الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
64 55 - مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ؛ أنه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاة العصر ، فالتمس الناس وضوءا فلم يجدوه . فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء في إناء . فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الإناء يده . ثم أمر الناس يتوضئون منه . قال أنس : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه . فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم .


[ ص: 203 ] 2044 - جاء في هذا الحديث تسمية الماء وضوءا ، ألا ترى إلى قوله : " فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء في إناء ؟ " والوضوء بفتح الواو هو الماء ، والوضوء بالضم المصدر ، والعرب تسمي الشيء باسم ما يئول إليه وما قرب منه .

2045 - وفي هذا الحديث إباحة الوضوء للجماعة من إناء يغترفون منه في حين واحد ، ولم يراعوا هل أصاب أحدهم مقدار مد فما زاد من الماء ؟ كما قال : من ذهب إلى أن الوضوء لا يجوز بأقل من مد ، ولا الغسل بأقل من صاع .

2046 - وهذا المعنى مبين في موضعه من هذا الكتاب ، والحمد لله .

2047 - وفيه العلم العظيم من أعلام نبوته - عليه السلام - وهو نبع الماء من بين أصابعه ، وكم له من مثل ذلك - صلى الله عليه وسلم - .

2048 - والذي أعطي - عليه السلام - من هذه الآية المعجزة أوضح في آيات الأنبياء وبراهينهم مما أعطي موسى - عليه السلام - إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا .

[ ص: 204 ] 2049 - وذلك أن من الحجارة ما يشاهد انفجار الماء منها ، كما قال تعالى : " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار " [ البقرة : 74 ] ولم يشاهد قط أحد من بني آدم يخرج من بين أصابعه الماء غير نبينا ، عليه السلام .

2050 - وقد عرض له هذا مرارا ، مرة بالمدينة ، ومرة بالحديبية قبل بيعته المعروفة ببيعة الرضوان . فتوضأ من الماء الذي نبع من بين أصابعه جميع من حضر في ذلك اليوم ، وهم ألف وأربعمائة ، وقد قيل : ألف وخمسمائة .

2051 - وقد ذكرنا في التمهيد هذا الحديث من طرق ، وما كان في معناه من أعلام لنبوته ، وآياته ، ومعجزاته ، عليه السلام .

2052 - وأما حديث مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول : " من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامدا إلى المسجد " ، الحديث ففيه الترغيب في إسباغ الوضوء والمشي إلى الصلاة ، وترك الإسراع إليها لمن سمع الإقامة والإخبار بفضل ذلك كله .

2053 - وكان ابن عمر يسرع المشي إذا سمع الإقامة ، وخالف في ذلك أبا هريرة .

2054 - وسيأتي القول في معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فلا تأتوها وأنتم تسعون " في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية