الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
47 [ ص: 131 ] ( 4 ) باب ما لا يجب منه الوضوء .

47 - مالك ، عن محمد بن عمارة ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ؛ أنها سألت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي ، وأمشي في المكان القذر . قالت أم سلمة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يطهره ما بعده " .


[ ص: 132 ] 1704 - القول في طول الذيل للمرأة وأن ذلك من سنتها - يأتي عند قوله - عليه السلام - : " ترخيه شبرا ولا تزيد على الذراع " في كتاب " الجامع " في حديث مالك ، عن أبي بكر بن نافع إن شاء الله .

1705 - اختلف الفقهاء في طهارة الذيل للمرأة ، وأن ذلك سنتها على المعنى المذكور في هذا الحديث .

1706 - فقال مالك : معناه في القشب اليابس والقذر الجاف الذي لا يتعلق منه بالثوب شيء ، فإذا كان هكذا كان ما بعده من المواضع الطاهرة تطهيرا للثوب .

1707 - وهذا عنده ليس تطهيرا للنجاسة ؛ لأن النجاسة عنده لا يطهرها إلا الماء ، وإنما هو تنظيف .

1708 - وهو قول الشافعي ، وزفر ، وأحمد بن حنبل ، كل هؤلاء لا يطهر النجاسة عندهم إلا الغسل بالماء .

1709 - وقال الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن حديث أم سلمة : " يطهره ما بعده " ، فقال : ليس هذا عندي على أنه أصابه بول فمر بعده على الأرض فطهره ، ولكنه يمر بالمكان يتقذره فيمر بمكان أطيب منه فيطهره .

1710 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : كل ما أزال عين النجاسة فقد طهرها ، والماء وغيره في ذلك سواء .

1711 - قالوا : ولو زالت بالشمس أو بغيرها حتى لا تدرك معها ، ولا يرى ولا يعلم موضعها فذلك تطهير لها .

[ ص: 133 ] 1712 - وهو قول داود ، وقد كان يلزم داود أن يقوده أصله ، فيقول : إن النجاسة المجتمع عليها لا تزول إلا بإجماع على زوالها ، ولا إجماع إلا مع القائلين بأنها لا يزيلها إلا الماء الذي خصه الله بأن جعله طهورا .

1713 - وقد أمر رسول الله بغسل النجاسات بالماء لا بغير ، وبذلك أمر أسماء ، فقال لها في إزالة دم الحيض من ثوبها : حتيه واقرصيه بالماء " .

1714 - وإذا ورد التوقيف والنص على الماء لم يجز خلافه .

1715 - وللكوفيين آثار يحتجون بها ، منها حديث موسى بن عبد الله بن يزيد ، عن امرأة من بني عبد الأشهل ، قالت : " قلت يا رسول الله ! إن لنا [ ص: 134 ] طريقا إلى المسجد منتنة ، فكيف نفعل إذا مطرنا أو تطهرنا ؟ قال : أليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قلت : بلى . فقال : فهذه بهذه " .

1716 - وقد ذكرناه من طرق في التمهيد ، وهو محتمل للتأويل أيضا .

1717 - ومن حجتهم أيضا قوله - عليه السلام - : " إذا وطئ أحدكم بخفيه أو نعليه في الأذى فالتراب لها طهور " .

1718 - وهو حديث مضطرب الإسناد لا يثبت ، اختلف فيه على الأوزاعي وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافا لا يسقط به الاحتجاج .

1719 - واحتجوا أيضا بقول عبد الله بن مسعود : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نتوضأ من موطئ " .

[ ص: 135 ] 1720 - وهذا أيضا يحتمل التأويل .

1721 - واحتجوا بالإجماع على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها طهرت وطابت .

1722 - ومعلوم أن طرقها لم يغسل بماء وهذا أيضا يحتمل التأويل .

1723 - وعلى الكوفيين للحجازيين حجاج يطول ذكره ، واعتراضات بعضهم في ذلك على بعض لا سبيل إلى إيرادها في مثل هذا الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية