الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
582 [ ص: 54 ] ( 3 ) باب ما جاء في المعادن



543 - مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن غير واحد ; أن [ ص: 55 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية . وهي من ناحية الفرع . فتلك المعادن لا يؤخذ منها ، إلى اليوم ، إلا الزكاة .


12400 - قال أبو عمر : هذا الخبر منقطع في " الموطأ " وقد روي متصلا مسندا على ما ذكرناه في " التمهيد " من رواية الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن رواية غير الدراوردي أيضا .

12401 - وجملة قول مالك في موطئه أن المعادن مخالفة الركاز ؛ لأنها لا ينال ما فيها إلا بالعمل بخلاف الركاز ولا خمس فيها ؛ وإنما فيها الزكاة [ ص: 56 ] وهي عنده بمنزلة الزرع يجب فيه الزكاة إذا حصل النصاب ولا يستأنف به الحول ، ولا زكاة عنده فيما يخرج من المعدن إن كان ذهبا حتى يبلغ عشرين دينارا أو مائتي درهم فما زاد فعلى حساب ما ذكرنا عنه في زكاة الذهب والورق .

12402 - وفرق مالك بين معادن أهل الصلح ، ومعادن أرض العنوة ; فقال : المعادن في أرض الصلح لأهلها يصنعون فيها ما شاءوا ويصالحون فيها على ما شاءوا من خمس أو غيره . وما فتح عنوة فهو للسلطان يصنع فيه ما شاء وعلى العامل فيه الطالب لفائدته زكاة ما يحصل بيده منه إذا كان نصابا على سنة الزكاة في الذهب والورق .

12403 - ومن حجة مالك أيضا في تفريقه بين ما يؤخذ من المعدن وما يؤخذ من الركاز قوله صلى الله عليه وسلم : في حديث أبي هريرة : " . . والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " . فرق بين المعدن والركاز ب " و " فاصلة ; فدل ذلك على أن الخمس في الركاز لا في المعدن .

12404 - وقال أشهب عن مالك : الذهب الثابت في الأرض يؤخذ بغير [ ص: 57 ] عمل هو ركاز ، وفيه الخمس .

12405 - وقال الأوزاعي : في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء فيما يخرج منه غيرهما .

12406 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : في الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخارج من المعدن الخمس كالركاز .

12407 - قالوا : وما كان في المعدن من ذهب وفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده منه ما يجب فيه الزكاة فزكاه لتمام الحول .

12408 - وهو عندهم فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها . وهو قول الثوري .

12409 - قالوا : وكل ما ارتكز بالأرض من ذهب أو فضة وغيرها من الجوهر فهو ركاز ، وفيه الخمس ، في قليله وكثيره على ظاهر قوله : " وفي الركاز الخمس " .

12410 - قالوا : وقوله : " المعدن جبار " إنما هو عطف على قوله : " والبئر جبار " ، وليس فيه ما ينبغي أن يكون المعدن ركازا ؛ لأنه أخبر بما هو جبار ، ثم أخبر بما يجب فيه الخمس .

12411 - واختلف قول أبي حنيفة في الزئبق يخرج من المعادن . فمرة قال : فيه الخمس . ومرة قال : ليس فيه شيء كالقير والنفط .

[ ص: 58 ] 12412 - واختلف قول الشافعي فيما يخرج من المعادن فقال مرة بقول مالك .

12413 - وهو قول العراقي .

12414 - وقال بمصر : ما يخرج من المعادن فهو فائدة يستأنف فيها الحول .

12415 - وهو قول الليث بن سعد وابن أبي ذئب .

12416 - ومرة قال الشافعي : أستخير الله في المعادن وخير على القول فيها .

12417 - واختار المزني أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يستأنف بها حول .

12418 - وأما الإقطاع فهو جائز للإمام فيما لا ملك عليه لأحد من موات الأرض يقطعه من رآه من أهل الغنى والنفع للمسلمين بنفسه أو عمله ، وهو كالفيء يضعه حيث رآه فيما هو للمسلمين أعم نفعا وينبغي أن يكون ذلك على قدر ما يقوم به المرء وعماله .

12419 - وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لبلال بن الحارث : أقطعك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تطيقه فانظر ما تطيق منه فأمسكه ، وأذن لي في إقطاع الباقي من يحتاج إليه ، فأذن له فأقطع ما أخذ منه غيره .

[ ص: 59 ] 12420 - وليس هذا من فعل أبي بكر ردا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو رأى أن له رده ما استأذن بلال بن الحارث ، لكنه رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف في حين الإقطاع على قدر ما أقطع ، ولو علم من ذلك ما علمه أبو بكر ما أقطعه ذلك كله ومع ذلك فإنه استأذن بلالا ولو لم يأذن له ما أخبره ، وإنما أخذه بطيب نفسه .

12421 - ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع ما قد ملك بإحياء أو غيره مما يصح به الملك . ومسارح القوم التي لا غنى لهم عنها لإبلهم ومواشيهم لا يجوز للإمام أن يقطعها أحدا ؛ لأنها تجري مجرى الملك المعين .

12422 - ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقطع الدهناء رجلا قالت له قيلة : يا رسول الله إنه مقيد إبل بني تميم وهذه نساء بني تميم من وراء ذلك . فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

12423 - وكذلك لا يجوز للإمام إقطاع ما فيه الرغبة والتنافس والغبطة يختص به واحدا وهو يفصل عنه وللناس فيه منافعلحديثه - عليه السلام - أنه أقطع رجلا ما ليس بالكثير فقيل له : يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد - يعني الكثير - فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية