الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
676 [ ص: 174 ] ( 17 ) باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات

636 - ذكر فيه مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أخيه خالد بن أسلم ، أن عمر بن الخطاب أفطر ذات يوم في رمضان في ذي غيم ، ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس . فجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين . طلعت الشمس ، فقال عمر : الخطب يسير . وقد اجتهدنا .

14423 - قال مالك : يريد بقوله : " الخطب يسير " القضاء - فيما نرى - والله أعلم . وخفة مؤونته ويسارته ، يقول : نصوم يوما مكانه .


14424 - قال أبو عمر : ما تأوله مالك - رحمه الله - عمل عمر رضوان الله عليه ، فقد روي عن عمر من أهل الحجاز وأهل العراق أيضا .

14425 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : حدثني زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : أفطر الناس في شهر رمضان في يوم مغيم ، ثم نظر ناظر ، فإذا الشمس ، [ ص: 175 ] فقال عمر : الخطب يسير ، وقد اجتهدنا ، نقضي يوما مكانه .

14426 - قال ابن جريج : فهذا الحديث عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، ولم يقل : عن أخيه .

14427 - وروى الثوري ، عن جبلة بن سحيم ، عن علي بن حنظلة ، عن أبيه أنه شهد عمر . . . فذكر هذه القصة . وقال : يا هؤلاء ! من كان أفطر فإن قضاء يوم يسير ، ومن لم يكن أفطر فليتم صومه .

14428 - وروى معمر ، عن الأعمش عن زيد بن وهب ، قال : أفطر الناس في زمان عمر ، فرأيت عساسا أخرجت من بيت حفصة فشربوا في رمضان ، ثم طلعت الشمس من سحاب ، فكأن ذلك شق على الناس ، وقالوا : أنقضي هذا اليوم ؟ فقال عمر : ولم تقضي ؟ والله ما تجانفنا الإثم .

14429 - قال أبو عمر : فهذا خلاف عن عمر في هذه المسألة ، والرواية الأولى أولى بالصائم إن شاء الله .

14430 - وممن قال لا يقضي : هشام بن عروة ، وداود بن علي .

14431 - والجمهور على القضاء .

14432 - وأما مالك : فيقضي عنده قياسا على الناسي عنده .

[ ص: 176 ] 14433 - قال مالك فيمن أكل قبل غروب الشمس وهو يظنها قد غابت ، أو أكل بعد الفجر وهو يظنه لم يطلع . قال : فإن كان نظر غامضا فيه فلا شيء عليه ، وإن كان واجب فعليه القضاء .

14434 - وقال الكوفيون ، والشافعي ، والثوري ، وابن سعد : إذا تسحر بعد طلوع الفجر أو أكل قبل غروب الشمس فعليه القضاء .

14435 - قال أبو عمر : الدليل على صحة من قال : " يقضي اليوم " إجماعه على أنه لو غم هلال رمضان ، فأفطروا ، ثم قامت الحجة برؤية الهلال - أن عليهم القضاء بعد إتمام صومهم يومهم .

14436 - وأما اختلافهم في من أكل وهو شاك في الفجر ، فقال مالك : أكره أن يأكل إذا شك ، فإن أكل فعليه القضاء ، أرى أن يقضي يوما مكانه ، فإن كان عليه فقد قضاه وإن لم يكن عليه فقد أجر إن شاء الله .

14437 - وقال الثوري : يتسحر ما شك في الفجر حتى يرى الفجر .

14438 - وقال الشافعي ، وعبيد الله بن الحسن : لا يأكل إذا شك ، فإن أكل فلا شيء عليه .

14439 - وقال الأوزاعي : إذا شك الرجل فلم ير ، وأكل في الفجر أم في الليل فلا شيء عليه .

14440 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن كان أكثر رأيه أنه أكل بعد طلوع الفجر فأوجب أن يقضي .

[ ص: 177 ] 14441 - قال أبو عمر : قول الشافعي ومن تابعه قول احتياط ; لأنه قد نهاه عن الأكل مع الشك خوفا أن يواقع ما لا يحل من الأكل بعد الفجر ، ولم ير عليه قضاء ، لأنه لم يبن له أنه أكل بعد الفجر ، وإيجاب القضاء إيجاب فرض ، فلا ينبغي أن يكون إلا بيقين .

14442 - واحتج بعض أصحابنا لمالك بأن الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار ، وذلك لا يكون إلا بتقدم شيء وإن قل من السحر وآخر شيء من الليل .

14443 - قال أبو عمر : هذا التزام لصوم ما لم يأمر الله بصيامه مع مخالفة الآثار في تعجيل الفطر وتأخير السحور ، وهي متواترة صحاح .

14444 - وقول الثوري من الفقه .

14445 - وقول الله عز وجل : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) [ البقرة : 187 ] فلم يمنعهم من الأكل حتى يستبين لهم الفجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية