الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
604 [ ص: 196 ] ( 17 ) باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها

564 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ; أن رسول [ ص: 197 ] الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله . أو لعامل أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل له جار مسكين ، فتصدق على المسكين ، فأهدى المسكين للغني " .


[ ص: 198 ] 12967 - تابع مالك على إرسال هذا الحديث سفيان بن عيينة ، وإسماعيل بن أمية .

12968 - ورواه معمر عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

12969 - ورواه الثوري ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، قال : حدثني الليث عن النبي صلى الله عليه وسلم .

12970 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في " التمهيد " .

12971 - وفي هذا الحديث من الفقه ما يدخل في تفسير قول الله عز وجل : إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، ( 60 من سورة التوبة ) ؛ لأنه تفسير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجوز الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي " ؛ لأن قوله هذا لا يحمل مدلوله على عمومه بدليل الخمسة الأغنياء المذكورين [ ص: 199 ] في حديث هذا الباب .

12972 - وأجمع العلماء على أن الصدقة المفروضة ، وهي الزكاة الواجبة على الأموال لا تحل لغني غير الخمسة المذكورين في هذا الحديث الموصوفين فيه .

12973 - وكان ابن القاسم يقول : لا يجوز لغني أن يأخذ من الصدقة ما يستعين به على الجهاد وينفقه في سبيل الله ؛ وإنما يجوز ذلك للفقير .

12974 - قال : وكذلك الغارم لا يجوز له أن يأخذ من الصدقة ما بقي له ماله ويؤدي منها دينه وهو عنها غني .

[ ص: 200 ] 12975 - قال : وإن احتاج الغازي في غزوته وهو غني له مال غاب عنه لم يأخذ من الصدقة شيئا واستقرض ، فإذا بلغ بلده أدى ذلك من ماله .

12976 - هذا كله ذكره ابن حبيب ، عن ابن القاسم ، وزعم أن ابن قانع وغيره خالفوه في ذلك .

12977 - وروى أبو زيد وغيره عن ابن القاسم أنه قال في الزكاة : يعطى منها الغازي وإن كان معه في غزاته ما يكفيه من ماله وهو غني في بلده .

12978 - وروى ابن وهب عن مالك أنه يعطى منها الغزاة ومن لزم [ ص: 201 ] مواضع الرباط فقراء كانوا أو أغنياء .

12979 - وذكر عيسى بن دينار في تفسير هذا الحديث قال : تحل الصدقة للغازي في سبيل الله لو احتاج في غزوته وغاب عنه غناه ووبره . ولا تحل لمن كان معه ماله من الغزاة .

12980 - قال عيسى : وتحل لعامل عليها وهو الذي يجمع من عند أرباب المواشي والأموال ، فهذا يعطى منها على قدر سعيه لا على قدر ما جمع من الصدقات والعشور ، ولا ينظر إلى الثمن ، وليس الثمن بفريضة .

12981 - قال : وتحل لغارم غرما قد فدحه وذهب بماله إذا لم يكن [ ص: 202 ] غرمه في فساد ولا دينه في فساد ، مثل أن يستدين في نكاح أو حج أو غير ذلك من وجوه المباح والصلاح .

12982 - وأما الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل ، وسائر أهل العلم فيما علمت فإنهم قالوا : جائر للغازي في سبيل الله إذا ذهب نفقته وماله غائب عنه أن يأخذ من الصدقة ما يبلغه .

12983 - قالوا : والمحتمل بحمالة في بر وإصلاح والمتداين في غير فساد كلاهما يجوز له أداء دينه من الصدقة وإن كان الحميل غنيا فإنه يجوز له أخذ الصدقة إذا وجب عليه أداء ما تحمل به ، وكان ذلك يجحف به .

12984 - قال أبو عمر : من حجة الشافعي ومن ذهب مذهبه فيما وصفنا عنه ظاهر حديث مالك في هذا الباب ، وحديث قبيصة بن المخارق ، وقد ذكرناه بإسناده في " التمهيد " وفيه : لا تحل الصدقة إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب - يعني ما تحمل به - ثم يمسك .

[ ص: 203 ] 12985 - فقوله : " ثم يمسك " دليل على أنه غني ؛ لأن الفقير ليس عليه أن يمسك عن السؤال مع فقره ، ودليل آخر ؛ وهو عطفه ذكر الذي ذهب ماله ، وذكر الفقير ذي الفاقة ، على ذكر صاحب الحمالة ، فدل على أنه لم يذهب ماله ، ولم تصبه فاقة حتى يشهد له بها .

12986 - وقد أجمع العلماء على أن الصدقة تحل لمن عمل عليها وإن كان غنيا ، وكذلك المشتري لها بماله ، الذي تهدى إليه . وإن كانوا أغنياء . وكذلك سائر من ذكر في الحديث ، والله أعلم ; لأن ظاهر الحديث يشبه أن الخمسة تحل لهم الصدقة من بين سائر الأغنياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية