الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
681 641 - وفي هذا الباب ذكر مالك عن حميد بن قيس المكي ، أنه أخبره قال : كنت مع مجاهد وهو يطوف بالبيت ، فجاءه إنسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها ؟ قال حميد : فقلت له : نعم . يقطعها إن شاء . قال : مجاهد : لا يقطعها ؛ فإنها في قراءة أبي بن كعب " ثلاثة أيام متتابعات " .

قال مالك : وأحب إلي أن يكون ما سمى الله في القرآن يصام متتابعا .


14500 - قال أبو عمر : في هذا الحديث جواب المتعلم بين يدي المعلم أنه لا [ ص: 190 ] حرج عليه في ذلك ، وحسب الشيخ إن كان عنده علم بذلك أخبر به ، ونبه عليه ، فأفاد ولم يعنف .

14501 - ويجب بدليل هذا الخبر أيضا أن من رد على غيره قوله كان دونه أو مثله أو فوقه - أن يأتي بحجة أو وجه يبين به فضل قوله لموضع الخلاف .

14502 - وفيه جواز الاحتجاج من القراءات بما ليس في مصحف عثمان إذا لم يكن في مصحف عثمان ما يدفعها . وهذا جائز عند جمهور العلماء ، وهو عندهم يجري مجرى خبر الواحد في الاحتجاج به للعمل بما يقتضيه معناه دون القطع عن مغيبيه .

14503 - وفي مثل هذا ما مضى في كتاب الصلاة من الاحتجاج على تغيير قول الله - عز وجل - : فاسعوا إلى ذكر الله ( فامضوا إلى ذكر الله ) [ الجمعة : 9 ] وهي قراءة ابن مسعود .

14504 - وأما صيام الثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد ما يكفر به من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فجمهور أهل العلم يستحبون أن تكون متتابعات ، ولا يوجبون التتابع إلا في الشهرين اللذين يصامان كفارة لقتل الخطأ أو الظهار أو الوطء عامدا في رمضان ، ويستحبون في ذلك ما استحبه مالك .

14505 - ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع إلا قضاء رمضان .

[ ص: 191 ] 14506 - وعن ابن جريج ، قال : سمعت عطاء يقول : بلغنا أن في قراءة ابن مسعود فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك [ المائدة : 89 ] ، قال عطاء : وكذلك يقرؤها ، وكذلك كان يقرؤها أبو إسحاق والأعمش .

14507 - وعن معمر ، عن أبي إسحاق ، والأعمش ، قالا في حرف ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيام متتابعات .

14508 - وعن ابن عيينة ، عن ابن جريج ، قال : جاء رجل إلى طاوس يسأله عن صيام ثلاثة أيام كفارة اليمين ؟ فقال : صم كيف شئت . فقال مجاهد : يا أبا عبد الرحمن ، إنها من قراءة ابن مسعود متتابعات ، قال : فأخبر الرجل .

14509 - وفيما ذكرنا عن هؤلاء العلماء دليل على صحة ما وصفنا ، وبالله توفيقنا .

14510 - وأما قوله : " سئل مالك عن المرأة تصبح صائمة في رمضان ، فتدفع دفعة من دم عبيط في غير أوان حيضها . . " إلى آخر قوله فقد تقدم في كتاب الحيض وجه هذه المسألة ، وأصل مالك الذي تقدم منه هذه المسألة ، ومثلها عنده أن كل دم ظاهر من الرحم في غير أوان الحيض أو في غير أوانه - قل أو كثر - فهو دم حيض عنده ، تترك له المرأة الصوم والصلاة ما تمادى فيها حتى تتجاوز خمسة عشر يوما ، فيعلم ذلك الوقت أنه دم فساد ودم عرق منقطع لا دم حيض .

14511 - وهذه رواية المدنيين عنه .

14512 - وكذلك إذا جاوزت أيامها المعروفة واستظهرت بثلاث في رواية [ ص: 192 ] المصريين عنه . وهذا كله مبين في باب الحيض ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية