الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
731 692 - وذكر مالك أيضا عن يحيى بن سعيد ، وعبد الله بن أبي بكر ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ; أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه ، وقبل أن يفيض ، عن الطيب ، فنهاه سالم . وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت .


15426 - قال أبو عمر : لم يختلف عن خارجة فيما حكاه عنه مالك في موطئه ، واختلف عن سالم فروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن سالم بن عبد الله - وربما قال : عن أبيه ، وربما لم يقل - قال عمر : إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب .

15427 - قال إسماعيل بن إسحاق جاء عن عائشة : أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله بعد أن رمى الجمرة ، وقبل أن يطوف .

15428 - قال سالم : وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع .

15429 - قال أبو عمر : راعى مالك الخلاف في هذه المسألة فلم ير بعد رمي [ ص: 66 ] الجمار الفدية ، وقبل الإفاضة .

15430 - قال أبو ثابت : قلت لابن القاسم : أكان مالك يكره أن يتطيب إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض ؟ قال : نعم . قلت : فإن فعل أترى عليه الفدية ؟ قال : لا أرى عليه شيئا لما جاء في ذلك .

15431 - قال مالك : لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب قبل أن يحرم ، وقبل أن يفيض بالزيت والبان غير المطيب مما لا ريح له .

15432 - قال : والفرق في التطيب بين الجاهل ، والعاقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة ، وغسل الصفرة ، ولم يأمره بفدية ، ولو كانت عليه فدية لأمر بها كما أمره بنزع الجبة .

15433 - وفي هذه القصة رد على من زعم من العلماء أن الرجل إذا أحرم وكان عليه قميص كان له أن يشقه ، وقالوا : لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال قميصه ; لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه ، وذلك لا يجوز له : فلذلك أمر بشقه .

15434 - وممن قال بذلك : الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، وأبو قلابة ، وسعيد بن جبير على اختلاف عنه .

15435 - وحجتهم ما رواه عبد الرزاق ، عن داود بن قيس ، عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة أنه سمع ابني جابر بن عبد الله يحدثان عن أبيهما ، قال : بينما [ ص: 67 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه فقيل له ؟ فقال : واعدتهم يقلدون هديي اليوم فنسيت .

15436 - ورواه أسد بن موسى ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن عطاء بن عبد الملك ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد : " فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي " .

وكان بعث ببدنه ، وأقام بالمدينة .

15437 - وقال جمهور فقهاء الأمصار : ليس على من نسي فأحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه .

15438 - وهو قول عطاء ، وطاوس ، وبه قال مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والثوري ، وسائر فقهاء الأمصار أصحاب الرأي والآثار .

15439 - واحتجوا بحديث يعلى بن أمية في قصة الأعرابي الذي أحرم وعليه جبة ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزعها .

15440 - ولا خلاف بين أهل الحديث أنه حديث صحيح ، وحديث جابر الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء ضعيف لا يحتج به . وهو مردود أيضا بحديث عائشة أنها قالت : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يقلده ويبعث به ولا [ ص: 68 ] يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي .

15441 - وإن كان جماعة من العلماء قالوا : إذا أشعر هديه أو قلده فقد أحرم .

15442 - وقال آخرون : إذا كان يريد بذلك الإحرام .

15443 - قال أبو عمر : ليس نزع القميص بمنزلة اللباس ، لأن المحرم لو حمل على رأسه شيئا لم يعد ذلك كلباس القلنسوة . وكذلك من تردى بإزار أو جربه بدنه لم يحكم له بحكم لباس المخيط .

15444 - وهذا يدل أنه إنما هو نهي عن لباس القلنسوة بالإحرام اللباس المعهود ، وعن لباس الرجل القميص اللباس المعهود ، وأن النهي إنما وقع في ذلك ، وقصد به إلى من تعمد فعل ما نهي عنه في إحرامه من اللباس المعهود في حال إحلاله .

15445 - وقوله " اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك " ، فإنما أراد : من غسل الطيب ، ونزع المخيط .

وهذا أوضح من أن يتكلم فيه .

[ ص: 69 ] 15446 - وأما قول مالك في آخر الباب عن طعام فيه زعفران ، هل يأكله المحرم ؟ فقال : أما ما تمسه النار من ذلك فلا بأس به أن يأكله المحرم . وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم .

15447 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في هذه المسألة .

15448 - فقال مالك : إن المحرم لا يمس طيبا .

15449 - فجملة قول مالك أن المحرم لا يمس طيبا ولا يشمه ولا يصحب من يجد منه ريح طيب ولا يجلس إلى العطارين .

15450 - قال مالك : وأرى أن يقام العطار من بين الصفا والمروة وأن لا نخلق الكعبة .

15451 - ومذهبه أن من مس طيبا وانتفع به افتدى .

15452 - قال مالك : ولا بأس أن يأكل المحرم الخبيص والطعام الذي [ ص: 70 ] طبخت زعفرانته النار .

15453 - قال أبو حنيفة : يكره للمحرم مس الطيب وشم الريحان فإن شم الطيب فلا فدية عليه ، تعلق بيده منه شيء أم لا ، ولا بأس أن يأكل المحرم عنده الخبيص ، والطعام الذي طبخت زعفرانته النار كقول مالك .

15454 - وقال الشافعي ، والأوزاعي : لا بأس أن يشم المحرم الطيب وأن يجلس إلى العطارين .

15455 - وللشافعي أقاويل فيما مسته النار من الزعفران في الخبيص والطعام أحدها مثل قول مالك . والآخر إن كان يصبغ اللسان فعليه الفدية .

15456 - ذكره المزني عنه .

15457 - وقال في الأم والمختصر : إن وجد له ريح أو لون أو طعم فعليه الفدية ، وإن لم يكن إلا اللون وحده فلا فدية فيه بمنزلة العصفر إذا غسل .

15458 - قال أبو عمر : روي عن عطاء ، ومجاهد والأسود بن يزيد ، ونافع مولى ابن عمر ، وسعيد بن جبير ، وجابر بن زيد ، وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يرخصون في الخبيص والجوارشنات الأصفر إذا مسته النار للمحرم .

[ ص: 71 ] 15459 - وعن عطاء في الجوارشنات والخبيص إذا لم يجد طعمه ولا ريحه فلا بأس به .

15460 - وذكره عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، قال : حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه أنه كره للمحرم طعام فيه زعفران .

التالي السابق


الخدمات العلمية