الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
690 650 - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذي نفسي بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك . إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي . فالصيام لي وأنا أجزي به ، كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا [ ص: 248 ] أجزي به " .


14736 - قوله : " لخلوف فم الصائم " يعني ما يعتريه في آخر النهار من التغير ، وأكثر ذلك في شدة الحر .

14737 - وقوله : " أطيب عند الله من ريح المسك " يريد أزكى عند الله [ ص: 249 ] وأقرب إليه من ريح المسك عندكم ، يحضهم عليه ويرغبهم فيه . وهذا في فضل الطعام ، وثواب الصائم .

14738 - وقوله : " الصيام لي وأنا أجزي به " معناه - والله أعلم - أن الصوم لا يظهر من ابن آدم في قول ولا عمل ، وإنما هو نية ينطوي عليها لا يعلمها إلا الله ، وليست مما يظهر فيكتبها الحفظة كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة ، وسائر أعمال الظاهر ؛ لأن الصوم في الشريعة ليس هو بالإمساك عن الطعام والشراب دون استشعار النية واعتقاد النية بأن تركه الطعام والشراب والجماع ابتغاء ثواب الله ورغبته فيما ندب إليه تزلفا وقربة منه ، كل ذلك منه إيمانا واحتسابا ، لا يريد به غير الله - عز وجل - .

14739 - ومن لم ينو بصومه أنه لله عز وجل فليس بصيام . فلهذا قلنا : إنه لا تطلع عليه الحفظة ؛ لأن التارك للأكل والشرب ليس بصائم في الشرع إلا أن ينوي بفعله ذلك التقرب إلى الله تعالى كما أمره به ورضيه من تركه طعامه وشرابه له وحده لا شريك له ، لا لأحد سواه .

14740 - فمعنى قوله : " الصوم لي " - والله أعلم - وكل ما أريد به وجه الله فهو له لكنه ظاهر ، والصوم ليس بظاهر .

14741 - وفي قوله : " الصوم لي " فضل عظيم للصوم ؛ لأنه لا يضاف إليه إلا أكرم الأمور ، وأفضل الأعمال ، كما قال : " بيت الله " في الكعبة ، وكما قال تعالى : ونفخت فيه من روحي [ الحجر : 29 ] ، وقيل لعيسى - عليه السلام - : [ ص: 250 ] روح الله . وكما قال : صبغة الله [ البقرة : 138 ] ، وكما قال : وطهر بيتي للطائفين [ الحج : 26 ] ويقال : دين الله ، وبيت الله ، ومثل هذا كثير .

14742 - والصوم في لسان العرب الصبر .

14743 - قال ابن الأنباري : إنما سمي الصوم صبرا ؛ لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات .

14744 - وقال : قال - عليه السلام - : " من صام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر " يعني بشهر الصبر : شهر رمضان .

14745 - وقد يسمى الصائم سائحا ، ومنه قوله تعالى : السائحون [ التوبة : 112 ] . يعني الصائمين المصلين . ومنه قوله تعالى : عابدات سائحات [ التحريم : 5 ] .

14746 - وللصوم وجوه في لسان العرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية