الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
633 18 - كتاب الصيام

[ ص: 7 ] ( 1 ) باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان

593 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان ، فقال : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له " .

594 - وعن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 8 ] مثله .

595 - وعن ثور بن زيد الديلي ، عن عبد الله بن عباس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان ، فقال : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدد ( العدة ) ثلاثين " .


13716 - وهذا الحديث محفوظ لعكرمة ، عن ابن عباس ، وقد أوضحنا في " التمهيد " ، حال عكرمة ، ولم ترك مالك ذكره من هذا الموضع من كتابه ; إن كان كما ظن من زعم أن مالكا طرح اسمه من كتابه للذي بلغه فيه عن سعيد بن المسيب .

[ ص: 9 ] 13717 - وما أدري صحة ذلك ; لأنه ذكره في كتاب الحج من " الموطأ " ، وفي ذلك ما يوهن قول من قال : إنه قد طرح ذكر اسمه من كتابه ، والله أعلم .

[ ص: 10 ] 13718 - والذي أوجب قول القائل ، ما ذكرناه - والله أعلم - ، ما رويناه عن مالك أنه قيل له : أبلغك أن عبد الله بن عمر قال لنافع : يا نافع ، لا تكذب علي كما [ ص: 11 ] [ ص: 12 ] [ ص: 13 ] كذب عكرمة على ابن عباس .

13719 - قال أبو عمر : جعل مالك - رحمه الله - حديث ابن عباس بعد حديث ابن عمر ; لأنه عنده مفسر له ، ومبين لمعنى قوله : " فاقدروا له " في حديث ابن عمر .

13720 - وكان ابن عمر يذهب في معنى قوله : " فاقدروا " مذهبا خلافا لما ذهب إليه مالك في ذلك ، والذي ذهب إليه مالك هو الذي عليه جمهور العلماء ، [ ص: 14 ] وهو الصحيح ، وسنبين ذلك كله في هذا الباب بعون الله وفضله .

13721 - وما رواه ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " وقد رواه : أبو هريرة ، وأبو بكرة ، وحذيفة ، وطلق الحنفي ، وغيرهم .

[ ص: 15 ] 13722 - ولم يرو أحد - فيما علمت - " فاقدروا له " إلا ابن عمر وحده .

13723 - على أن عبد الرزاق قد روى عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهلال رمضان : " إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما " .

13724 - ولم يقل مالك ، ولا عبيد الله بن عمر ، عن نافع في هذا الحديث : " ثلاثين يوما " .

13725 - ورواه ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر بلفظ حديث ابن عباس : " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .

13726 - والذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان ، واليقين في ذلك رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما ، وكذلك لا يقضي بخروج رمضان إلا يقين مثله .

13727 - قال الله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185 ] يريد - والله أعلم - : ومن علم منكم بدخول الشهر علم يقين فليصمه ، والعلم اليقين : الرؤية الصحيحة الفاشية الظاهرة أو إكمال العدد .

[ ص: 16 ] 13728 - وكذلك في الشريعة أيضا ، شهادة عدلين أنهما رأيا الهلال ليلة الثلاثين ، فيصبح بذلك أن الشهر الماضي من تسع وعشرين .

13729 - وهذا عند بعضهم إذا لم تكن في السماء علة ، فهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فاقدروا له " عند أكثر أهل العلم .

13730 - ولا خلاف أن الشهر العربي قد يكون ثلاثين يوما ويكون تسعة وعشرين .

13731 - وأما ابن عمر فله مذهب ذهب إليه في تأويل ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " فاقدروا له " وذلك أنه كان يقول : إذا لم ير هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان وكان صحوا ; فلا صيام لرمضان ، وإن لم يكن صحوا وكان في السماء غيم أصبح الناس صائمين ، وأجزأهم من رمضان - إن ثبت بعد - أن الشهر كان من تسع وعشرين .

13732 - وإلى هذا ذهب طاوس اليماني ، وأحمد بن حنبل .

13733 - وروي مثل ذلك عن عائشة ، وأسماء ابنتي أبي بكر - رضوان الله عليهم .

13734 - وما أعلم أحدا ذهب مذهب ابن عمر في ذلك غيرهم .

13735 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : [ ص: 17 ] حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد .

13736 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن الجهيم ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، قالا : حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واللفظ لحديث قاسم والمعنى سواء - : " إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له " . 13737 - قال نافع : فكان عبد الله بن عمر يبعث مساء ليلة ثلاثين يوما من شعبان من ينظر له الهلال ، فإن كان صحوا ورأوه صام ، وإن لم يروه لم يصم . وإن حال دونه سحاب أو قتر أصبح صائما .

13838 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه إذا كان سحاب أصبح صائما ، وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا .

13739 - وعن معمر ، عن ابن طاوس ، عن معمر مثله .

13740 - وقال أحمد بن حنبل : صيام يوم الشك واجب ، وهو يجزئ من رمضان إن ثبت أنه من رمضان .

13741 - وقال أهل اللغة : قوله عليه السلام " فاقدروا له " كقوله قدروا له ، يقال منه : قدرت وقدرت وأقدرته .

[ ص: 18 ] 13742 - وقال ابن قتيبة في قوله : " اقدروا له " : أي قدروا الشهر بالمنازل ، يعني منازل القمر .

13743 - قال أبو عمر : قد كان بعض كبار التابعين - فيما ذكر محمد بن سيرين - ذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ، ومنازل القمر ، وطريق الحساب .

13744 - قال ابن سيرين : كان أفضل له لو لم يفعل .

13745 - قال أبو عمر : قيل إنه مطرف بن عبد الله بن الشخير - والله أعلم - وكان مطرف ، من جلة تابعي البصرة العلماء الفضلاء الحلماء .

13746 - وقد حكى ابن سريج ، عن الشافعي أنه قال : من كان مذهبه [ ص: 19 ] الاستدلال بالنجوم ، ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ، ويجزئه .

137747 - قال أبو عمر : الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية ، أو شهادة عادلة ، أو إكمال شعبان ثلاثين يوما ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .

13748 - وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز ، والعراق ، والشام ، والمغرب ، منهم : مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وعامة أهل الحديث إلا أحمد بن حنبل ، ومن قال منهم بقوله .

13749 - وسيأتي القول في صيام يوم الشك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية