الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
626 [ ص: 332 ] ( 27 ) باب من تجب عليه زكاة الفطر

586 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ; أن عبد الله بن عمر كان يخرج [ ص: 333 ] زكاة الفطر عن غلمانه بوادي القرى وبخيبر .

587 - وذكر أن الرجل يلزمه زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته وعن مكاتبه وعن مدبره ورقيقه غائبهم وشاهدهم للتجارة كانوا أو لغير تجارة إذا كان مسلما .


13518 - قال أبو عمر : اختلف الفقهاء فيمن تلزم السيد زكاة الفطر عنه من عبيده الكفار وغيرهم والغائب منهم والحاضر .

13519 - فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور : ليس على أحد أن يؤدي عن عبده الكافر صدقة الفطر ؛ وإنما هي على من صام وصلى .

13520 - وهو قول سعيد بن المسيب والحسن .

13521 - وحجتهما قوله عليه السلام في حديث ابن عمر : " من المسلمين " . فدل أن حديث الكفار بخلاف ذلك .

13522 - وقال الثوري وسائر الكوفيين : عليه أن يؤدي زكاة الفطر عن عبده الكافر .

13523 - وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعمر بن عبد [ ص: 334 ] العزيز ، والنخعي .

13524 - وروي ذلك عن أبي هريرة ، وابن عمر .

13525 - ولا يصح - والله أعلم - عندي عن ابن عمر ؛ لأن الذي يروي مالك عن نافع ، عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على الحر والعبد ، على الذكر والأنثى من المسلمين . فكيف يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ويوجب زكاة الفطر عن الكافر ؟ هذا يبعد .

13526 - إلا أن قول مالك في هذا الحديث " من المسلمين " قد خالفه فيه غيره من حفاظ حديث نافع ; وسنذكر ذلك عند ذكر مالك لهذا الحديث في أول باب مكيلة زكاة الفطر ، إن شاء الله .

13527 - واحتج الطحاوي للكوفيين في إجازة زكاة الفطر على العبد الكافر بأن قوله عليه السلام : " من المسلمين " يعني من تلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره ، ولا يكون إلا مسلما ، فأما العبد فلا يدخل في هذا الحديث ؛ لأنه لا يملك شيئا ولا يقضي عليه شيء ؛ وإنما أريد بالحديث ملك العبد ، فأما العبد فلا حرمة في نفسه لزكاة الفطر .

13528 - ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يعتق قبل أن يؤدي عنه سيده زكاة الفطر أنه لا تلزمه إذا ملك بعد ذلك مالا إخراجها عن نفسه ، كما [ ص: 335 ] يلزمه إخراج كفارة ما حنث فيه من الأيمان ، فهو عند رأيه لا يكفرها بصيام ، ولو لزمته صدقة الفطر لأداها عن نفسه بعد عتقه .

13529 - قال أبو عمر : قوله عليه السلام : " من المسلمين " . يقضي لمالك والشافعي ، وهذا القضاء أيضا لأنها طهرة للمسلم وتزكية ، وهو سبيل الواجبات من الصدقات ، والكافر لا يتزكى فلا وجه لأدائها عنه .

13530 - أخبرنا أحمد بن محمد ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا مطرف بن عبد الرحمن ، حدثنا يحيى بن بكير ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر من المسلمين " .

13531 - وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي زهير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر " صاع من بر عن كل اثنين ، أو صاع من شعير عن كل واحد صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه " .

[ ص: 336 ] 13532 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة الصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين . . . ، وذكر تمام الخبر .

13533 - فهذه الآثار كلها تشهد بصحة من قال : إن زكاة الفطر لا تكون إلا عن مسلم ، والله أعلم .

13534 - وقال أبو ثور : يؤدي العبد عن نفسه إن كان له مال .

13535 - وهو قول عطاء وداود .

13536 - وقال مالك : يؤدي الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه .

13537 - وهو قول عطاء ، وبه قال أبو ثور .

13538 - وحجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من أصحابه : " المكاتب عبد ما بقي عليه شيء " .

13539 - وقال الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : الزكاة عليه في مكاتبه ؛ لأنه لا ينفق عليه ، ومما انفرد بكسبه دون المولى ولا [ ص: 337 ] سبيل لمولاه إلى أخذ شيء من ماله غير أنجم كتابه ، وجائز له أخذ الصدقة وإن كان مولاه غنيا .

13540 - وكان عبد الله بن عمر يخرج زكاة الفطر عن عبيده ، ولا يخرجها عن مكاتبيه ، ولا مخالف له من الصحابة .

13541 - وقال الشافعي : ولا يؤدي المكاتب عن نفسه .

13542 - واختلفوا في عبيد التجارة .

13543 - فذهب مالك والشافعي والأوزاعي إلى أن في عبيد التجارة زكاة الفطر .

13544 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .

13545 - وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " على كل حر وعبد " ، وهو على عمومه في كل العبيد إذا ما استثنى في الحديث " من المسلمين " .

13546 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وعبيد الله بن الحسن العنبري : ليس في عبيد التجارة صدقة الفطر .

[ ص: 338 ] 13547 - وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وإبراهيم النخعي .

13548 - ولم يختلفوا في المدبر أن على السيد زكاة الفطر عنه . إلا أبا ثور وداود فهما على أصلهما في أن زكاة الفطر على العبد دون سيده عندهما .

13549 - واختلفوا في العبد الغائب عن سيده ، هل عليه فيه زكاة الفطر آبقا كان أو مغصوبا ؟

13550 - فقال مالك : إذا كانت غيبة الآبق قريبة علمت حياته أو لم تعلم يخرج عنه سيده زكاة الفطر إذا كانت رجعته يرجى وترجى حياته ولم يعلم موته .

13551 - قال : فإن كانت غيبته وإباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه .

13552 - وقال الشافعية تؤدى زكاة الفطر عن المغصوب والآبق وإن لم ترج رجعتهم إذا علمت حياتهم ، فإن لم تعلم حياتهم فلا .

13553 - وهو قول أبي ثور وزفر .

[ ص: 339 ] 13554 - وقال أبو حنيفة في العبد الآبق والمغصوب : ليس على مولاه فيه زكاة الفطر .

13555 - وهو قول الثوري وعطاء .

13556 - وروى أنس بن عمر عن أبي حنيفة أن عليه في الآبق صدقة الفطر .

13557 - وقال الأوزاعي : إذا علمت حياة العبد أديت عنه زكاة الفطر ، وإن كان في دار الإسلام .

13558 - وقال الزهري : إن علم مكان الآبق أدي عنه زكاة الفطر .

13559 - وبه قال أحمد بن حنبل .

13560 - واختلفوا في العبد المرهون ، فمذهب مالك والشافعي أن يؤدي عنه زكاة الفطر .

13561 - وهو قول أبي ثور .

13562 - وقال أبو حنيفة : إن كان عند الراهن وفاء بالدين الذي رهن فيه عبده ، وفضل مائتي درهم زكى عنه زكاة الفطر ، وإن لم يكن عنده فلا شيء عليه .

13563 - واختلفوا في العبد يكون بين الشريكين ، فقال مالك والشافعي : يؤدي كل واحد منهما عنه من زكاة الفطر بقدر ما يملك .

[ ص: 340 ] 13564 - وهو قول محمد بن الحسن .

13565 - وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والثوري والحسن بن حي : ليس على واحد منهما فيه صدقة الفطر .

13566 - وهو قول الحسن وعكرمة .

13567 - واختلفوا أيضا في العبد المعتق بعضه ، فقال مالك : يؤدي السيد عن نصفه المملوك ، وليس على العبد أن يؤدي عن نصفه الحر .

13568 - وقال عبد الملك بن الماجشون : على السيد أن يؤدي عنه صاعا كاملا .

13569 - وقال الشافعي : يؤدي السيد عن النصف المملوك ويؤدي العبد عن نصفه الحر .

13570 - وبه قال محمد بن سلمة ، قال : يؤدي عن نفسه بقدر حريته . قال : فإن لم يكن للعبد مال رأيت لسيده أن يزكي عنه .

13571 - وقال أبو حنيفة : ليس على السيد أن يؤدي عما ملك من العبد إلا أن يملكه كله ، ولا على العبد أن يؤدي عن نفسه لما فيه من الحرية .

13572 - وقال أبو ثور ، ومحمد بن الحسن : على العبد أن يؤدي عن نفسه زكاة الفطر ، وهو بمنزلة العبد إذا عتق نصفه وكأنه قد عتق كله .

13573 - واختلفوا في العبد يباع بالخيار ، فقال مالك : يؤدي عنه البائع .

[ ص: 341 ] 13574 - وقال الشافعي إن كان الخيار للبائع وأنفذ البيع فإنه يؤدي عنه البائع ، وإن كان الخيار للمشتري أو لهما فعلى المشتري .

13575 - وقال أبو حنيفة : إذا كان أحدهما بالخيار فصدقة الفطر عن العبد على من يصير إليه .

13576 - وقال زفر : الزكاة على من له الخيار فسخ أو أجاز .

13577 - واختلفوا في العبد الموصى برقبته لرجل ولآخر بخدمته ، فقال عبد الملك بن الماجشون : الزكاة عنه على من جعلت له الخدمة إذا كان زمانا طويلا .

13578 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأبو ثور : زكاة الفطر عنه على مالك رقبته .

13579 - واختلفوا في عبيد العبيد .

13580 - فقال مالك : ليس عليه في عبيد عبيده صدقة الفطر . وهو الأمر عندنا .

13581 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي : صدقة الفطر عنهم على السيد الأعلى .

[ ص: 342 ] 13582 - وقال الليث بن سعد : يخرج عن عبيد عبيده زكاة الفطر ولا يؤدي عن مال عبده الزكاة .

13583 - وأما قول مالك أن الرجل يلزمه زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته ،

فقد وافقه على ذلك : الشافعي ، وقولهما جميعا : أن زكاة الفطر تلزم الرجل في كل من تجب عليه نفقته ، من غير أن يكون له تركها ، وذلك من تلزمه نفقته بسبب كالأبناء الفقراء ، والآباء الفقراء .

13584 - إلا أن مالكا لا يرى النفقة على الابن البالغ وإن كان فقيرا .

13585 - والشافعي يرى النفقة على الأبناء الصغار والكبار والزمنى ، والنفقة على الآباء الفقراء والأمهات ، وكذلك من تلزمه عندهما نفقته بنكاح كالزوجات ، وملك اليمين كالإماء والعبيد .

13586 - وذكر ابن عبد الحكم عن مالك أنه قال : ليس عليه في رقيق امرأته زكاة الفطر إلا من كان يخدمه وذلك واحد لا زيادة .

13587 - وقال ابن وهب عن الليث ، عن يحيى بن سعيد : يؤدي الرجل عن أهله ورقيقه ، ولا يؤدي عن الأجير ، ولكن الأجير المسلم يؤدي عن نفسه .

[ ص: 343 ] 13588 - وهو قول ربيعة .

13589 - وقال الليث : إذا كانت إجارة الأجر معلومة فليس عليه أن يؤدي عنه ، وإن كانت يده مع يده ، وينفق عليه ويكسوه أدى عنه .

13590 - قال الليث : وليس عليه أن يؤدي عن رقيق امرأته .

13591 - وأما اختلافهم في الزوجة ، فقال مالك ، والشافعي ، والليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : على زوجها أن يخرج عنها زكاة الفطر ، واجبة عليه عنها وعن كل من يمون ممن تلزمه نفقته .

13592 - وهو قول ابن علية أنها واجبة على الرجل في كل من يمون ممن تلزمه نفقته .

13593 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : ليس على الزوج أن يؤدي عن زوجته ولا عن خادمها زكاة الفطر ، وعليها أن تؤدي ذلك عن نفسها وخادمها .

13594 - قالوا : وليس على أحد أن يؤدي إلا عن ولده الصغير وعبده .

13595 - قال أبو عمر : قد أجمعوا أن عليه أن يؤدي عن ابنه الصغير إذا لزمته نفقته فصار أصلا يجب القياس ورد ما اختلفوا فيه إليه ، فوجب في ذلك أن تجب عليه في كل من تلزمه نفقته ، وبالله التوفيق .

13596 - وقد ناقض الكوفيون في الصغير ؛ لأن معنى قول ابن عمر [ ص: 344 ] عندهم : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى ، الصغير والكبير ، الحر والعبد ; يعنون كلا عن نفسه ، وهذه مناقضة في الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية