الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
46 46 - مالك ، عن نافع ؛ أن عبد الله بن عمر كان يقول : إن كان الرجال والنساء ، في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتوضئون جميعا .


1687 - في هذا الحديث دليل واضح على إبطال قول من قال : لا يتوضأ بفضل المرأة ، لأنه معلوم إذا اغترفا جميعا من إناء واحد ، كما جاء من غير [ ص: 127 ] رواية مالك ، وقد رواه هشام بن عمار عن مالك كذلك ، فكل واحد منهما متوضئ بفضل صاحبه .

1688 - وقد صح عن عائشة أنها قالت : " كنت أتوضأ أنا ورسول الله من إناء واحد من الجنابة " .

[ ص: 128 ] 1689 - والأصل في الماء الطهارة ، لأن الله قد جعله طهورا ، فهو كذلك حتى يجمع المسلمون أنه نجس بما دخله ، والمؤمن لا نجاسة فيه ، والنجاسة فيه أعراض داخلة ، والمرأة في ذلك كالرجل إذا سلما مما يعرض من النجاسات .

1690 - وللعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال :

1691 - ( أحدها ) : الكراهية لأن يتطهر الرجل بفضل المرأة .

1692 - ( والثاني ) : أن تتطهر المرأة بفضل وضوء الرجل .

1693 - ( والثالث ) : أنهما إذا شرعا جميعا في التطهر فلا بأس به . وإذا خلت المرأة بالطهور فلا خير في أن يتطهر بفضل طهورها .

1694 - ( والرابع ) : أنه لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه ما لم يكن الرجل جنبا ، والمرأة حائضا أو جنبا ، وهو قول ابن عمر .

[ ص: 129 ] 1695 - والذي عليه جماعة فقهاء الأمصار : أنه لا بأس بفضل وضوء المرأة وسؤرها ، حائضا كانت أو جنبا ، خلت به أو شرعا معا .

1696 - إلا أحمد بن حنبل ، فإنه قال : إذا خلت المرأة بالطهور فلا يتوضأ منه الرجل ، إنما الذي رخص فيه أن يتوضآ جميعا .

1697 - وذكر حديث الحكم بن عمرو الغفاري : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا شعبة ، قال حدثنا عاصم ، الأحول عن أبي حاجب ، عن الحكم الغفاري أن النبي - عليه السلام - : " نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة " لا يدري فضل سؤرها أو فضل طهورها .

1698 - قال أبو عمر : الآثار في الكراهية في هذا الباب مضطربة لا تقوم بها حجة ، والآثار الصحاح هي الواردة بالإباحة ، مثل حديث ابن عمر هذا ومثل حديث جابر ، وحديث عائشة وغيرهم ، كلهم يقول : إن الرجال كانوا يتطهرون مع النساء جميعا من إناء واحد . وأن عائشة كانت تفعل ذلك وميمونة ، وغيرهما من أزواجه وعلى ذلك جماعة أئمة الفتوى .

[ ص: 130 ] 1699 - وقد روي عن ابن عباس أنه سئل عن فضل وضوء المرأة ، فقال : هن ألطف بنانا ، وأطيب ريحا .

1700 - وهذا منه جواب بجواز فضلها على كل حال .

1701 - وهذا قول زيد بن ثابت ، وجمهور الصحابة ، والتابعين .

1702 - إلا أن ابن عمر كره فضل الجنب والحائض .

1703 - وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية