الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
624 [ ص: 323 ] ( 26 ) باب اشتراء الصدقة والعود فيها

584 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ; أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول : حملت على فرس عتيق في سبيل الله . وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه . فأردت أن أشتريه منه . وظننت أنه بائعه برخص . فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا تشتره ، وإن أعطاكه بدرهم واحد . فإن العائد في صدقته ، كالكلب يعود في قيئه " .

[ ص: 324 ] 585 - وذكر مثله عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر .


13485 - قال أبو عمر : الفرس العتيق : هو الفاره - عندنا - .

13486 - وقال صاحب العين : عتقت الفرس ، تعتق : إذا سبقت ، وفرس عتيق : رائع .

13487 - وفي هذا الحديث من الفقه : إجازة تحبيس الخيل في سبيل الله .

13488 - وفي حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وأما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله " .

[ ص: 325 ] 13489 - وفيه : أنه من حمل على فرس في سبيل الله ، وغزا به فله أن يفعل فيه بعد ذلك ما يفعل في سائر ماله ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بائعه بيعه ، وأنكر على عمر شراءه . ولذلك قال ابن عمر : إذا بلغت به وادي القرى فشأنك به .

13490 - وقال سعيد بن المسيب : إذا بلغ به رأس مغزاته فهو له .

13491 - ويحتمل أن يكون هذا الفرس ضاع حتى عجز عن اللحاق [ ص: 326 ] بالخيل ، وضعف عن ذلك ، فأجيز له بيعه لذلك .

13492 - ومن أهل العلم من يقول : يضع ثمنه ذلك في فرس عتيق إن وجده وإلا أعان به في مثل ذلك .

13493 - ومنهم من يقول : إنه كسائر ماله إذا غزا عليه .

13494 - وأما اختلاف الفقهاء في هذا المعنى ، فقال مالك : من أعطى فرسا في سبيل الله فقيل له : هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه ، وإن قيل : هو في سبيل الله ركبه ، ورده .

13495 - وقال الشافعي وأبو حنيفة : الفرس المحمول عليها في سبيل الله هي لمن يحمل عليها تمليكا .

13496 - قالوا : وإن قيل له : إذا بلغت به رأس مغزاك ، فهو لك كان تمليكا على مخاطرة ، ولم يجز .

13497 - وقال الليث : من أعطي فرسا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ، ثم يصنع به ما شاء ، إلا أن يكون حبسا فلا يباع .

13498 - وقال عبيد الله بن الحسن : إذا قال : هو لك في سبيل الله فرجع به ، رده حتى يجعله في سبيل الله .

13499 - وفي هذا الحديث أيضا : أن كل من يجوز تصرفه في ماله ، وبيعه ، وشرائه ، فجائز له بيع ما شاء من ماله بما شاء من قليل الثمن وكثيره ، [ ص: 327 ] كان ، مما يتغابن الناس به ، أو لم يكن إذا كان ذلك ماله ، ولم يكن وكيلا ولا وصيا لقوله عليه السلام في هذا الحديث : " ولو أعطاكه بدرهم " .

13500 - وكان أبو محمد عبد الله بن إبراهيم يحكي عن أبي بكر الأبهري أنه كان يقول بفسخ البيع فيما كان فيه التغابن بأقل من ثلث المال ، وهذا لا يقر به المالكيون عندنا .

13501 - واختلف الفقهاء في كراهية شراء الرجل صدقته : الفرض والتطوع ، إذا أخرجها عن يده لوجهها ، ثم أراد شراءها من الذي صارت إليه :

التالي السابق


الخدمات العلمية