الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
596 556 - مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ; أنه كان يقول : من كان عنده مال لم يؤد زكاته ، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان . يطلبه حتى يمكنه . يقول : [ ص: 130 ] أنا كنزك .


12725 - قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث موقوفا عند جماعة في " الموطأ " من قول أبي هريرة ، وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ذكره البخاري وغيره هكذا . وقد رويناه في " التمهيد " من طرق شتى وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

12726 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا بكير بن الحسن ومحمد بن أحمد بن المسور ، قالا : حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيلزمه - [ ص: 131 ] أو قال : يطوق به - يقول : أنا كنزك " .

12727 - ذكره النسائي هكذا من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . والمحفوظ فيه حديث أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ، وحديث عبد العزيز الماجشون عندي فيه خطأ في الإسناد ; لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة أبدا ; فرواية مالك وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فيه هي الصحيحة ، وإن كان مالك وقفه فلا وجه لوقفه ؛ لأن مثله لا يكون رأيا ، وهو مرفوع صحيح على ما خرجه البخاري ، والله أعلم .

12728 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا بشير بن حجر قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سهيل ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فينبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأظلافها ، وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مرت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده [ ص: 132 ] في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . . . " ، وذكر تمام الحديث .

12729 - حدثنا عبد الوارث ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ، وأبو يحيى بن أبي مسرة فقيه مكة ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين ، عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له شجاعا أقرع يطوقه يوم القيامة . . " ، ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ( 180 من سورة آل عمران ) .

[ ص: 133 ] 12730 - حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع " قرقر " تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها وتنطحه ذات القرن بقرنها وليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن " . قال : يا رسول الله ، وما حقها ؟ قال : " إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء ، والحمل عليها في سبيل الله " .

12731 - وروى شعبة ، عن قتادة ، عن أبي عمر الغداني ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : فقيل لأبي هريرة : وما حق الإبل ؟ قال : تعطي الكريمة ، وتمنح الغزيرة ، وتفقر الظهر ، وتطرق الفحل وتسقي اللبن .

12732 - قال أبو عمر : قد مضى القول في معنى مثل هذا الحديث أنه على الندب والإرشاد إلى الفضل ، أو تكون قبل نزول فرض الزكاة ونسخ [ ص: 134 ] بفرض الزكاة لما ذكرنا من الدلائل . وإذا كان قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان عاد كله فضلا وفضيلة بعد أن كان فريضة ، والله أعلم .

12733 - وهذا المعنى هو الذي خفي على من ذهب إلى ما ذهب إليه من أوجب في المال حقوقا سوى الزكاة من إيجاب إطعام الجائع ، وفك العاني ، والمواساة في حين المسغبة والعسرة ، وصلة الرحم ، والعطف على الجار ونحو هذا مما قد تقدم ذكره .

12734 - ولم ير لأحد حبس فوق ما يكفيه ، كأبي ذر ومن تابعه ممن جعل ما فضل على القوت كنزا ، على أن أبا ذر أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكار على من أخذ المال من السلاطين لنفسه ومنع منه أهله ، فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره . وأما إيجاب غير الزكاة فمختلف عنه فيه .

12735 - وروي عن ابن مسعود أنه قال : من كسب كسبا طيبا ، خبثه منع الزكاة ، ومن كسب كسبا خبيثا لم تطيبه الزكاة .

12736 - وأما قوله في حديث مالك وغيره : " شجاعا أقرع " ، فالشجاع : الحية . وقيل : الثعبان . وقيل : الشجاع من الحيات الذي يواثب الفارس والراجل فيقوم على ذنبه ، وربما بلغ وجه الفارس ، يكون في [ ص: 135 ] الصحاري .

12737 - قال الشماخ أو البعيث : فأطرق إطراق الشجاع وقد جرى على حد نابيه الزعاف المسمم .

12738 - وقال المتلمس : فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لنابيه الشجاع لصمما

12739 - والزبيبتان : نقطتان مسلحتان في شدقيه كالرغوتين يقال إنهما تبدوان حين يفح ويغضب . وقيل : نقطتان سوداوان على عينيه ، وهي علامة الحية الذكر المؤذي وقيل : الزبيبتان نابان له . وقيل : نكتتان على شفتيه . والأول أوثق وأكثر .

12740 - والأقرع ( من صفات الحيات ) : هو الذي برأسه بياض . وقيل : كلما كثر سمه ابيض رأسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية