الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
718 679 - وذكر عن نافع ; أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم . فقال عمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال طلحة : يا أمير المؤمنين . إنما هو مدر . فقال عمر : إنكم أيها الرهط أئمة [ ص: 37 ] يقتدي بكم الناس . فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب ، لقال : إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام . فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة .

680 - وذكر عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ; أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة ، ليس فيها زعفران .

15318 - وسئل مالك عن ثوب مسه طيب ، ثم ذهب منه ريح الطيب ، هل يحرم فيه ؟ فقال : نعم . ما لم يكن فيه صباغ : زعفران أو ورس .


15319 - قال أبو عمر : الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم على ما في حديث ابن عمر هذا .

15320 - والورس نبات يكون باليمن صبغه ما بين الصفرة والحمرة ، ورائحته طيبة فإن غسل ذلك الثوب حتى يذهب ريح الزعفران منه وخرج عنه فلا بأس به عند جميعهم أيضا .

15321 - وكان مالك - فيما ذكره ابن القاسم عنه - : يكره الثوب الغسيل من الزعفران والورس إذا بقي فيه من لونه شيء . وقال : لا يلبسه المحرم وإن غسله إذا [ ص: 38 ] بقي فيه شيء من لونه إلا أن لا يجد غيره فإن لم يجد غيره صبغه بالمشق وأحرم فيه .

15322 - قال أبو عمر : انفرد يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي معاوية ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ، قال فيه : ولا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلا .

15323 - وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران ، قال : رأيت يحيى بن سعيد وهو يتعجب من الحماني كيف يحدث بهذا الحديث ، فقال عبد الرحمن بن مهدي : هذا عندي . ثم وثب من فوره فجاء بأصله ، فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية هذا كما قال الحماني .

15324 - واختلفوا في العصفر ، فجملة مذهب مالك أن العصفر ليس بطيب ، ويكره للحاج استعمال الثوب الذي ينتفض في جلده ، فإن فعل فقد أساء ولا [ ص: 39 ] فدية عليه .

14325 - وهو قول الشافعي .

15326 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : العصفر طيب ، وفيه الفدية على من استعمل شيئا منه في اللباس وغيره إذا كان محرما .

15327 - وقال أبو ثور كقول أبي حنيفة إلا في المعصفر إنه قال : إن لبسه المحرم فقد أساء ولا شيء عليه .

15328 - قال : وإنما كرهناه ; لأن النبي - عليه السلام - نهى عن لبسه ، لأنه طيب .

15329 - قال أبو عمر : النهي عن لبس المعصفر محفوظ في حديث علي بن أبي طالب من حديث مالك عن نافع ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس القسي ، وعن لبس المعصفر . . ، الحديث .

15330 - وأما إنكار عمر على طلحة لباسه المصبغ بالمدر فإنما كرهه من طريق رفع الشبهات ; لأنه صبغ لا يختلف العلماء في جوازه ، وإنما كره أن تدخل الداخلة على من نظر إليه فظنه صبغا فيه طيب ، وللأئمة الاجتهاد في قطع الذرائع .

[ ص: 40 ] 15331 - وفيه شهادة عمر بأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم أئمة .

15332 - روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب أبصر على عبد الله بن جعفر ثوبين مدرجين وهو محرم ; فقال عمر : ما هذا ؟ فقال علي : ما أخال أحدا يعلمنا السنة . فسكت عمر .

15333 - وأما رواية مالك عن هشام بن عمرو ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر فلم يتابعه أحد ، والله أعلم ، على قوله " عن أبيه " من أصحابه في هذا الحديث عن هشام بن عروة وإنما يروونه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء .

15334 - وأما لباس أسماء للمعصفرات فلا خلاف للعلماء في أن الرجال والنساء في الطيب سواء ، واختلافهم في المعصفر هل هو طيب أم لا ؟ فقد اختلف ، وسيأتي ذكر الطيب في بابه إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية