه ، فهو حسبنا فيما أملناه ، لا شريك له .

8 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمر القاضي المالكي ببغداد [ ص: 166 ] قال : حدثنا عبد الواحد بن العباس الهاشمي قال : حدثنا عياش بن عبد الله الرقي قال : قال عبد الرحمن بن مهدي : ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من موطإ مالك بن أنس .

9 - حدثنا علي بن إبراهيم بن حمويه الشيرازي ، حدثنا شبابة قال : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المدني قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال : سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول : سمعت الشافعي يقول : ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنس .

10 - حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا يحيى بن مالك قال : حدثنا محمد بن سليمان بن الشريف قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل قال : حدثنا يوسف بن عبد الأعلى قال الشافعي : ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطإ مالك بن أنس .

11 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي قال : حدثنا محمد بن أحمد قال : حدثنا علي بن الحسن القطان قال : حدثنا عبد الله بن محمد القروي قال : [ ص: 167 ] سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت كتابا ألف في العلم أكثر صوابا من موطإ مالك .

12 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا القاسم بن علي ، حدثنا إبراهيم بن الحسن السيرافي ، حدثنا يحيى بن صالح قال : سمعت أبي يقول : قال ابن وهب : من كتب " كتاب الموطإ " لمالك فلا عليه ألا يكتب من الحلال والحرام شيئا .

13 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا القاسم بن علي ، حدثنا إبراهيم بن الحسن قال : سمعت يحيى بن عثمان يقول : سمعت ابن أبي مريم يقول - وهو يقرأ عليه " موطأ مالك " وكان ابنا أخيه قد رحلا إلى العراق في طلب [ ص: 168 ] العلم - فقال : لو أن ابني أخي مكثا بالعراق عمرهما يكتبان ليلا ونهارا ما أتيا بعلم يشبه موطأ مالك ، ولا أتيا بسنة مجمع عليها خلاف موطإ مالك .

14 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال : حدثنا أبو طاهر قال : حدثنا صفوان ، عن عمر بن عبد الواحد - صاحب الأوزاعي - قال : عرضنا على مالك الموطأ إلى أربعين يوما ، فقال : كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما ، قلما تتفقهون فيه .

15 - ولم أذكر في كتابي هذا شيئا من معاني النقل وغوائله وعلم طرقه وعلله ، ولا من فضائل مالك - رحمه الله - وأخباره ، إذ ذاك كله مذكور بأتم ذكر وأكمله في " كتاب التمهيد " والحمد لله .

16 - وقصدت من روايات " الموطإ " في كتابي إلى رواية يحيى بن يحيى الأندلسي ، فجعلت رسوم كتابي هذا على رسوم كتابه ونسق أبوابه للعلة التي ذكرناها في " التمهيد " على أنه سينظم بهذه الرواية كثير من اختلاف الرواية عن مالك في موطئه على حسب ما يقود إليه القول في ذلك بحول الله .

17 - وأما الإسناد الذي بيني وبين مالك في رواية يحيى بن يحيى فإن أبا عثمان سعيد بن نصر حدثنا بجميع الموطإ قراءة منه علينا من أصل كتابه ، [ ص: 169 ] قال : حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة قالا : حدثنا [ ص: 170 ] ابن وضاح قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، عن مالك .

18 - وحدثنا أيضا به : أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن البزار قراءة مني عليه ، عن وهب بن مسرة ، وابن أبي دليم ، عن ابن وضاح ، عن يحيى ، عن مالك .

19 - وحدثنا به أيضا : أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد ، عن أبي عمر أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن ، وأحمد بن سعيد بن حزم ، عن عبيد الله بن [ ص: 171 ] يحيى ، عن أبيه يحيى ، عن مالك ، وعن وهب بن مسرة أيضا ، عن ابن وضاح ، عن يحيى ، عن مالك .

20 - وأما رواية ابن بكير عن مالك فقرأتها على أبي عمر أحمد بن محمد بن أخي عبد الله بن محمد بن عيسى بن رفاعة ، عن يحيى بن أيوب بن باب ، حدثنا العلاف ، عن ابن بكير ، عن مالك .

21 - وقرأتها أيضا على أبي عمر أحمد بن محمد ، وأبي القاسم عبد الوارث بن سفيان ، جميعا عن قاسم بن أصبغ ، عن مطرف بن عبد الرحمن بن قيس ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن مالك .

22 - وأخبرني بها أيضا : أبو القاسم خالد بن سهل الحافظ ، عن أبي محمد الحسن بن رشيق ، عن أحمد بن محمد المؤدب ، والحسن بن محمد ، جميعا عن ابن بكير .

23 - وأما رواية ابن القاسم للموطإ عن مالك فقرأتها على أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ، عن أبي العباس تميم بن محمد بن تميم ، عن عيسى بن مسكين ، عن سحنون بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك .

24 - وأما رواية القعنبي عبد الله بن مسلمة ، فقرأتها على أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد ، عن أبي بكر أحمد بن محمد المكي ، عن علي بن عبد العزيز ، عن القعنبي ، عن مالك ، وعن بكر بن العلاء القاضي القشيري ، عن أحمد بن موسى النسائي ، عن القعنبي ، عن مالك .

25 - وأما رواية مطرف بن عبد الله الساري ، عن مالك فحدثني بها : أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن عمر بن لبابة قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم بن مرين قال : حدثنا مطرف ، عن مالك .

التالي


الخدمات العلمية