الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
660 - وأما قول مالك : إنه رأى أهل العلم إذا اعتكفوا في العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا الفطر مع المسلمين .

14935 م - قال مالك : وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا ، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك .


14936 - قال أبو عمر : هذا من قوله يدل على أنه سمع الاختلاف في هذه المسألة . وقد اختلف قوله فيها ، فالأكثر عنه ما في موطئه أنه لا يخرج من معتكفه من اعتكف العشر الأواخر إلا إلى المصلى ، وإن خرج فلا شيء عليه .

14937 - رواه ابن القاسم عن مالك في " المدونة " ، وهو قول ابن القاسم .

14938 - وقال ابن الماجشون ، وسحنون : يعيد اعتكافه .

[ ص: 296 ] 14939 - قال سحنون : لأن السنة المجمع عليها أن يبيت في معتكفه حتى يصبح .

14940 - قال أبو عمر : لم يقل بقولهما أحد من أهل العلم فيما علمت إلا رواية جاءت عن مالك ذكرها إسماعيل في " المبسوط " لا وجه لها في القياس لما وصفنا ، والصحيح عن مالك فيها ما ذكرنا . ولم يجتمع على ما ذكر سحنون أنها سنة مجمع عليها ، والخلاف موجود فيها ، والخلاف لا حجة فيه .

14941 - وذكر ابن وهب عن الليث ، أن عقيلا حدثه عن ابن شهاب أنه كان لا يرى بأسا أن ينصرف المعتكف إلى أهله ليلة الفطر .

14942 - وبه قال الليث بن سعد .

14943 - قال أبو عمر : هي مسألة استحباب ؛ ليصل المعتكف اعتكافه بصلاة العيد ، فيكون قد وصل نسكا بنسك ، والله أعلم ؛ لأن ذلك لا واجب ولا لازم ولا سنة مؤكدة ; لأن الأصل : ليلة العيد ويوم العيد ليس بموضع اعتكاف لا سيما عند من لا يراه إلا بصيام ، ومع هذا فإن الذي ذكره مالك معلوم بالمدينة وبالكوفة .

14944 - ذكر ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يكون غدوه منه إلى العيد .

[ ص: 297 ] 14945 - وعن وكيع ، عن ابن عمر ، عن عمران بن جرير ، عن أبي مجلز ، قال : يبيت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكف فيه حتى يكون خروجه منه إلى مصلاه .

14946 - وعن إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أنه فعل مثل ذلك .

14947 - فهؤلاء من أهل الكوفة والبصرة أعلام ، إلى ما حكاه مالك عن طائفة من فضلاء أهل المدينة وعلمائهم .

14948 - ومذهب أحمد بن حنبل في ذلك على ما اختاره مالك واستحبه .

14949 - وكان الشافعي ، والأوزاعي يقولان : يخرج من اعتكافه إذا غربت الشمس من آخر أيامه .

14950 - قال الشافعي : إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل قبل الغروب ، فإذا أهل هلال شوال فقد أتم العشر .

14951 - وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه .

14952 - قال أبو عمر : قد أجمعوا في المعتكف في العشر الأول ، أو الوسط من رمضان أنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه .

14953 - وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن ، ورواية من روى : يخرج من [ ص: 298 ] صبيحتها أو في صبيحتها ، وإجماعهم على ذلك نقيض ما اختلفوا فيه من الخروج لمن اعتكف العشر الأواخر ، ويدل على تصويب رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه ، يعني بعد الغروب ، والله أعلم .

14954 - والصحيح في تحصيل مذهب مالك أن يقوم المعتكف ليلة الفطر في معتكفه ، وخروجه منه إلى العيد استحباب وفضل لا إيجاب ، وهو الذي ذكر فيه قوله في موطئه ، بل قد نص عليه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية