الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
61 52 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن حمران مولى عثمان بن عفان ؛ أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد . فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر . فدعا بماء فتوضأ . ثم قال : والله لأحدثنكم حديثا ، لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه . ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من امرئ يتوضأ ، فيحسن وضوءه ، ثم يصلي الصلاة ، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها " . [ ص: 186 ] قال مالك : أراه يريد هذه الآية : " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " [ هود : 14 ] .


1963 - حمران مولى عثمان بن عفان هو حمران بن أبان بن النمر بن قاسط بن عم صهيب .

[ ص: 187 ] 1964 - وقد ذكرنا نسبه عند ذكر هذا الحديث من " التمهيد " ، وكان من سبي عين التمر ، وهو أول سبي قدم المدينة في زمان أبي بكر الصديق ، وسباه خالد بن الوليد .

1965 - وقد ذكرنا خبر حمران مستوعبا في التمهيد .

1966 - وكان أحد العلماء الجلة ، روى عنه كبار التابعين بالحجاز والعراق وقد ذكرناهم في التمهيد .

1967 - وهكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته ، ليس فيه صفة الوضوء ثلاثا ولا اثنتين .

1968 - وقد رواه جماعة عن هشام بن عروة بإسناده هذا ، فذكروا فيه صفة الوضوء ، والمضمضة ، والاستنثار ، وغسل الوجه واليدين ثلاثا ، واختلفوا في ألفاظه والمعنى واحد ، فمنهم شعبة وأبو أسامة وابن عيينة ، ورواه عن عروة أيضا جماعة ذكروا فيه أن النبي - عليه السلام - توضأ ثلاثا ، منهم أبو الزناد ، وأبو الأسود ، وعبد الله بن أبي بكرة .

[ ص: 188 ] 1969 - حدثنا سفيان بن نصر ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي ، قال حدثنا سفيان ، قال حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن حمران ، قال : توضأ عثمان بن عفان ثلاثا ثلاثا ، قال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها " .

1970 - المقاعد : مصاطب حول المسجد كان يقعد عليها عثمان ، وقيل : بل كانت حجارة بقرب دار عثمان يقعد بها مع الناس .

1971 - وإنما كان الخلفاء يحتاجون إلى الإذن بالصلاة مع الأذان لما كانوا فيه من الشغل بأمور المسلمين .

1972 - وفي هذا الحديث من الفقه تقديم كتاب الله ومعانيه في طلب الحجة ورواية من روى : لولا أنه في كتاب الله - هو يحيى - معناه لولا أن تصديقه في كتاب الله ، والله أعلم .

1973 - وتأول مالك ذلك على الآية التي ذكر قوله تعالى : " إن الحسنات يذهبن السيئات :

1974 - وقد روي عن عروة في ذلك أنه قال : معنى قوله تعالى : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " ، الآية . وقال : بكلا الوجهين جماعة العلماء .

[ ص: 189 ] 1975 - ورواية ابن بكير وطائفة : لولا أنه في كتاب الله . وروايته أيضا محتملة للوجهين جميعا .

1976 - وفي هذا الحديث أيضا أن الصلاة تكفر الذنوب ، وهو تأويل قوله : " إن الحسنات يذهبن السيئات " على ما نزع به مالك .

1977 - والقول في ذلك عندي كالقول في قوله - عليه السلام - : " الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر " ؛ لأن الكبائر لا يمحوها إلا التوبة منها . وقد افترضها تعالى على كل مذنب بقوله : " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون " [ النور : 31 ] .

1978 - والفرائض أيضا لا تؤدى إلا بقصد وإرادة ونية صادقة .

1979 - وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد ، وذكرنا هناك حديث ابن عباس عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " لم أر شيئا أحسن طلبا ولا أحسن إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم " ، ثم قرأ : " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " .

التالي السابق


الخدمات العلمية