الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 234 ] ( 19 ) باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب

568 - ذكر فيه مالك رحمه الله عن الثقة عنده ، عن سليمان بن يسار ، وعن بسر بن سعيد ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فيما سقت السماء والعيون ، والبعل ; العشر . وفيما سقي بالنضح نصف العشر " .


[ ص: 235 ] 13109 - قال أبو عمر : هذا الحديث وإن كان في " الموطأ " منقطعا وبلاغا فإنه يتصل من وجوه صحاح ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر ، وجابر . ومعاذ ، وأنس . وقد ذكرتها عنهم في [ ص: 236 ] " التمهيد " .

13110 - قال يحيى بن آدم : ( البعل ) : ما كان من الكروم والنخل ، قد ذهبت عروقه في الأرض إلى الماء ، ولا يحتاج إلى السقي الخمس سنين والست يحتمل ترك السقي .

13111 - قال : و ( العثري ) ما يزرع على السحاب ، ويقال له أيضا العثير ؛ لأنه لا يسقى إلا بالمطر خاصة . وفيه جاء الحديث : " ما سقي عثريا أو غيلا " .

13112 - قال : والغيل سيل دون السيل الكثير .

13113 - قال ابن السكيت : الماء الجاري على الكرم ، والغرب الدلو . ومنه الحديث : " فيما سقي بالغرب والنضح " .

13114 - وقال النضر بن شميل : ( البعل ) : ماء المطر . . . ، ثم ذكر نحو قول يحيى بن آدم .

[ ص: 237 ] 13115 - وقال أبو عبيد وغيره : ( البعل ) ؟ ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها .

13116 - وفيه يقول النابغة :

من الواردات الماء بالقاع تستقي بأعجازها قبل استقاء الحناجر



13117 - فإذا سقته السماء فهو عذي .

13118 - قال عبد الله بن رواحة :

هنالك لا أبالي طلع بعل     ولا نخل أسافلها رواء

.

13119 - وما سقته العيون والأنهار فهو سيح وغيل ، والعذي هو العثري . وهذا ينصرف على ثلاثة أوجه : بعل ، وغيل وسقي .

[ ص: 238 ] 13120 - وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما سقت السماء والعيون ، والبعل ؛ العشر .

13121 - فما سقته السماء عيون وعثري وما سقت الأنهار والعيون غيل وسيح وسقي ، والبعل ما شرب بعروقه من ثراء الأرض ، والنضح ما سقي بالسواقي والدلو والدالية ما كان نضحا فمؤنته أشد . ولذلك كان فيه نصف العشر .

13122 - وأجمع العلماء على القول بظاهره في المقدار المأخوذ من الشيء المزكى . وذلك العشر في البعل كله من الحبوب ، وكذلك الثمار التي تجب فيها الزكاة عندهم ، كل على أصله . وكذلك ما سقت العيون والأنهار ؛ لأن المؤنة قليلة . وكذلك أيضا وردت السنة .

13123 - وأما ما سقي بالسواقي والدوالي فنصف العشر فيما تجب الزكاة عندهم ، كل أيضا على أصله ، وسنبين أصولهم فيما فيه الزكاة عندهم في [ ص: 239 ] هذا الباب إن شاء الله .

13124 - واختلفوا في معنى آخر من هذا الحديث فقالت طائفة : هذا الحديث يوجب العشر في كل ما زرعه الآدميون من الحبوب والبقول ، وكل ما أنبتته أشجارهم من الثمار كلها ، قليل ذلك وكثيره ، يؤخذ منه العشر أو نصف العشر على ما في هذا الحديث عند جذاذه وحصاده وقطافه كما قال الله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده ( الأنعام : 141 ) وذلك العشر أو نصف العشر .

13125 - وممن ذهب إلى هذا حماد بن سليمان ، ذكر ذلك عنه : شعبة ، وأبو حنيفة .

13126 - وإليه ذهب أبو حنيفة وزفر في قليل ما تخرجه الأرض أو كثيره إلا الحطب والقصب ، والحشيش .

13127 - وقال أبو يوسف ومحمد : لا شيء فيما تخرجه الأرض إلا ما كان له ثمرة باقية ، ثم تجب فيما يبلغ خمسة أوسق ولا تجب فيما دونها .

13128 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر عن سماك بن الفضل ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز أن يؤخذ مما تنبت الأرض من قليل أو كثير العشر .

[ ص: 240 ] 131290 - واعتبر مالك والثوري وابن أبي ليلى والليث والشافعي وأحمد وإسحاق : خمسة أوسق .

13130 - وقال مالك : الحبوب التي فيها الزكاة : الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والحمص والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان ، وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما تؤخذ منها الصدقة بعد أن تحصد وتصير حبا .

13131 - قال : وفي الزيتون الزكاة .

13132 - وقال الأوزاعي : مضت السنة في الزكاة في التمر والعنب والشعير والسلت والزيتون فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر ، وفيما سقي بالرشاء والناضح نصف العشر .

13133 - وقال الثوري وابن أبي ليلى : ليس في شيء من الزروع والثمار زكاة إلا التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير .

13134 - وهو قول الحسن بن حي .

13135 - وقال الشافعي : إنما تجب الزكاة فيما ييبس ويدخر [ ص: 241 ] ويقتات مأكولا ، ولا شيء في الزيتون ؛ لأنه إدام .

13136 - وقال أبو ثور مثله .

13137 - وقال أبو داود : أما ما يوسق ويجري فيه الكيل فيعتبر فيه خمسة أوسق ولا زكاة فيما دونها ، وأما ما لا يوسق ففي قليله وكثيره ، العشر أو نصف العشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية