الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
695 654 - وقال مالك في الموطأ : أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف ، هل يدخل لحاجته تحت سقف ؟ فقال : نعم ، لا بأس بذلك .

14826 - قال مالك : الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره [ ص: 275 ] الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه . ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها ، إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه ، إلى الجمعة أو يدعها . فإن كان مسجدا لا يجمع فيه الجمعة ، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه - فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف فيه ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال : وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] فعم الله المساجد كلها . ولم يخص شيئا منها .


14827 - وقال الشافعي : لا يعتكف في غير المسجد الجامع إلا من الجمعة إلى المسجد .

14828 - قال : والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلي .

14829 - قال : ويعتكف المسافر والعبد والمرأة حيث شاءوا ولا اعتكاف إلا في مسجد .

14830 - وذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك ، قال : لا يعتكف أحد إلا في رحاب المسجد التي يجوز فيها الصلاة .

14831 - واختلفوا في مكان اعتكاف النساء ف .

14832 - قال الشافعي ما قدمنا عنه .

14833 - وقال مالك : تعتكف المرأة في مسجد الجماعة . ولا يعجبه اعتكافها [ ص: 276 ] في مسجد بيتها .

14834 - وقال الكوفيون : لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ، ولا تعتكف في مسجد الجماعة .

14835 - وسنزيد هذا بيانا في باب قضاء الاعتكاف إن شاء الله ، وهناك ذكر مالك هذه المسألة .

14836 - قال أبو عمر : في ترجيل عائشة شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف دليل على أن اليدين من المرأة ليستا بعورة ، ولو كانتا عورة لم تباشره بهما في اعتكافه ; لأن المعتكف منهي عن المباشرة .

14837 - قال الله عز وجل : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] .

14838 - ويدلك على ذلك أيضا أنها تنهى في الإحرام عن لباس القفازين ، وتؤمر بستر ما عدا وجهها ، وكفيها ، وهكذا حكمها في الصلاة : تكشف وجهها ، وكفيها .

14839 - وقد مضى ذكر ما هو عورة في كتاب الصلاة .

14840 - وقد روى تميم بن سلمة ، وهشام بن عروة ، عن عروة ، عن [ ص: 277 ] عائشة ، قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدني إلي رأسه وهو مجاور وأنا في حجرتي فأرجله وأنا حائض .

14841 - وفي ذلك دليل على أن الحائض طاهر غير نجسة إلا موضع النجاسة منها .

14842 - وقد مضى هذا المعنى مجودا في باب الحيض .

14842 م - وأما قولها : " وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان " تعني [ ص: 278 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي ذلك دليل على أن المعتكف لا يشتغل بغير ملازمة المسجد للصلوات ، وتلاوة القرآن ، وذكر الله ، أو السكوت ففيه سلامة . " ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان " ، كل ما لا غنى بالإنسان عنه من منافعه ، ومصالحه ، وما لا يقضيه عنه غيره .

14843 - ومعنى ترجيل شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمال كل ما كان فيه صلاح بدنه من الغذاء وغيره مما يحتاج إليه .

14844 - ومن جهة النظر فإن المعتكف ناذر ، جاعل على نفسه المقام في المسجد لطاعة الله ، فواجب عليه الوفاء بذلك ، وأن لا يشتغل بما يلهيه عن الذكر والصلاة ، ولا يخرج إلا لضرورة ، كالمرض البين ، والحيض في النساء ، وهذا في معنى خروجه - صلى الله عليه وسلم - لحاجة الإنسان ؛ لأنها ضرورة .

14845 - واختلف قول مالك في المعتكف يخرج لعذر غير ضرورة مثل : [ ص: 279 ] أن يموت أبوه ، أو ابنه ، ولا يكون له من يقوم به ، أو شراء طعام يفطر عليه ، أو غسل النجاسة من ثوبه ، فروي عنه أنه من فعل ذلك كله يبتدئ اعتكافه ، وروي عنه أنه يبني ، وهو الأصح عندي ؛ قياسا على حاجة الإنسان .

التالي السابق


الخدمات العلمية