الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
14519 - وأما قول مالك في الذي يريد أن يخرج في رمضان مسافرا فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج ، فإنه يصوم ذلك اليوم .


فإن العلماء اختلفوا في الذي يصبح في الحضر صائما في رمضان ثم سافر في صبيحة يومه ، وذلك هل له أن يفطر في ذلك اليوم في سفره أم لا ؟ .

14020 - فذهب مالك ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي : إلى أنه لا يفطر ذلك اليوم .

14021 - وهو قول الزهري ، ويحيى بن سعيد ، والأوزاعي ، وابن ثور .

14022 - وكلهم قالوا : إن أفطر بعد خروجه ذلك اليوم فليس عليه إلا القضاء .

[ ص: 87 ] 14023 - وروي عن المخزومي ، وابن كنانة ، أنه يقضي ، ويكفر ، وليس قولهما هذا بشيء ، ولا له حظ من النظر ولا سلف من جهة الأثر .

14024 - وروي عن ابن عمر في هذه المسألة أنه يفطر في يومه ذلك إن شاء إذا خرج مسافرا .

14025 - وهو قول الشعبي ، وأحمد ، وإسحاق .

14026 - قال أحمد : يفطر إذا برز عن البيوت .

14027 - وقال إسحاق : يفطر حين يضع رجله في الرحل .

[ ص: 88 ] 14028 - وهو قول داود .

14029 - وروي عن الحسن في رواية أنه لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش ، فإن خاف على نفسه أفطر .

14030 - وقال إبراهيم النخعي : لا يفطر ذلك اليوم .

14031 - ولم يختلف عن مالك في الذي يريد السفر ، أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج .

14032 - واختلف أصحابه في إن أفطر قبل أن يخرج .

14033 - فذكر ابن سحنون ، عن ابن الماجشون ، أنه إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة ، وإن لم يسافر فعليه الكفارة .

14034 - واحتج بما روي عن الحسن البصري ، قال : يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج .

14035 - وقال أشهب : لا شيء عليه من الكفارة ، سافر أو لم يسافر .

14036 - وقال سحنون : عليه الكفارة ، سافر أو لم يسافر ، وهو بمنزلة المرأة تقول : غدا تأتيني حيضتي ، فتفطر لذلك . ثم رجع إلى قول عبد الملك ، وقال : ليس مثل المرأة ; لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء ، والمرأة لا تحدث الحيضة .

14037 - قال ابن حبيب : إن كان قد تأهب لسفره ، وأخذ في سبب الحركة فلا شيء عليه .

14038 - وحكي ذلك عن أصبغ ، وابن الماجشون .

[ ص: 89 ] 14039 - فإن عاقه عن السفر عائق ; كان عليه الكفارة .

14040 - قال أبو عمر : هذا ضعف من الذي قاله ; لأنه إن كانت حركته لسفر ، وتأهبه يبيح له الفطر ، وحكمه في ذلك حكم المسافر ، وقد وقع أكله مباحا ، وعذره قائم بالعائق المانع - فلا وجه للكفارة هنا ولا معنى .

14041 - وروى عيسى عن ابن القاصم ، أنه لا كفارة عليه ; لأنه متأول في فطره .

14042 - قال أبو عمر : هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة ; لأنه غير منتهك لحرمة الصوم ، وإنما هو متأول ، ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة ; لأنه كان قبل خروجه - ما أسقطها عنه خروجه . وتأمل ذلك تجده كذلك إن شاء الله .

14043 - وقد روى إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا عيسى بن ميناء قالون ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن المنكدر ، عن محمد بن كعب ، قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان ، وهو يريد سفرا فأكل ، فقلت له : سنة ؟ فلا أحسبه إلا قال : نعم .

14044 - قال : وحدثنا علي بن المديني ، قال : حدثنا أبي ، عن زيد بن أسلم بإسناده مثله ، وقال : قلت له : سنة ؟ فقال : نعم . ثم ركب .

14045 - قال : وحدثنا به علي بن المديني ، وإبراهيم بن قرة ، عن الدراوردي ، عن زيد بن أسلم بإسناده ، وقال فيه : قلت له : سنة ؟ قال : لا ، ثم ركب .

14046 - واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر ; لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية ، وإنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره أو الأخذ في أهبته . وليست النية في السفر كالنية في الإقامة ; لأن المسافر إذا نوى الإقامة [ ص: 90 ] كان مقيما في الحين ، لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل ، والمقيم إذا نوى السفر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في سفره ويبرز عن الحضر ، فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر ، إلا من جعل تأهبه للسفر وعمله فيه كالسفر والبروز عن الحضر لزمه أن لا يجب عليه في أكله قبل خروجه .

14047 - وقد أجمعوا أنه لو مشى في سفره حتى تغيب بيوت القرية والمصر ، فنزل ، فأكل ، ثم عاقه عائق عن النهوض في ذلك السفر - لم تلزمه كفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية