الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 290 ] ( 2 ) باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به

658 - مالك ، أنه بلغه أن القاسم بن محمد ، ونافعا مولى عبد الله بن عمر ، قالا : لا اعتكاف إلا بصيام ؛ بقول الله تبارك وتعالى في كتابه : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام .

14912 - قال مالك : وعلى ذلك الأمر عندنا ، أنه لا اعتكاف إلا بصيام .


14913 - قال أبو عمر : قول مالك : " وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف [ إلا بصيام ] " في هذا الباب هو قول ابن عباس على اختلاف عنه .

[ ص: 291 ] 14914 - وهو قول عبد الله بن عمر ، وعائشة - رضي الله عنهم - .

14915 - ذكر ابن وهب ، وعبد الرزاق ، قالا : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس وابن عمر ، قالا : لا اعتكاف إلا بصوم .

14916 - وبه قال عروة بن الزبير ، وعامر الشعبي ، وابن شهاب الزهري ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد .

14917 - وقال الشافعي : الاعتكاف جائز بغير صيام .

14918 - وهو قول علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - كلاهما قال : المعتكف إن شاء صام وإن شاء لم يصم .

14919 - وعن ابن مسعود أنه قال : ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه .

[ ص: 292 ] 14920 - وبه قال الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمر بن عبد العزيز .

14921 - وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وابن علية ، وداود .

14922 - واختلف في هذه المسألة عن ابن عباس ، وروى عنه طاوس : ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه .

14923 - رواه أبو سهيل : نافع بن مالك ، عن طاوس .

14924 - وروى عنه عطاء ، ومقسم ، وأبو فاختة : لا اعتكاف إلا بصوم .

14925 - وكذلك روى ليث ، عن طاوس .

14926 - واختلف في هذه المسألة عن إبراهيم النخعي ، فروي عنه القولان جميعا .

14927 - وكذلك اختلف فيها عن أحمد وإسحاق .

14928 - وأما أبو ثور فقوله فيها كقول الشافعي ، وهو اختيار المزني ، واحتج لمذهبه ومذهب الشافعي كذلك بحجج .

14929 - منها ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نذر أن يعتكف ليلة ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوفي بنذره ، وليس الليل موضع صيام .

[ ص: 293 ] 14930 - ومنها ، أن صيام رمضان لا ينوي به أحد رمضان وغيره معا ، لا واجبا من الصيام ولا غير واجب . ومعلوم أن اعتكاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في رمضان .

14931 - ومنها ، أن ليل المعتكف ونهاره سواء ، وليس الليل بموضع الصيام .

14932 - وذكر الحميدي ، عن الدراوردي ، قال : أخبرني أبو سهيل بن مالك ، قال : اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز ، فكان على امرأتي اعتكاف ثلاثة أيام في المسجد الحرام ، فقال ابن شهاب : لا يكون الاعتكاف إلا بصيام ، فقال عمر بن عبد العزيز : أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا . قال : فمن أبي بكر ؟ قال : لا . قال : فمن عمر ؟ قال : لا . قال : فمن عثمان ؟ قال : لا . قال أبو سهيل : فانصرفت ، فوجدت طاوسا وعطاء فسألتهما عن ذلك ، فقال طاوس : كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه ، قال عطاء : وذلك رأيي .

وبالله التوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية