الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
668 [ ص: 142 ] ( 12 ) باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر

628 - ذكر فيه مالك ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ، ويوم الأضحى .

629 - وذكر أنه سمع أهل العلم يقولون : لا بأس بصيام الدهر ، إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها ، وهي أيام منى ، ويوم الأضحى ، ويوم الفطر ، فيما بلغنا . قال : وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك .


14302 - قال أبو عمر : صيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز على حال من الأحوال : لا لمتطوع ، ولا لناذر ، ولا لقاض ، فرضا أن يصومهما ، ولا لمتمتع لا يجد هديا ، ولا يأخذ من الناس .

[ ص: 143 ] 14303 - وهما يومان حرام صيامهما ، فمن نذر صيام واحد منهما فقد نذر معصية ، وقد قال رسول الله : " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " .

14304 - ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه ، أو صياما بعينه مثل سنة بعينها ، فوافق هذا اليوم فطرا أو أضحى ، فأجمعوا أنه لا يصومها ، واختلفوا في قضائها .

14305 - ففي أحد قولي الشافعي ، وزفر بن الهذيل ، وجماعة : ليس عليه قضاؤها .

[ ص: 144 ] 14306 - وهو قول ابن كنانة صاحب مالك .

14307 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يقضيهما .

14308 - وهو قول الحسن بن حي ، والأوزاعي ، وآخر قولي الشافعي .

14309 - وروي عن الأوزاعي ، أنه يقضيهما ، إلا أن ينوي أن لا يقضيهما ، ولا يصومهما .

14310 - واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه .

14311 - ( أحدها ) ، أنه لا يقضيهما .

14312 - ( والآخر ) ، أنه يقضيهما إلا أن يكون نوى أن لا يقضيهما .

[ ص: 145 ] 14313 - ( والثالث ) ، أنه لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما .

14314 - وروى الرواية الأولى ابن وهب عنه ، والروايتان الأخريان رواهما : ابن وهب ، وابن القاسم ، عنه .

14315 - قال ابن القاسم : قوله : " لا قضاء عليه إلا أن ينوي أن يقضيهما " أحب إلي .

14316 - فأما آخر أيام التشريق الذي ليس فيه ذبح عنده فإنه يصومه ولا يدعه .

14317 - وقال الليث بن سعد فيمن جعل على نفسه صيام سنة - أنه يجعل على نفسه صيام ثلاثة عشر شهرا لمكان رمضان ، ويومين لمكان الفطر والأضحى ، ويصوم أيام التشريق .

14318 - وقال : المرأة في ذلك مثل الرجل ، وتقضي أيام الحيض .

14319 - وروي عنه فيمن نذر صيام الاثنين والخميس فوافق ذلك الفطر والأضحى ، أنه يفطر ولا قضاء عليه .

14320 - وهذا خلاف الأول ، إلا أني أحسب أنه جعل الاثنين والخميس كمن نذر صوم سنة بعينها ، والجواب الأول في سنة بغير عينها .

14321 - قال أبو عمر : القياس أن لا قضاء في ذلك ; لأن من نذر صيام يوم بعينه أبدا لا يخلو أن يدخل يوم الفطر والأضحى في نذره أو لا يدخل ; فإن دخل في نذره فلا يلزمه ؛ لأن من قصد إلى نذر صومه لم يلزمه ، ونذره ذلك باطل . ومن لم يدخل في نذره فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه .

[ ص: 146 ] 14322 - وعلى ما ذكرنا يسقط الاعتكاف عمن نذره يوم الفطر ويوم النحر عند من يقول : لا اعتكاف إلا بصوم .

14323 - وأما صيام الدهر لمن أفطر الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصيامها ، فمباح عند أكثر العلماء ، إلا أن الصيام عمل من أعمال البر ، وفضله معلوم ، وفي نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام أيام ذكرها على إباحة ما سواها ، والله أعلم .

14324 - وقد كره بعض أهل العلم صيام الدهر لحديث أبي قتادة [ ص: 147 ] وغيره ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن صيام الدهر ؟ فقال : " من فعل ذلك فلا صام ولا أفطر "

14325 - ويروى : " لا صام ولا أفطر " .

14326 - " أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما .

[ ص: 148 ] 14327 - وهذا عندي على الاختيار - والله أعلم - لا على شيء يلزم .

التالي السابق


الخدمات العلمية